العدد 2924 - الثلثاء 07 سبتمبر 2010م الموافق 28 رمضان 1431هـ

أوباما... والانسحاب الهادئ من العراق

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضى أكثر من أسبوع على إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن نهاية «المهمة القتالية» لقوات الاحتلال في العراق. فالمهمة التي بدأت في العام 2003 تحت وابل من القصف الأيديولوجي العنيف للمنطقة العربية هددت بتغيير الأنظمة والجغرافيا السياسية وتعديل نمط الحياة والعادات والتقاليد وغيرها من شعارات انقلابية انتهت في العام 2010 إلى انسحاب هادئ يطرح مهمات تقنية وتدريبية متواضعة تمهيداً للخروج من مسرح بلاد الرافدين في مطلع العام 2012.

إنهاء مهمات القتال من جانب واحد لا يعني أن تداعيات الكارثة التي أوقعتها الولايات المتحدة بالعراق والمحيط الجغرافي قد استقرت في إطار إقليمي قادر على التعامل العقلاني مع أزمة يرجح أن تكون متدحرجة أمنياً وسياسياً. فإنهاء المهمات من الجانب الأميركي لا يلغي احتمال انفتاح الملف العراقي على تطورات إقليمية معطوفة على تجاذبات أهلية تتخطى الحدود إلى الجوار الجغرافي.

الانسحاب الأميركي الهادئ وإعادة التموضع العسكري والانكفاء عن المشروع التقويضي كلها إشارات تؤكد أن واشنطن تريد التملص من المسئولية التاريخية والقانونية والأخلاقية التي أسفرت عنها استراتيجية بوش الابن. فالهدوء في حركة التراجع لا يعني بالضرورة هزيمة المشروع ولا يؤكد الفشل، لأن سياسة الانسحاب من دون ضجيج قد تكون خطوة مقصودة لعدم إثارة الانتباه إلى النتائج الكارثية التي ألحقتها واشنطن بالعراق حتى يمكن التنصل من المطالبة بالتعويض عن الضحايا العمرانية والبشرية التي نجمت عن تقويض الدولة وتغيير الهوية وتمزيق النسيج الاجتماعي وتفكيكه إلى مجموعات ديموغرافية أهلية تتنازع على السلطة والغنيمة.

وزير الدفاع روبرت غيتس أحال النتائج التي أسفر عنها غزو العراق إلى التاريخ في خطبة الإعلان عن انتهاء المهمة من طرف واحد. فالتاريخ برأي الوزير الأميركي هو الذي سيتكفل بإعطاء رأيه الأخير بما حصل لأن تقييم النتائج والتقديرات النهائية لاتزال في طور المعالجة لكون المسألة تخضع لقراءات مختلفة يصعب حصرها من الآن في معادلة دقيقة في حساباتها العامة والخاصة.

القراءات كثيرة وهي في مجموعها تتفاوت بين الهزيمة والانتصار وذلك بحسب الوجهة الإقليمية والمذهبية التي تنظر إلى الملف العراقي. هناك اجتهادات ترى أن إيران هي الرابح الأول انطلاقاً من معايير سياسية ومذهبية. وأصحاب هذا الرأي يربطون بين ضعف بغداد بعد الاحتلال وقوة طهران بعد الانسحاب الهادئ. فالضعف ناجم بحسب هذه القراءة عن انهيار الحكم «السني» الذي كان يهيمن على الدولة في عهد صدام حسين. والقوة ناجمة بحسب القراءة عينها عن نمو سلطة «شيعية» أخذت تتحكم بمقاليد البلاد ومفاصلها السياسية والاقتصادية. وهذا يعني برأي الاجتهاد المذكور أن إيران ربحت معركة العراق وتحولت بفضل الاحتلال الأميركي إلى قوة رئيسية تقرر طبيعة حكومة بغداد وموقعها ودورها في المستقبل من دون وجود مؤشرات على ظهور منافس إقليمي لها سواء في الشمال أو الغرب أو الجنوب.

هناك اجتهادات مضادة ترى أن أزمة العراق مفتوحة وهي على الرغم من نمو قوة إيران الإقليمية فيها لاتزال في طور التدحرج ويرجح ألا تستقر بهذا التواضع وتلك البساطة من دون تفاعلات أهلية وعناصر جذب وتنافر وردود فعل عنيفة يمكن أن تلعب دورها في إعادة ترسيم شخصية بلاد الرافدين وهويتها السياسية والمذهبية.

إنهاء المهمات من طرف واحد لا يعني آلياً أن الملف العراقي أقفل من دون رجعة وارتداد. فالملف الذي غامرت الولايات المتحدة إلى فتحه على أبواب مظلمة حقق أهدافه إسرائيلياً من حيث إن الاحتلال نجح في شطب العراق من خريطة الصراع وأزاحه من معادلة التوازن الإقليمية. والجيش العراقي الذي كانت تل أبيب تحسب له الحساب في إطار المواجهة العسكرية الموقوفة على الجبهة السورية، كما حصل في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، بات في خبر كان بعد أن تبخرت قطاعاته واختفت عن الساحة المحلية والإقليمية. والتأثير الإقليمي للعراق على الجبهة الجوارية الذي تمظهر في أكثر من مشهد عربي تلاشى عن الخريطة وتحول إلى ساحة مفتوحة للتنافس وورقة للتفاوض أو التسويق في بورصة توزيع الأدوار وتقاسم الحصص. كل هذه المتغيرات الجيوبوليتكية جاءت في محصلتها السلبية لمصلحة «إسرائيل» التي أصبحت الآن في موضع أفضل مما كانت عليه في العام 2003.

تل أبيب تعتبر، وبحسب هذا الاجتهاد، من القوى المستفيدة من دمار العراق وتخريب عمرانه وتفكيك هويته وتقويض دولته لأنها على الأقل استفادت من نتائج الاستراتيجية الأميركية من دون تدخل مباشر منها ومن دون أن تدفع كلفة مالية أو بشرية لإنجاز المهمة. فأميركا قامت بالمشروع نيابة عنها وتل أبيب نجحت في تشكيل جبهة عريضة مع واشنطن في أيام بوش تأسست على فكرة «مكافحة الإرهاب الدولي» وكسر سلطة ياسر عرفات في رام الله ورفض التجاوب مع مبادرة السلام العربية التي أقرت بالإجماع في قمة بيروت.

«إسرائيل» إذاً ليست بعيدة في المعطى الجغرافي - السياسي من مقولة الاستفادة من الفراغ الذي نجم عن خروج العراق من المعادلة العربية وشطب دوره الإقليمي في ميزان الصراع. وهذا النجاح الإسرائيلي الذي لا تذكره الولايات المتحدة في برنامجها الانسحابي الهادئ يشكل نقطة مركزية في استراتيجية التقويض التي اعتمدها «تيار المحافظين الجدد» خلال فترة هيمنته على إدارة البيت الأبيض.

الخروج الهادئ من العراق لا يقل في سلبياته عن الدخول الفاجر لأن التنصل من المسئولية التاريخية والقانونية والأخلاقية تحت بند الانسحاب وإنهاء المهمات من طرف واحد يؤشر إلى عدم وجود مراجعة أميركية نقدية لما حصل وبالتالي عدم استعداد واشنطن للاعتراف بالخطأ ودفع تعويضات لمئات آلاف العائلات المتضررة من العدوان. الهدوء يعني التهرب من المسئولية من دون ضجيج وترك البلاد ساحة مفتوحة للتجاذب الإقليمي والاستقطاب المذهبي والعنف المفتوح على مداخل العراق ومخارجه.

إعلان أوباما انتهاء المهمة من جانب واحد لا يعني بالضرورة أن المهمة انتهت من مختلف الجوانب والأطراف. والانسحاب الهادئ لا يؤشر إلى وجود نية بالاعتراف بالخطأ وتحمل المسئوليات التاريخية والقانونية والأخلاقية. فالانسحاب الهادئ قد يعني التهرب من ضجيج القراءات والاجتهادات التي ستتزاحم على تحديد الطرف المنتصر والطرف المهزوم أو الجانب المستفيد والجانب المتضرر... في وقت تتداعى الكارثة وتتدحرج الأزمة على عناوين إقليمية ومذهبية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2924 - الثلثاء 07 سبتمبر 2010م الموافق 28 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 7:38 ص

      الشباب

      الشباب في الواقع هم مرآت المجتمات على مر العصور فإن رأيت شاب فقير معدم فهذا يعكس فقر مجتمعه , وإن شاهدته متبرم مقهور فهو يوحي ظلم ما وعق عليه وإن رأيته يحرق أطار في الشارع فهذا إنعكاس لظلم معين حصل له , ولا يعني أنا نبرر له هذه التصرفات الصبيانية لا بل هي تكس مشلكة ما , فعلى العقلاء النظر أسباب ذلك ثم حله بعلانية لا بالضرب والخطف والاعتقال والتعريض بفئة من فئات المجتع وأطلاق العنان لكتاب الفتنة وأخيرا أشكر الاستاذ على مقاله الرائع كما عودنا دائما .

    • زائر 8 | 12:23 ص

      عبد علي عباس البصري (العراق بلد التغيير العربي)

      التغير العربي دائما يبدأ من العراق من زمن حمرابي والى زمن الانبياء والى زمن جبل الجودي في النجف الاشرف والى زمن الدوله الاسلاميه والى كربلاء والى زمن الدوله الامويه والعباسيه والى زمن هولاكو والى زمن العثمانيين والى زمن البريطانييين وووووو والى يومنا هذا العراق هو بلد الانعطافات التاريخيه ، المصير العربي مرهون بالعراق اذن العراق هو عنق الزجاجه ؟ منه نبدأ واليه ننتهي .

    • زائر 7 | 12:17 ص

      عبد علي عباس البصري (امريكا تثبت الانتصار الايراني)

      الانسحاب الامريكي في الواقع هروب من المواجهه المحتمله مع الشعب العراقي ، الاصرار الامريكي على ابقاء الجيش العراقي على هذا المستوى حتى لا يكون شوكه في عيون الامريكان ، يوما ما باعتبار الولايات الامريكيه هي المسؤله عن مأساه الشعب العراقي . وهي المسؤله الاول والآخر . ولحد الآن العراق نصف جمهوريه بسبب الاحتلال االامريكي لها . فانسحاب الجيش لامريكي هو ترك العراق للاقدار وأنتظار القدر هو اقسى ما يكون عندما يكون االاحتمال هو الاسوء .

    • زائر 6 | 12:09 ص

      عبد علي عباس البصري (امريكا تثبت الانتصار الايراني)

      امريكا التي هددت بتغيير الانظمه العربيه وأديولوجياتها ، بالفعل فشل المشروع في صالحها ونجح في صالح ايران !! في 2003 . فلو كتب للكحومه العراقيه ان تستقر وتدور رحى الاقتصارد العراقي ، في الاتجاه الصحيح . لكانت بؤره توتر في المنطقه العربيه بعتبار ان رؤساء السلطات الثلاث في العراق هم من الشيعه والاكراد ، وكلهم في اتجاه معاكس مذهبيا وسياسيا واديولجيا بالنسبه لقضيه فلسطين ؟ وغيرها من القضايا المصيريه العربيه .

    • زائر 5 | 12:00 ص

      عبد علي عباس البصري (امريكا تثبت الانتصار الايراني)

      وبدأت الحكومه العراقيه ديموقراطيا (ناقصا في الواقع) وفاز فيها الشيعه بأكثريه المقاعد , وتلتها القائمه الكرديه . غير ان هذه التفسيمه ازعجه الكثير من الكتاب العرب فاعتبروا الدوله العراقيه دوله طائفيه ...؟؟ !! وفي المقابل اعتبرتها ايران الدوله التي كانت تتطمح اليها ان تكون في العراق دوله تسودها الاغلبيه الاسلاميه ، وبالفعل حصل ما كانت تريده ،ورئيسها اليوم هو المالكي العضو في حزب الدعوه الذي كانت ايران تحتضنه لاكثر من تسع سنين بعد تشريد النظام العراق لهم ..

    • زائر 4 | 11:49 م

      عبد علي عباس البصري (امريكا تثبت الانتصار الايراني )

      فتدخلت القوات الامريكيه والحلفاء لانهاء الاحتلال العراقي للكويت ،في آواخر القرن الماضي ، ولم تقم القوت الامريكيه بأسقاط حزب البعث لاسباب سياسيه ، بعتبار ان الشعب العراقي له غالبيه شيعيه . فأسقاط حزب البعث يعني انتصار ايران ، فآثرت الولايات المتحده الحصار الاقتصادي على العراق على اصقاط صدام ، فكانت كارثه ثالثه الاثافي بالنسبه للشعب العراقي ، ثماني سنين حرب مع ايران وثماني حرب حصار اقتصادي , والاحتلال الامريكي للعراق . 2001

    • زائر 3 | 11:35 م

      عبد علي عباس البصري

      كانت فيها الحكومه العراقيه تطالب بالساحل الجنوبي والغربي الايراني وتعتبره ساحل عربي الى بندر عباس . والغريب وبعد الثماني اشهر من الحوار بدأت القوات العراقيه بغزو الكويت وفي الحادي عشر من المحرم الحرام . ورد النظام العراقي الاراضي الايرانيه وزياده . كما ارسل الكثير من الطائرات العسكريه والمدنيه الى ايران ،حيث اعتبرتها ايران ثمن الحرب الثمانيه ؟ فبدأت عقارب الساعه تسير عكس اتجاهها الاول ، فتنفس اليرانيون الصعداء ، ووجهت القوات العراقيه صفعه للامه العربيه ولجامعتها .....

    • زائر 2 | 11:28 م

      عبد علي عباس البصري

      وأخذت تداوي جراحاتها في مستشفيات طهران التي طالتها الصواريخ العراقيه وكذالك طائرات سوبر اتندر الفرنسيه الصنع ، جراحاتها من آثار السلاح التقليدي والكيميائي ، حتى بلغ عدد القتلى المليون قتيل من الطرفين ، فبعثت بجرحاها من السلاح الكيميائي الى بلدان اوروبا والمانيا . ليكونو شهدا على فعلتهم النكراء حين زودو النظام الصدامي بالسلاح الكيميائي . وبعد اثماني السنين العجاف التي احرقت الاخضر اليابس ، وقعت اتفاقيه وقف اطلاق النار بين الطرفين .... وبدأت الثمانيه اشهر من الحوار بين الطرفين في الامم المتحده

    • زائر 1 | 11:21 م

      عبد علي عباس ا لبصري

      نعم وليد نويهض ، العراق اليوم كانت ايران تريده ان يكون في سنين الحرب الثمان التي خاضتها في الثمانينات القرن الماضي ، كانت تأمل ان يكون العراق جمهوريه ديموقراطيه اسلاميه (

اقرأ ايضاً