العدد 290 - الأحد 22 يونيو 2003م الموافق 21 ربيع الثاني 1424هـ

الصراع السياسي بين الإسلام والعلمانية: تركيا أنموذجا

محمود حسن جناحي comments [at] alwasatnews.com

-

على رغم كل الإجراءات العلمانية في تركيا، ابتداء من أتاتورك وإلغائه للخلافة الإسلامية، مرورا بالانقلابات العسكرية المتكررة، فقد ظل الإسلام محتفظا بقواه داخل وجدان الشعب التركي، وظل يعاود الظهور من حين لآخر، وبصور سياسية واجتماعية مختلفة، ولكن ظلت الحقيقة واحدة: إن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه رب العالمين لعباده، فلا يمكن إلغاؤه أو تحجيمه أو تفتيته بجرّة قلم، أو بفكر منحرف، أو بنزوة من دكتاتور خائن.

هذه قصة رجل فريد، قاد حزبا فريدا، فأصبح الرجل والحزب يمثلان أصالة الإسلام وصلابته في وجه أكثر النظم العلمانية واللائكية قسوة في التاريخ المعاصر.

كيف بدأت القصة؟

في عام 1926، في مدينة سينوب الشمالية، الواقعة على ساحل البحر الأسود ولد نجم الدين أربكان، الذي لعب - وما زال - دورا مهما في الحياة السياسية في تركيا. فقد استطاع هذا القائد الفذ أن يضع بصماته على مجرى الأحداث في بلاده.

تلقى أربكان تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في تركيا، وكان الأول في صفه طوال سني دراسته. وعندما نال الشهادة الثانوية عام 1943 تقدم إلى امتحان القبول في جامعة الهندسة في اسطنبول فقبل في السنة الثانية مباشرة، تخرج عام 1948 من كلية الهندسة الميكانيكية وكان ترتيبه الأول بين المتخرجين. ونظرا لذكائه وتفوقه أوفد للتخصص في ألمانيا، حيث مكث هناك من 1951 إلى 1953، توصل خلالها إلى اكتشافات كثيرة في مجال إنتاج محرك للدبابات يعمل بكل أنواع الوقود.

في العام 1969 حاول أربكان أن يرشح نفسه لمجلس النواب عن حزب العدالة الذي كان يضم نخبة من أصحاب الاتجاه الإسلامي، ولكن حزب العدالة رفض ترشيحه، مما اضطره أن يدخل الانتخابات مستقلا عن دائرة قونية ، فنجح نجاحا كبيرا.

حزب النظام الوطني

وفي داخل المجلس استطاع أربكان تكوين مجموعة من أصحاب الاتجاه الإسلامي وكونوا في 26 يناير/ كانون الثاني 1970 «حزب النظام الوطني» ليعبر عن اتجاههم الإسلامي. وقد أدركت جميع القوى الداخلية والخارجية أن عاملا جديدا حاسما قد دخل المعركة، وأن هذا العامل سيحدث اضطرابا في ميزان القوى. وفي العام 1971 عقد الحزب مؤتمره العمومي الأول، وكان مظاهرة إسلامية هائلة، مما دعا القوى العلمانية إلى اعتباره انحرافا خطيرا عن مبادئ الكمالية، وكان هذا سببا في إغلاق الحزب في أبريل/ نيسان 1971 ومصادرة أمواله وممتلكاته!

حزب السلامة الوطني

في أكتوبر/ تشرين الأول 1972 كونت مجموعة أربكان حزبا جديدا أطلقت عليه اسم «حزب السلامة الوطني» ليعبر عن طموح الشعب التركي في مزيد من الارتباط بدينه الإسلامي. واستطاع الحزب في أول معركة انتخابية خاضها في أكتوبر 1973 أن يحرز نجاحا كبيرا رغم عمره القصير جدا، فقد كانت نتيجة الانتخابات كما يلي:

186 مقعدا لحزب الشعب الجمهوري (اليساري) بزعامة بولنت أجاويد، 149 مقعدا لحزب العدالة (اليميني) بزعامة سليمان ديميريل، 48 مقعدا لحزب السلامة الوطني (الإسلامي) بزعامة أربكان، وقد شارك حزب السلامة في الحكومة خلال هذه الفترة مرتين مؤتلفا مع حزب الشعب أولا، ثم مع حزب العدالة، محققا المكاسب الآتية:

فتح عدد كبير من مدارس الأئمة والخطباء، البدء لأول مرة بتدريس مادة الأخلاق (وتعني الإسلام) كمادة إجبارية في المدارس، تبني إنشاء الصناعات الثقيلة، السماح للأتراك بالسفر برا إلى الحج وكان ذلك ممنوعا، العفو السياسي عن المسجونين، التدخل العسكري الناجح في قبرص. وهكذا بدا واضحا للعيان، وبطريقة سلمية ديمقراطية بحتة، أن تركيا بدأت تستعيد هويتها الإسلامية، ولكن الغول العلماني الحاقد في الداخل، والمدعوم من الخارج، كان للإسلاميين بالمرصاد، وجاء الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال كنعان أفرين في سبتمبر/ أيلول 1980، الذي ألغى الأحزاب عموما ومستهدفا الإسلاميين خصوصا.

حزب الرفاه

في عام 1982، وبعد أن خفف العسكر من قبضتهم قليلا شكل الإسلاميون حزبهم للمرة الثالثة تحت مسمى «حزب الرفاه». وهكذا استأنف الحزب القديم الجديد كفاحه العظيم محققا النجاحات الآتية:

خاض الانتخابات البلدية في 1984 وفاز بأقل من 5 في المئة من الأصوات...

خاض الانتخابات النيابية في 1987 وفاز بأكثر من 7 في المئة من الأصوات...

خاض الانتخابات البلدية في 1989 ونال حوالي 10 في المئة من أصوات الناخبين...

خاض الانتخابات النيابية في 1991 ونال حوالي 17 في المئة من الأصوات...

خاض الانتخابات البلدية في 1994 وخرج منتصرا بتصويت 19 في المئة من الناخبين لصالحه...

وحقق الرفاه قمة انتصاراته في الانتخابات النيابية في العام 1995 بفوزه بأكثر من 21 في المئة من الأصوات محققا المركز الأول.

وبعد محاولات مستميتة فاشلة من القوى العلمانية المدعومة من الجيش لمنع أربكان من تشكيل الحكومة، جاء الحدث التاريخي الكبير: نجاح الإسلاميين في ترؤس حكومة تركية بالائتلاف مع حزب «الطريق المستقيم» بزعامة طانسو تشيللر وذلك في 29 يونيو/ حزيران 1996.

ولكن المعركة لم تنته، بل ازدادت ضراوة، ولجأت معظم الأحزاب العلمانية والجيش إلى سلوك كل طريق لمنع أربكان من ممارسة سلطاته كرئيس للوزراء.

وجاءت تلك اللحظات المقيتة، التي لا يتورع الإنسان فيها عن ممارسة أبشع أنواع الظلم، ولا يهمه أن يتردى إلى أسفل سافلين: قرار المحكمة الدستورية يوم الجمعة 16 يناير 1998 بحل «حزب الرفاه» واستعد الحق لجولة جديدة في صراعه مع الباطل...

حزب الفضيلة

قررت المحكمة حل الحزب وفصل رئيسه أربكان من البرلمان ومنعه من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات!

وأسس الإسلاميون حزبهم الرابع بقيادة رجائي قوطان. فهذا الحزب الإسلامي الفريد حزب مبادئ لا حزب أشخاص. وكذا العلمانية... تستهدف الإسلام نفسه لا الأشخاص! واستأنف الإسلاميون معركتهم، والعلمانيون عدوانهم، فأصدرت المحكمة قرارها بحل «حزب الفضيلة»، ولكن... الإسلام غير قابل للحل!

حزب «السعادة»

وحزب «العدالة والتنمية»

وهما الحزبان الإسلاميان الجديدان في تركيا اليوم. أما حزب «العدالة والتنمية» بزعامة رجب طيب أردوغان فقد اكتسح الانتخابات الأخيرة، وحقق نصرا لم يسبق له مثيل في التاريخ السياسي الحديث لتركيا... وأما حزب «السعادة» بزعامة نجم الدين أربكان فيداوي جروحه الآن استعدادا لجولة جديدة مقبلة ضمن معركة الإسلام والعلمانية في تركيا

العدد 290 - الأحد 22 يونيو 2003م الموافق 21 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً