العدد 2879 - السبت 24 يوليو 2010م الموافق 11 شعبان 1431هـ

ملتقى الخليج للأبحاث... مبادرة رائدة لمناقشة قضايا التنمية في دول مجلس التعاون

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

في يوليو/ تموز من العام 2008 كتبت مقالاً في جزأين بعنوان «دعوة إلى مناقشة قضايا التنمية في دول المجلس» (وليد خليل زباري، دعوة إلى مناقشة قضايا التنمية في دول المجلس، الوسط، العدد 2147، 23 يوليو 2008، ص 19)، وخلاصة المقال، كما يدل عنوانه، أن دول مجلس التعاون، بالرغم من مرور ما يربو على أربعة عقود منذ تكوين الدولة الحديثة ومرور العديد من دول المجلس بعدة نماذج من التجارب التنموية، فإنها لم تقم بتقييم هذه التجارب ودراسة جوانبها المتعددة وإيجابياتها وسلبياتها، وكذلك إنه بالرغم من التطورات المتسارعة التي تحدث في دول مجلس التعاون والمتغيرات الخطيرة العديدة التي تمر بها، والتربص العالمي المستمر لهذه المنطقة بسبب مخزونها الاستراتيجي من النفط والغاز الطبيعي، وبرغم الإمكانات المادية الهائلة التي تمتلكها هذه الدول، وبرغم من أنه لا يخلو يوم ولا تذكر كلمة «التنمية المستدامة» (نموذج «التنمية المستدامة»: الموازنة بين التنمية الاجتماعية والتنمية الاجتماعية والمحافظة على البيئة، تقرير لجنة برنتلاند: مستقبلنا المشترك، 1987، مطبعة أكسفورد)، على لسان المسئولين الحكوميين في وسائل الإعلام، فإن المجتمعات الخليجية لم تُعرّف حتى الآن ماذا تعني بالتنمية المستدامة ولم تجرَ الدراسات والبحوث العلمية المعمقة المطلوبة لترجمة نموذج التنمية هذا على أرض الواقع، وتحديد أبعادها المختلفة في المجتمع وما يجب عمله لتقليل التأثيرات الخارجية والداخلية.

في العقود الماضية مرت دول المجلس بالعديد من التجارب التنموية في ظل رؤى، بعضها قام بتقليد تجارب دول أخرى من خارج المنطقة في شرق آسيا نجحت في تحقيق إنجازات ملموسة في العديد من الميادين، ولكنها تختلف عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لدول المجلس، ولم ينجح أسلوب «القص واللزق» في تحقيق أهدافها، حيث إن هذه الرؤى لم تنبع من داخل المجتمع الخليجي نفسه.

والبعض الآخر كان مجرد رؤى يمتلكها شخص أو مجموعة أشخاص لم يتم مناقشتها ودراستها بتعمق أو تحديد تأثيراتها السلبية على المجتمع، وخلطت بين مفهوم «النمو الاقتصادي» و»التنمية الاقتصادية» (يختلف مفهوم «النمو الاقتصادي» عن «التنمية الاقتصادية»، فالتنمية الاقتصادية تُعرّف بأنها العملية والسياسات التي من خلالها تقوم الدولة بتحسين الحالة الاقتصادية والسياسية ورفاه وصحة شعبها، بينما النمو الاقتصادي يدل على زيادة في الإنتاج الكمي ويقاس عادة بالناتج القومي المحلي. آرثر أوسوليفان وستيفن شيفرن، 2003، علم الاقتصاد، برنتيس هول، على أساس أن النمو الاقتصادي، والمتمثل بقوى وحراك السوق، كفيل برفع مستوى المعيشة والتقدم للمواطنين وحل المشاكل التي يعانيها المجتمع، وأصبح تحقيق أعلى نمو اقتصادي هو الهدف التنموي. ولقد بينت السنوات الماضية خطأ هذا المفهوم ومدى المخاطر التي يحملها والسلبيات العديدة التي تصاحبه. وللأسف قامت بعض دول المجلس بالتنافس في هذا النموذج. وجميع هذه التجارب التنموية، وإن كانت قد نجحت في بعض الميادين كالاقتصاد، وهو أمر أصبح موضع شك حالياً، فشلت في الجوانب الأخرى وأهمها الاجتماعية والثقافية والبيئية، وأفرزت العديد من المشاكل التي يعاني منها المجتمع الخليجي حالياً في هذين الجانبين، مثل انحسار الهوية والثقافة الوطنية والتدهور البيئي والنضوب السريع للموارد الطبيعية، وغيرها من المشاكل.

وعودة إلى المطالبة بفتح باب النقاش في موضوع التنمية وقضاياها في دول المجلس والحاجة إلى إجراء الدراسات والبحوث في هذا المجال للوصول إلى قناعات تنموية مبنية على التجارب السابقة، حدثت في الآونة الأخيرة مبادرة ينتظر منها أن تكون خطوة رائدة في هذا المجال.

ففي الأسبوع الأول من يوليو/ حزيران 2010، قام مركز الخليج للأبحاث (مركز الخليج للأبحاث، دبي، www.grc.ae)، ومن خلال مؤسسة مركز الخليج للأبحاث في جامعة كامبريدج، بتنظيم وعقد ملتقى الخليج للأبحاث 2010 في كلية روبنسون بجامعة كامبريدج ببريطانيا. وهدف هذا الملتقى، الذي يعقد لأول مرة، بشكل عام إلى توفير بيئة أكاديمية تشجع على إجراء دراسات وأبحاث تتعلق بمنطقة الخليج وتعزيز التبادل الأكاديمي بين المتخصصين والمهتمين بشئون منطقة الخليج والتي تضم دول مجلس التعاون واليمن والعراق وإيران. وهدف الملتقى إلى رصد وتحليل قضايا مهمة بالنسبة لمنطقة الخليج وإقامة منتدى يهتم بإجراء الدراسات الأكاديمية التي تعتمد على التجربة العملية حول هذه القضايا، كما هدف المنتدى بشكل خاص إلى تشجيع الأكاديميين الشباب للمشاركة في الحوارات الدائرة والمساهمة في كتابة الدراسات والأبحاث حول المنطقة.

واشتملت محاور الملتقى العديد من القضايا المهمة والملحة على الساحة الخليجية والتي تقع في صلب العملية التنموية وأبعادها المختلفة، وهي:

1 - الموارد الطبيعية والمحاسبة والديمقراطية.

2 - آليات المشاركة السياسية الرسمية وغير الرسمية.

3 - دور القطاع الخاص في تشجيع الإصلاحات الاقتصادية والسياسية.

4 - قطاع البنوك والمالية في دول مجلس التعاون.

5 - السكان وسوق العمل والهوية الوطنية.

6 - تأثير الهجرة على تنمية واستقرار الخليج.

7 - تطوير أجندة للدراسات الأمنية في الخليج.

8 - حاكمية التعليم العالي في دول المجلس.

9 - السياسات البيئية في الخليج.

10 - علاقات الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون.

11 - علاقات الصين والخليج.

12 - الإسلام السياسي في الخليج.

وعقدت ورشة عمل في كل محور من المحاور الاثنى عشر، وعلى مدى يومين، قدمت فيها 12 ورقة علمية أو أكثر من قبل أكاديميين من المنطقة ومن خارجها، وتم مناقشة هذه الأوراق بشكل مستفيض ووصل عدد المشاركين إلى أكثر من240 مشاركاً من مقدمي الأوراق والمستمعين. وخلال هذه الورش نوقشت العديد من القضايا المهمة، وطرحت العديد من المواضيع والقضايا المستجدة في المنطقة ومحيطها بشكل علمي وموضوعي بعيداً عن التشنجات السياسية.

هذا الحراك العلمي لمناقشة القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية في دول المجلس، والذي مخطط له أن يعقد كل عام، ألقى الضوء على العديد من القضايا والتحديات المهمة التي تواجه دول المجلس، ونتج عنه كمٌ هائل من المعلومات المفيدة للباحثين والأكاديميين المهتمين بالشأن الخليجي، والأهم من ذلك للمسئولين الخليجيين المعنيين بالتنمية ليستفيدوا من هذه الأبحاث والدراسات الأكاديمية في التخطيط لمستقبل المنطقة. فنتائج هذا الملتقى مادة جاهزة لهؤلاء المسئولين لإعادة فتح ملفات التنمية والشروع بجدية في مراجعة الرؤى الاستراتيجية المبنية عليها، مستفيدين من خلاصة عمل الباحثين والأكاديميين من المنطقة وخارجها. بل إنها دعوة لدول المجلس والأمانة العامة لتبني هذا النوع من الملتقيات وعقدها بشكل دوري لتصب مخرجاتها في خدمة خطط التنمية في المنطقة.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 2879 - السبت 24 يوليو 2010م الموافق 11 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً