العدد 2939 - الأربعاء 22 سبتمبر 2010م الموافق 13 شوال 1431هـ

ليبرمان... وتبادل السكان والأراضي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وصف النائب العربي في الكنيست محمد بركة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأنه «حمار في التاريخ». وجاء الوصف تعليقاً على دعوة الوزير بتبادل الأراضي والسكان مع السلطة الفلسطينية. وخلاصة الدعوة التي اقترحها ليبرمان تقضي بأن تنسحب «إسرائيل» من الأراضي المحتلة في العام 1967 وتفكك المستوطنات الموجودة فيها مقابل طرد سكان أراضي 1948 ومصادرة أملاكهم وأرزاقهم وما تبقى من قراهم وبلداتهم للتعويض عن خسائر المستوطنين وكلفة الانسحاب من الضفة.

فكرة المبادلة التي اخترعها ليبرمان أثارت السخط والاشمئزاز ودفعت النائب العربي إلى وصف صاحبها بالحمار لكونه «يتنكر للحقيقة». والحقيقة هي كما قال النائب بركة إننا نحن (الشعب الفلسطيني) لم نبع البيت والوطن «بل هو جاء من بعيد وسيطر عليه». والحقيقة «أننا أصحاب الأرض والوطن، ولم نهاجر إليه من أي مكان في العالم، لا نحن ولا الآباء والأجداد».

رد النائب العربي الواضح كان لابد منه لإسكات صوت مستوطن جاء حديثاً إلى فلسطين وتلاحقه المحاكم بتهم الفساد والرشوة والتزوير والسرقة. حتى يكون الرد شاملاً لكل النواحي اضطر النائب المهدد بالطرد (الترحيل من أراضي 1948) أن يرسم الصورة القاتمة من كل زواياها فأشار إلى ليبرمان بوصفه «المستوطن الغازي» وأنه هو و «أشكاله من عصابات السلب والنهب في مستوطنات الضفة الغربية والقدس المحتلة والجولان السوري المحتل، هم من يجب أن يكونوا على رأس جدول أعمال المفاوضات لوضع آليات اقتلاعهم وتنظيف الأرض الفلسطينية والعربية من موبقاتهم وجرائمهم التي ارتكبوها ضد الإنسانية على مرّ عشرات السنين».

الرد العربي جاء تعقيباً على لقاء عقدته الإذاعة الإسرائيلية مع ليبرمان الأحد الماضي ذكر فيه أن «المفاوضات مع الفلسطينيين لا ينبغي أن تكون على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام، وإنما على أساس مبادلة الأراضي والسكان». وكلام وزير الخارجية الذي قال إنه لا يعبّر عن موقف رسمي حكومي وإنما هو مجرد وجهة نظر شخصية لتسهيل عملية التفاوض. والتسهيل برأي ليبرمان يبدأ بالمبادلة (الأرض مقابل الأرض، والسكان مقابل السكان) لا بالانسحاب من جانب واحد.

كلام ليبرمان الذي أثار غضب النائب العربي يحتاج فعلاً إلى انتباه لا بوصفه وجهة نظر خاصة وإنما بوضعه في سياق احتمال أن يتطور ليتحول إلى سياسة رسمية يمكن أن تأخذ بها حكومة في حال نجحت في الانتخابات المقبلة. وكلام وزير الخارجية الآن يمكن أن يكون برنامج عمل حزبه في حال انهار الكنيست أو فشلت «المفاوضات المباشرة» في التوصل إلى صيغة تسوية (اتفاق إطار) في نهاية العام المقبل.

الوقائع الجارية تشير إلى أن باب التسوية يتجه نحو حائط مسدود في اعتبار الجانب الإسرائيلي يضع مجموعة شروط على الطاولة كلها تصبّ في مصلحة دعوة ليبرمان لفكرة التبادل. ومراجعة الشروط الإسرائيلية بنداً بنداً تذهب في اتجاه تعزيز الاستيطان في الضفة وتوسيع المستوطنات عمودياً وأفقياً ومصادرة الأراضي وتهويد القدس وضمان أمن الحدود والاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية.

البنود هذه وغيرها ماذا تعني في نهاية المفاوضات المقبلة على فشل الحل؟ تعني أولاً الاستمرار في عزل الشعب الفلسطيني في مجمعات بشرية محاصرة بالمستوطنات. ثانياً تعني استكمال سياسة تغيير المعالم الجغرافية والتاريخية للأرض والسكان. وتعني ثالثاً تعديل التوازن النسبي في مدينة القدس وتحويلها إلى عاصمة متجانسة ديموغرافياً في تركيبها وتكوينها. ورابعاً تعني أخذ ضمانات أمنية من دون توضيح خريطة طريق الانسحاب والحدود النهائية للدولة الفلسطينية. وأخيراً تنتهي الدائرة بمطالبة السلطة الاعتراف بيهودية «الدولة» بمعنى أن يكون السكان من الديانات الأخرى مجرد ملاحق طارئة وأقليات ناقصة الحقوق.

إعادة قراءة برنامج نتنياهو ضمن الشروط التي يضعها على طاولة المفاوضات المباشرة مع الجانب الفلسطيني توضح أن المسار الإسرائيلي الرسمي العام يتجه نحو تعزيز دعوة ليبرمان إلى تصفية القضية انطلاقاً من رؤيته لمشروع التبادل.

كلام ليبرمان ليس طلقة في الهواء أو مجرد شعارات لفظية للمزايدة عنصرياً على نتنياهو. فالقراءة التفصيلية تكشف تلك الخيوط البعيدة التي تربط بين الرجلين. فالنهاية بينهما ستكون مشتركة لأن معنى فكرة «يهودية» الدولة تساوي ضمناً دعوة ليبرمان إلى طرد (مبادلة) سكان أراضي 1948 إلى ضفة 1967.

نتنياهو يطالب محمود عباس أن يعترف بديانة «الدولة الإسرائيلية» لا بوصفها هوية وطنية مشتركة وإنما بصفتها تشكل الوعاء السياسي لفئة دينية واحدة من دون الفئات الأخرى التي تعيش على أراضي 1948. والإصرار على صفاء «الدولة اليهودية» ليست بعيدة عن دعوة التصفية التي أطلقها ليبرمان في اللقاء مع الإذاعة الإسرائيلية.

الطامة الكبرى ليست في كون وزير الخارجية الإسرائيلي أستاذ الحمير في التاريخ والجغرافيا ورئيس عصابات الغزو والسلب والنهب، وإنما في احتمال أن يتطور مقعده الوزاري ليصبح في الانتخابات التشريعية المقبلة القوة الأولى في الكنيست ورئيس وزراء حكومة تتألف من مجموعات متهورة في تطرفها وعنصريتها وكراهيتها وأحقادها. وهذا الاحتمال غير المنظور الآن ليس مستبعداً حصوله في مجتمع يتركب تقليدياً من مستوطنين زحفوا من «كل مكان في العالم» إلى أرض يصفونها بـ «الميعاد».

كلام ليبرمان الذي أثار غضب النائب العربي يجب أن يؤخذ في سياق آخر غير المزايدة على نتنياهو. فهو في جانب منه يعكس رغبة نسبة كبيرة وتتزايد سنوياً في الشارع الإسرائيلي تطالب بالتبادل حتى تصبح الدولة الفلسطينية «مسلمة» بالكامل ودولة «إسرائيل» يهودية بالكامل. وهذا الأمر لا يتم إلا باستمرار التوطين في الضفة والتهديد بطرد السكان الفلسطينيين من 1948 إلى أن يكون الحل بالتبادل لا بالانسحاب من الأراضي المحتلة.

تصريح وزير الخارجية الشخصي يمكن أن يتحول في مجتمع استيطاني إلى برنامج حزبي يأخذ التأييد من الشارع ويكتسب شرعيته اعتماداً على قوانين تقلب الحقائق وتغيّر التاريخ وتعدّل الجغرافيا وتؤسس وقائع لا تحتاج إلى «حمار» للتعرف على دولة استيطانية وهويتها النقية والصافية في تكوينها الديني والثقافي.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2939 - الأربعاء 22 سبتمبر 2010م الموافق 13 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:16 ص

      تمادي بفعل الخيانه .. حكومات كرتونيه .

      كلما إزداد الحكام العرب في لجم الاحرار ومسحهم كلما إستقوى بني صهيون على الشعوب المقهوره
      زادت الغطرسه من جانب المسخ لعنهم الله الجبناء .

    • زائر 1 | 2:45 ص

      Albeem

      My frend the LEBERMAN talk what in side all JEWISH in Palestine not only what he thiking.

اقرأ ايضاً