العدد 2915 - الأحد 29 أغسطس 2010م الموافق 19 رمضان 1431هـ

حرائق الإطارات والمقالات

عبدالجليل النعيمي comments [at] alwasatnews.com

لحساسيته المفرطة تصعب الكتابة في موضوع كهذا في ظرف مشحون يتراجع أو حتى يغيب فيه العقل أحياناً. إنها لمخيفة حقاً وصمة «يا إحنه يا هم» التي تحدث عنها أخي وزميلي عثمان الماجد في مقالته الرائعة في إحدى الصحف المحلية الأسبوع الماضي «أية معارضة هذه؟». ولأن الغبار المثار لم ينقشع بعد فإن بقاءه يدفع للكتابة بإلحاح.

تذكروا... من أيام هيئة الاتحاد الوطني في خمسينيات القرن الماضي وحتى ثمانينياته... من ذا الذي يمكن أن يجرؤ فيصم أياً من التنظيمات السياسية أو قادتها بالطائفية؟ تذكروا يوم خرج شعبنا موحداً لنصرة شعبي مصر والجزائر ووقوفه الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. تذكروا إرادتنا التي تلاحمت كشعب بحريني في مقاومة الاستعمار البريطاني - بالسلم والقوة - والدفاع عن مصالح الشعب المقهور. من ذا الذي كان يميز بين بونودة والقصاب ونجم وغيرهم من الشهداء الذين اختلطت دماؤهم الزكية فداء للوطن، من أية طائفة هذا الشهيد أو ذاك؟ تذكروا مارس/ آذار 1970 حين أسمع شعب البحرين بصوت واحد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة أنه يريد بلاده عربية مستقلة عن المستعمر البريطاني أو الطامع الإيراني، وبذلك وضعت انتفاضة مارس 1965 واستفتاء مارس 1970 الاستقلال الوطني على جدول الأعمال بكل قوة.

هل كان إنجاز الاستقلال شيعياً أم سنياً؟ تذكروا يوم صوّت شعبنا على ميثاق العمل الوطني بنسبة (98.4 %) الذي ارتضاه نقطة انعطاف ونبراساً للتطور اللاحق لمجتمعنا وبلادنا. وهل في هذه النسبة ما يشي بأن شعب البحرين كان يفكر «برأسين»، سني وشيعي؟ تذكروا اليوم المشؤوم الذي سقطت فيه طائرة طيران الخليج وهي تحمل على متنها نموذجاً مصغراً لشعب البحرين، فتجلببت البلاد كلها بالسواد. من كان يفكر، وهو يجوب البلاد ويصلي صلاة الميت أو يقدم التعازي، في أن ضحية الحادث سني أو شيعي؟

ويمكن أن نتذكر عشرات الأمثلة التي تؤكد وحدة شعبنا التي أصيبت اليوم بمكروه بسبب «نضالات» من نوع مختلف عن تلك التي عرفناها من أجل الشعب والوطن.

فعن وعي في الغالب أو غير وعي أحياناً، عمل ذوو تفكير «يا إحنه يا هم» على تزييف الوعي الاجتماعي والتقاليد النضالية الأصيلة لشعبنا. ومهما قال دعاة هذا التفكير سواء على جبهة إضرام النار في الإطارات أو إضرامها في مقالات الصحف والخطب فإن جوهر أطروحاتهم الأيديولوجية من على ضفتي الطائفية واحد: إن على الشعب أن يُقدم على الانتحار الجماعي فداء لرسالتهم «السامية». أما أية رسالة هذه التي يجب أن يذهب عامة الشعب فداء لها، فحول ذلك يجري بين قوى التزمت الطائفي «حوار طرشان» لا ينقطع. وبالنسبة لنا فالأمر سيان سواء جرى الحديث عن هدف الصعود إلى المريخ أو زراعة الفجل على الأرض، كما يقول الناقد المعروف ليف بيراغوف. إنهم - هنا وهناك - يدفعون بشعبنا نحو الانتحار الجماعي. وحكاية الانتحار الجماعي تتكرر في تاريخ الجماعات والشعوب بأشكال ومضامين مختلفة.

في العام 1561 وفي أشد الحالات تطرفاً أقدم هنود ماي على انتحار جماعي عن طريق شنق أنفسهم. كانوا يعتقدون أنهم بذلك يقدمون أرواحهم قرابين في سبيل إنقاذ شعبهم. واعتبروا الحبل الملتف على أعناقهم بمثابة الوصل مع الآلهة. وللإنصاف فقد كان هؤلاء، بعكس ما يعمل به المتطرفون في أماكن وحالات أخرى، يمنعون إجبار أي أحد على الانتحار بالإكراه. وحسب تفكيرهم البدائي فقد كانت تلك محاولة لحل المشاكل الاجتماعية المعقدة. لكن أكثر حالات الانتحار الجماعي إثارة للدهشة في القرن العشرين كانت تلك التي قام بها أكثر من تسعمئة من جماعة طائفة «المعبد الشعبي» في العام 1978 في غويانا هرباً مما أسموه «بالحضارة البرجوازية المثيرة للريبة». يقول يرامي بارنوف في هذا الصدد: «إن ارتباط الإنسان المعاصر بالأوهام السوداء يحمل في طياته عواقب وخيمة»، مشيراً إلى أن هذا ما قامت به تلك الطائفة المؤسسة «على شاكلة» شبه فيوررية (نسبة إلى هتلر) - شبه دعوية نبوية. ورغم اختلاف الخبراء حول ما إذا أقدم هؤلاء على الانتحار الجماعي طوعاً أو أنهم شُرّبوا «كول إيد» المبرد والمشبع بسم سيانيد البوتاسيوم، فليس هنا يكمن الجوهر. الأكثر مرعباً هنا هو أن يكون هؤلاء الناس قد تدنوا إلى درجة من فقدان الصواب ليقيموا «الليالي البيضاء» (هكذا سميت التمارين العامة على الانتحار الجماعي التي كانت تجرى في معسكر اعتقال جونس) أو غيرها من البدع الخرافية ليسير الناس نحو حتفهم مستكينين».

أيها الطائفيون المتزمتون اعتبروا من التاريخ وكفى تزييفاً لوعي شعبنا وشحنه طائفياً. دعوا الشعب يعود إلى تقاليده النضالية الأصيلة والإبداعية البناءة، المتجهة باتجاه التاريخ لا عكسه. نعم، في تاريخها تحدثت الحركة الوطنية عن مختلف أشكال وأساليب النضال ومارستها. لكنها لم تقل لمناضليها يوماً سمموا أجواء الأحياء المكتظة بالسكان بدخان الإطارات، وقولوا في الوقت نفسه «يحيا الوطن»، أو دسوا السموم في مقالات وخطب الشحن الطائفي كما تدس في مياه الشرب في بعض الحروب، واهتفوا «يحيا الوطن»... أي وطن هذا الذي تريد بناءه دعوات كهذه؟!

إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل النعيمي"

العدد 2915 - الأحد 29 أغسطس 2010م الموافق 19 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 25 | 1:12 م

      شكرا لك أيها الكاتب

      الأقلام العوراء هي تلك التي تنظر للأوضاع بعين واحدة وهي التي سوف تجر البلد إلى ويلات لا تنتتهي . والبطانة الطالحة هي التي تسكب الزيت على النار بتزلفها الأعمى والرخيص ظنا منها أن النار ستحرق غيرها فقط .... اليوم وبعد أن سقطت أوراق التوت ظهر المنافقون والمتزلفون من ذوي النفوس الرخيصة على حقيقتهم

    • زائر 24 | 11:49 ص

      14نور::تابع:: إذا أردنا الحلول فعلينا أن نعالج المشاكل التي تراودنا

      الإطارات ولا السيارات وبالطبع سيكون الكل سعيد ومن كان بالأمس متهماً بالتآمر سيكون غداً مرغماً على التعاضد والتزاور ومن كان عدوي بالأمس فهو أخي وحبيبي اليوم ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هناك من لديه الجرأة ليفعل ذلك؟؟؟

    • زائر 21 | 11:37 ص

      14نور:: إذا أردنا الحلول فعلينا أن نعالج المشاكل التي تراودنا

      فمن يريد الحلول عليه أن يبدأ بمناقشة المشاكل ليجد لها الحلول ولكن تم التعامل على طريقة الغرب المتوحش مع كل ما عرض على الساحة بل زاد على ذلك بالتوجه للطرق الأكثر تطرفاً بين العقل و اللا عقل, فالعقل كان من طرف المعارضة واللا عقل من طرف الحكومة وإلا فمن زاجب الحكومة التصرف بحكمة لحلحلة كل الملفات المعلقة والتي تزيد من الوضع الملتهب للبلد فهناك قضايا الحريات والتمييز والحقوق وتوزيع الثروات بالطريقة المحايدة لا بطريقة الكيل بمكيالين وغيرها من الأمور التي لن

    • زائر 20 | 9:50 ص

      الافصاح والشفافية هو المطلوب لا الح....... المفرطة

      الشي المؤسف ياستاذ عبد الجليل ...انك لم تفصح بوضوح عن الذي يعمل بكل الاساليب لخلق هذه الحساسية المفرطة ولمصلحة اى طرف طبعا المستفيد هو طرف ثالث صاحب سياسة فرق تسد وان المحابات والتميز المفرط لطرف على اخر وصل لدرجة الجنوان وما التجنيس الا دليل على التخبط المجنون والكارثي المدمر والهدف منه خلق فئة جديدة في المجتمع اكثر ولائا لا تترد في تنفيد ما يطلب منها لقمع الموطنين من كلا الطرفين اذا اقتضى الامر لان هذه الفئة المستوردة المعلبة تنطبق عليه المواصفات المطلوبة اكثر من الاصليتين معا

    • زائر 16 | 6:39 ص

      اين الخطأ

      كلام جميليستحق كل الدعم وندعوا الشرفاء في هذا الوطن للتمثل بقيم وتقاليد شعبنا الوطنية اللا طائفية , ولكن للاسف القوى الوطنية مسؤوله عن تسليم الملفات الوطنيه لتيارات طايفية بامتياز وتجت مسميات سداسى وسواها . يا اخ جليل .. هذه تيارات طائفية ولا يجب ان تضع يدك معها مهما كانت الاسباب والثمن هو ما تراه اليوم : صراع طائفى منفلت , غياب للتيار الوطنى وبوقاحة تتطاول التيارات الطائفية للنيل من هذا التاريخ ونسبته اليها. اتركوا وغادروا التحالف مع هذه التيارات وسوف تعود الجماهير لكم لانها افتقدتكم طويلا.

    • زائر 15 | 6:11 ص

      ابن المصلى

      موضوعك اليوم وضعت فيه النقاط على الحروف واصبت به كبد الحقيقة ياستاذ عبد الجليل لكنا لايمكن ان ندس رؤسنا في التراب ونغمض اعيننا عن الحقيقة الموجعة المشاكل كثيرة دعونا جميعا معالجة الأمور بعقلانية وندع عنا لغة العنف لأن العنف لايولدالا العنف علينا ان نعترف ان المواطن عليه واجبات واليه حقوق

    • زائر 11 | 2:59 ص

      Too Little Too Late

      عزيزي..هذا كلام فيه مغازلة على حساب الواقع والحقيقة التي تعلمها جيدا..

    • زائر 10 | 2:51 ص

      مرزوق

      تابع الحقيقة المرة :
      حتى المذيعات و مقدمي البرامج في التلفزيون و لهجة المسلسلات من طائفة واحدة. حرق الإطارات ما هي إلا عرض من الأعراض ( كالدمامل مثلاً ) لأمراض ( كالتمييز و الفساد مثلاً ). لنتجه إلى معالجة الجذور لا القشور و أرجوا أن لا تساهم ككاتب في تزييف الوعي ، كفاية علينا الجوقة الرسمية من صحف يومية و تلفزيون و إذاعة.

    • زائر 8 | 1:09 ص

      انا انضم معك

      سلمت و سلمت يداك و قلمك

    • زائر 7 | 12:08 ص

      الروح الوطنيه المحتضرة

      المشكله تكمن في حصر الوطنية بنطاق الطائفة
      وغياب خطاب التيار الوطني لفترة معينه بسبب بعض القوانين المجحفه التى ساهمت بصورة مباشرة في طمسه سابقا
      وانعكاس خطير للمشاكل الاقليمة على المجتمع البحريني ساهم بصورة مباشرة باحتضار الفكر الوطني ودخوله بغيبوبه بسبب تخندق فئات المجتمع كل خلف طائفته
      مقال ينعش الروح الوطنيه ويمدها بشعله من التفاؤل والامل بعيدا عن المقالات التى تحض على الكره ونبذ الاخر
      فكم نحتاج لمثل هذه المقالات

    • زائر 6 | 11:47 م

      أجودي// وطن واحد وشعب واحد

      للأسف ضاع صوت الحق من على منابرهم. وختفت كلمات الصدق من مقالتهم. وكأنهم اصبحا في وطنان! كلٌ يترصد ويحفر للآخر!؟. ولاكنهم متفقين عليكم!!!...

    • زائر 4 | 10:52 م

      ثمن نضالكم ذهبت سدى يا ابن النعيمى

      العتب و كل العتب عليك يا سيدى عبدالجليل وعلى جيلك من الشرفاء المناضلين من امثال عبدالرحمن النعيمى (شافاه الله ) و عبدالنبى العكرى و الدكتور حسن مدن و غيرهم ممن ترك مصير هذا البلد بعد الرجوع للوطن مرهونا بيد من لا تاريخ نضالى لهم غير تحشيد الشارع و التحريض الذى لا طائل من ورائه عبر تأجييج النيران و الزج باطفالنا فى متون النيران بينما هم يقطفون ثمار تضحياتكم و نضالكم , ما ارخص ثمن غربتكم و تضحياتكم و نضالكم اذا انزويتم فى الركن بينما الذئاب تنهش من لحومكم و هى ترقص فرحا على جروحكم

    • زائر 3 | 10:26 م

      هل حاولت معرفة الاسباب؟

      قال الامام علي عليه السلام : لو كان الجوع رجلا لقتلته ... هل عرفت الجوع؟ نحن عرفناه ... هل عرفت الذل؟ نحن عشناه ... هل اولادك وبناتك جامعيين وعاطلين عن العمل؟ اولادي وبناتي جامعيين وعاطلين عن العمل ؟ هل احسست بالمرارة عندما رأيت اجني في وظيفة وابناءك عاطلين؟ أنا احسست بذلك .. ليتك تكون اكثر موضوعية وتكتب ان من كرس ويكرس الطائفية هو الحكومة وتقوم بها يوميا على قدم وساق .. هذه هي الحقيقة المرة التي لا تستطيع ان تكتب عنها

    • زائر 2 | 10:17 م

      الحقيقة المرة

      الطائفية هي عندما توزع الحكومة الدوائر الانتخابية توزيعا غير عادلا لتغليب طائفة على أخرى .. الطائفية هي عندما تمنع طائفة من العمل في بعض الوزارات .. الطائفية هي عندما يكون مغظم السفراء والوزراء ووكلاء الوزارات من طائفة معينة ... الطائفية هيي عندما ترى الخريجين والخريجات الجامعيات من طائفة معينة بدون عمل بينما خريجي الثانوية من طائفة أخرى موظفين ... ان اردت استطيع ان اكتب لك صغحات في هذا الموضوع ... هل نام اولادك يوما بدون عشاء او كان عشائهم طوال الاسبوع مكون من روب وخبز او سمبوسة او شاي وخبز؟

    • زائر 1 | 10:13 م

      عشنا وشفنا

      كلام حلو وجميل ياريتك كنت كاتب هذا المقال لما كانت الازمه في اوجها لكي يتعقل ((هم)) واعني وايضا اظن ان الاستاذ عثمان الماجد هذا ما كان يعنيه ((المخربين)).. مقالك جميل وكلامك كبير ويثلج الصدر وياريت كان هذا كلام الكل من العقلاء من ذاك الوقت لما وصلنا الى مانحنوا عليه .. سيدي كلنا نقول يحيا الوطن وتحيا مملكة البحرين أمنه من كل شر ومكروه .

اقرأ ايضاً