العدد 2922 - الأحد 05 سبتمبر 2010م الموافق 26 رمضان 1431هـ

المفاوضات المباشرة وتلازم المسارين العراقي والفلسطيني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك ما يشبه الإجماع على احتمال فشل المفاوضات المباشرة التي انطلقت جلساتها الأولى في واشنطن في 2 سبتمبر/ أيلول الجاري. حتى القوى الفلسطينية والعربية التي شاركت في اللقاء الذي أداره الرئيس الأميركي باراك أوباما لم تغامر في تصريحاتها أو تتورط في استنتاجات متسرعة بخصوص النتائج المتوقعة. الرئيس أوباما أيضاً لم يطلق تصريحات متفائلة واكتفى بالإعراب عن طموحه بتحقيق إنجاز متواضع اختصره باحتمال توصل المفاوضات إلى توقيع «اتفاق إطار» يحدد نقاط الاختلاف على قضايا الحل النهائي.

التوافق على توقع عدم نجاح المفاوضات المباشرة في التوصل إلى صيغة حل للصراع في «الشرق الأوسط» تأسس عملياً على تجارب سابقة بدأت في مدريد في مطلع تسعينات القرن الماضي وانتهت في أنابوليس في عهد جورج بوش الابن قبل أن تنتقل إدارة البيت الأبيض إلى الحزب الديمقراطي. الكل تقريباً استند إلى فشل محاولات سابقة للتأكيد على عدم المراهنة على احتمال النجاح في المستقبل. حتى وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أعربت عن طموحها بتحقيق اختراق جزئي ولكنها تحاشت الانزلاق نحو الإفراط بالتفاؤل واكتفت بالتأكيد على ضرورة التفاوض لأنها لا تمتلك الخيار البديل.

البديل الآخر غير متوافر لكل الأطراف، حتى لتلك القوى الرافضة لمبدأ التفاوض أو تلك الاتجاهات التي تشكك بجدوى العملية السلمية. فالقوى والاتجاهات المقاطعة بدورها غير قادرة حتى الآن على تقديم خطة موازية أو بديلة للمفاوضات لذلك اكتفت بإطلاق خطابات اعتراضية أو صواريخ «أيديولوجية» تشكك بالجدوى والنتائج.

الكل في مركب واحد. أميركا تعاني إدارتها من ضعف بنيوي ناجم عن تفاقم الأزمة المالية المعطوف على تراجع سياسي في موقعها الدولي وانسحاب عسكري من العراق. الدول العربية التي طرحت مشروع خطة سلام في قمة بيروت في العام 2002 لا تمتلك البديل العملي الذي يتمثل في ابتكار آليات تؤسس استراتيجية موازية للخيار السلمي. الدول الإقليمية التي ترفض المفاوضات لم تتوصل حتى الآن إلى إنتاج خطة بديلة ومقنعة وتكتفي بإطلاق تصريحات نارية لا قيمة سياسية لها في تعديل موازين القوى أو تطوير استراتيجية المواجهة. حتى حركة «حماس» التي أوقفت إطلاق الصواريخ على «إسرائيل» ودخلت منذ فترة طويلة في هدنة طوعية مع الاحتلال اكتفت بتسجيل مواقف عامة وتحفظات إنشائية لا تتعدى إطار الخطابات النارية التي تطلق عادة في التجمعات والمهرجانات.

الكل سواسية في عدم القدرة على إنتاج البديل العملي الذي يولد آليات تدير الصراع باتجاه آخر. وبسبب هذا الفراغ توافقت الأطراف المشاركة والمقاطعة والمتحفظة على عدم التفريط بالتفاؤل وتوقعت فشل المفاوضات المباشرة في التوصل إلى حل للقضية التي مرّ عليها أكثر من 60 سنة من المداولات العسكرية والسياسية.

أقصى ما يمكن أن تتوصل إليه المفاوضات التي ستعقد على مدى العام 2011 في سياق جلسات دورية متقطعة هو التفاهم على صوغ اتفاق إطار يحدد نقاط الحل. فالاتفاق الإطاري لن يكون على الحل وإنما قد يشكل المدخل نحو التفاوض من جديد على خطة الحل، ما يعني إعادة تمديد الجلسات إلى أجل غير محدد.

هذه النتيجة السلبية التي توقعها كل من شارك أو قاطع أو تحفظ على المفاوضات تكشف في النهاية عن أزمة البدائل وعدم وجود خطط أو آليات جاهزة يمكن اعتمادها في حال الفشل في عدم التوصل إلى حل لأزمة «الشرق الأوسط». إذا كانت هذه هي النتيجة المتوقعة والمتفق عليها من كل الأطراف فلماذا قررت الإدارة الأميركية المغامرة بالدعوة إلى عقد مفاوضات مباشرة وضغطت على الجانب الفلسطيني وهددته حتى يوافق على المشاركة؟

الجواب يكمن في الحاجة الأميركية للمفاوضات حتى لو كانت شكلية وصورية. فالرئيس أوباما يحتاج إلى صورة يستطيع استخدامها للتسويق الداخلي قبل الانتخابات النصفية للكونغرس في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، كذلك يريدها للتغطية على خبر الانسحاب الجزئي من العراق وتموضع القوات في نهاية أغسطس/ آب الماضي.

تلازم المسارين العراقي والفلسطيني حاجة أميركية للإشارة إلى أن الانسحاب من بلاد الرافدين لا يعني بالضرورة أن الولايات المتحدة تراجعت استراتيجياً وفقدت قدرتها على لعب دور مركزي في إدارة الصراع في «الشرق الأوسط». أوباما الذي أعلن في الأول من سبتمبر انتهاء «مهمة القتال» في العراق هو نفسه من أعلن في الثاني من سبتمبر افتتاح جلسات المفاوضات المباشرة في واشنطن وبالتالي يريد القول إن التراجع في بلاد الرافدين لا يعني أن موقع الولايات المتحدة أخذ يهتز ودورها المركزي في «الشرق الأوسط» أصيب بالضعف ولم يعد يمتلك تلك الأوراق القادرة على إعادة تكييف الاستراتيجية مع المتغيرات التي طرأت على مهمات قوات الاحتلال في العراق.

تلازم المسارين العراقي والفلسطيني يفسر إلى حد كبير إصرار الولايات المتحدة على توقيت بدء المفاوضات في اليوم الثاني على إعلان انتهاء مهمة القتال في العراق. فالإشارة واضحة في تطلعاتها المعنوية والسياسية وهي تلبي حاجة أميركية مؤقتة وظرفية للتغطية على الانسحاب العسكري الذي تتصادف نهايته مع نهاية المفاوضات المباشرة في العام المقبل. والصورة التذكارية التي التقطت في واشنطن تساعد على التخفيف من الآثار السلبية للانسحاب على مستقبل الاستراتيجية الأميركية في منطقة «الشرق الأوسط»... وغير ذلك يصبح مجرد تكهنات عن احتمال التوصل إلى حل للقضية العربية المركزية.

الكل توافق تقريباً على عدم التفاؤل. والكل تحفظ على النتائج. والكل رجح عدم التفريط أو التسرع في الاستنتاج. والكل دعا إلى عدم البناء على مفاوضات انطلقت من الصفر. وبسبب هذا الإجماع على ترجيح احتمال الفشل وعدم وجود بدائل عملية وآليات ميدانية موازية للمفاوضات توحدت الاجتهادات في ربط مسألة الإعلان عنها في واشنطن وبرعاية أميركية مباشرة على كونها مجرد خطوة رمزية أرادها أوباما للتغطية على الانسحاب من العراق والتأكيد على متانة استراتيجية الولايات المتحدة وعدم تعرض دورها للاهتزاز في فترة يستعد الحزب الديمقراطي إلى خوض معركة الأكثرية والأقلية في الكونغرس.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2922 - الأحد 05 سبتمبر 2010م الموافق 26 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً