العدد 2928 - السبت 11 سبتمبر 2010م الموافق 02 شوال 1431هـ

المطلوب... توحيد السودان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء الذي ستسفر عنه بشأن تحديد مصير الجنوب السوداني في مطلع السنة الميلادية المقبلة فإن المشهد في البلاد المترامية الأطراف سيدخل في طور سياسي متأزم سيكون له تداعياته على وحدة الدولة ودول الجوار. فالجغرافيا السودانية قارية المساحة وهي ممتدة على مسافات تبدأ شمالاً من جنوب مصر وتتداخل جنوباً مع حدود دول إفريقية تمر في حالات من الاضطراب القبلي والإثني والأقوامي.

المساحة الجغرافية السودانية المنبسطة على مناطق إفريقية وعربية قابلة للاشتعال تلعب دورها في رفع وتيرة الانتباه بشأن نتيجة استفتاء يرجح أن يكون لمصلحة الانفصال أو على الأقل إعادة ترسيم حدود التماس بين مناطق تتكاثر فيها الانقسامات اللونية والدينية والقبائلية والثقافية. وبسبب التنوع المفتوح على الفوضى يمكن توقع اضطرابات لا يستبعد أن تكون ممتدة وعابرة للحدود لكون التكوين القبلي للسكان ينتشر على مساحات جغرافية متداخلة في الهوية أو متخالفة في اللون والدين.

انفصال الجنوب ليس حلاً لأن أساس المشكلة لا يختصر بالوحدة السياسية مع الشمال وإنما بوجود مجموعة عناصر متداخلة أنتجت أزمة مركبة تتعايش في ظلالها تفرعات تتصل بالنمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي وضعف شبكة الاتصالات وعدم وجود رقابة مركزية تشرف على قنوات الاستثمار والتوزيع العادل للثروة.

مشكلة السودان الأساسية تبدأ بالعدالة وتراجعها وتنتهي بطبيعة سلطة غير قادرة على التطور حتى تتكيف مع المتغيرات وتلبي حاجة الأطراف المتنامية في متطلباتها الضرورية والكمالية. فالعدالة هي الأساس الذي تفرعت من غيابها مشكلات أخذت تتراكم على مر العقود والعهود ما أنتج أزمة مركبة أعطت فرصة للتدخلات الأجنبية ان تلعب دورها في التحريض على التمرد بهدف تقويض السودان وبعثرة وحدة سياسية غير موجودة في الواقع الميداني.

الوحدة السودانية غير قائمة تاريخياً وهي في تركيبها السيوسيولوجي وآلياتها الاقتصادية تحتاج إلى سنوات حتى تتطور لتكون على سوية قادرة على الجمع بين المركز والأطراف ومن ثم الدمج بين الأنواع والألوان التي تتعايش على المساحة الجغرافية القارية.

السودان الآن ليس موحداً حتى ينفصل جنوبه عن شماله أو شرقه عن غربه. فالوحدة السياسية شكلية وهي قائمة في الخريطة الرسمية للدولة ولكنها مفقودة وربما شبه معدومة في الكثير من المناطق والهوامش والولايات المنتشرة على مساحاته وأقاليمه المنبسطة على حوض النيل وروافده ووديانه وهضابه.

لأن السودان غير موحد في معنى الترابط الوطني الذي تفيض به الدولة المعاصرة فإنه فعلاً يحتاج إلى خطة عمل تنموية عادلة تساعد على توحيده لا تقسيمه. فالمشكلة ليست في الوحدة لانها أصلاً غير قائمة على الأرض. والحل ليس في الانفصال لأنه سيعاني من مشكلات ممتدة ومفتوحة في الداخل وعلى الأطراف ودول الجوار.

أزمة السودان تتمثل حصرياً في سلطة ضعيفة وغير عادلة ورثت مشكلات عن السابق وأضافت عليها مشكلات ساهمت في توليد قناعات تتوهم أن الأزمة تكمن في وحدة غير موجودة وبالتالي فإن الحل يختصر في كلمة واحدة: الانفصال.

من الناحية التاريخية المطلوب من الأمم المتحدة ومنظمة الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومختلف هيئات حقوق الإنسان والجمعيات المدنية العمل على ابتكار آليات واقعية تساعد على توحيد السودان من خلال برامج ومساعدات دولية وعربية وإفريقية تعتمد خطة عادلة في التنمية وتوزيع الثروة ما يؤدي إلى توسيع شبكة المصالح بين الجماعات الأهلية حتى تتغير رؤيتها للحاضر والمستقبل.

التنوع السوداني ثروة إنسانية ويجب عدم التفريط بها وتوزيعها وتشتيتها إلى دويلات ممزقة وضعيفة تتقاتل على السلطة والغنيمة كما هو حاصل الآن في العراق المحتل. فالتنوع يمكن أن يتحول إلى قوة توحيدية في حال تم وضع خطة تنموية عادلة تدفع الاختلاف نحو تجانس تاريخي يرى في الوحدة مصلحة مشتركة ويرفض الانفصال بوصفه الخيار الوحيد المطروح أمام الجماعات الأهلية المتنوعة التي تتكون منها مساحات السودان القارية.

العدالة هي الحل التاريخي الذي يعزل منطق الانفصال عن طموح الوحدة ويساعد في توليد خيارات واقعية تجمع بين الاختلاف في اللون أو الدين أو الثقافة وبين المصلحة في التعايش والتساكن في إطار سياسي موحد.

هناك أوهام كثيرة يجب العمل على إسقاطها قبل أن يقترب موعد الاستفتاء على مصير الجنوب السوداني في مطلع العام المقبل. الوهم الأول هو أن السودان دولة واحدة وموحدة في المعنى التاريخي للتطور السياسي، وهذا الأمر غير صحيح لأن الوحدة ليست موجودة أساساً وهي فعلاً بحاجة إلى تأسيس واقعي وعادل حتى يضمن الاتحاد الموعود صيغة تعايش وتساكن تجمع الجماعات الأهلية على قاعدة المصلحة العامة والمشتركة.

الوهم الثاني أن الانفصال هو الحل وبالتالي فهو الخيار الوحيد المطروح أمام الجنوب وأهل الشمال، فإما القبول به وأخذه كما هو أو رفضه وترك الأمور تتخابط عشوائياً وتتضارب في كل الاتجاهات. وهذا الاقتراح أيضاً غير صحيح لأن أساس المشكلة تكمن في السلطة والعدالة وهي تحتاج إلى آليات وخطط وبرامج ومشروعات تعيد ترتيب العلاقات على قاعدة المصلحة والتطور الإنساني المشترك.

المطلوب تاريخياً توحيد السودان لا تقسيمه في اعتبار أن الخريطة الجغرافية المرسومة على الورق لا تعني واقعياً أن الوحدة موجودة بين المركز والأطراف أو بين التنوع الذي تتكون منه المساحة الممتدة على تخوم قبائل عابرة للحدود أو على ضفاف حوض النيل وتفرعاته البيئية والمائية أو على تماس خطوط ثماني دول جوار تتداخل بشرياً ورعوياً في معابرها ومخارجها مع أكبر كيان سياسي إفريقي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2928 - السبت 11 سبتمبر 2010م الموافق 02 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً