العدد 2991 - السبت 13 نوفمبر 2010م الموافق 07 ذي الحجة 1431هـ

التقاطع والتفاوض بين واشنطن وطهران

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لا يمكن الجزم، حتى الآن، أن الولايات المتحدة تنازلت عن العراق لمصلحة إيران. فالعراق المحطم لايزال على رغم تناثره المذهبي - الطائفي ساحة إقليمية كبيرة لا يمكن التفريط بها بسهولة ومن دون ثمن وبدائل. وما حصل في العراق خلال السنوات السبع الماضية يحتاج إلى وقت إضافي ليستقر على قاعدة صلبة تسمح له بإعادة إنتاج «دولة» قوية وقادرة على التعامل الندي مع قوى الجوار.

ضعف العراق في حاضره السياسي سيكون ورقة للتفاوض المفتوح قبل إعادة تشكيل الدولة وفق النموذج الذي تمظهرت هيئته عليه. وهذا الضعف الراهن يشكل قوة للأطراف الإقليمية للتدخل ولكنه في الآن يمكن أن يتحول إلى قناة استنزاف تهدر قوة الدول المعنية من دون جدوى سياسية. وبسبب هذا المعطى البنيوي يمكن القول إن أميركا لن تغادر العراق قبل أن تحقق تسوية (صفقة) تنال منها مكاسب في أمكنة أخرى مقابل ضمانات متبادلة على ملفات ترى فيها واشنطن نقاط عبور لإعادة التموضع العسكري في مناطق حساسة.

أميركا حتى الآن لم تتنازل عن العراق ولكنها أخذت تتقاطع مصلحياً مع الدور الإيراني في ساحته. والتقاطع لا يعني بالضرورة التوافق النهائي على الصفقة بل بدء الاعتراف بوزن إيران في الداخل العراقي وربما الاستعداد لتطوير التقاطع إلى نوع من التفاهم على أكثر من ملف وصعيد ما يفتح الباب على احتمالات غير منظورة في المسار المذكور.

هناك قراءات كثيرة يمكن اعتمادها لفهم مجرى ما حصل في العراق، منها الموقع الجغرافي - المذهبي لإيران على حدود العراق، ومنها وجود كتلة عراقية سياسية مؤيدة للنظام الإيراني وتوجهاته الإقليمية، ومنها التعاون الميداني والتنسيق المخابراتي وتبادل المعلومات واللقاءات «الفنية» والاجتماعات «التقنية» التي جرت على الأرض بين القوات المحتلة والأجهزة الإيرانية.

التقاطع الإيراني - الأميركي لم يحصل في العراق دفعة واحدة، وهو جاء بعد نمو حاجة أمنية ضغطت على واشنطن للقبول بالمساندة لضمان أمن قواتها التي كانت منتشرة في ساحات ومدن بلاد الرافدين. وأدت الحاجة الأمنية إلى تطوير التعاون الميداني وتعديله باتجاه التنسيق الإداري في بعض المحافظات ما فتح الباب نحو التفاهم على حال من التعايش السياسي بين الاحتلال والطموح الإيراني في تأمين منطقة نفوذ في بلاد الرافدين.

استفادت طهران من حاجة واشنطن إلى ضمان أمن قواتها المحتلة فأخذت تركز عليها لكسب الثقة وتعزيزها لتتحول مع مرور الوقت إلى نوع من القناعة لدى القيادة الأميركية في عهد «تيار المحافظين الجدد» بإمكان تطوير التقاطع إلى تفاهم قد تتأسس عليه خريطة طريق تعتمد مبدأ التساكن السياسي تمهيداً للتوصل إلى بناء مظلة تتقاسم في النهاية السلطة والنفوذ قبل الخروج النهائي من بلاد الرافدين. وشكلت حكومة نوري المالكي في هذا السياق المفتوح على احتمالات نقطة تقاطع بين طهران وواشنطن. فالمالكي قاد من جانبه المفاوضات مع إدارة جورج بوش بالتفاهم والتنسيق مع قيادة طهران ما أدى إلى توقيع سلسلة اتفاقات نفطية وأمنية وعسكرية تضمن مصالح الولايات المتحدة بعد الانسحاب من العراق.

لهذا السبب دعمت واشنطن وطهران المالكي لتشكيل الحكومة الثانية مخالفة بذلك الأعراف «الديمقراطية» لأن إياد علاوي لا يعتبر الطرف الصالح والموثوق من الجانبين القادر على ضمان تنفيذ الاتفاقات الموقعة. المالكي كان الخيار (الحصان) المفضل لأسباب لوجستية ولكونه الشخص الذي تم التفاوض معه على ترتيب أوراق العراق ما بعد الانسحاب. وبهذا المعنى التقني (الحرفي والمهني) يشكل المالكي نقطة التقاطع الأميركية - الإيرانية بينما علاوي غير مرغوب من طهران وليس مطلوباً من واشنطن في هذه المرحلة بالذات التي تتطلب مظلة قادرة على تنفيذ الاتفاقات الموقعة.

هذا التقاطع الظرفي - الميداني الذي فرضته الحاجة الأمنية وتطور إلى نوع من التساكن (التعايش) وثم تقاسم النفوذ والسلطة في حكومة المالكي الأولى يمكن أن ينمو إلى طور أعلى ويتحول إلى صفقة كبرى بين طهران وواشنطن ولكنه أيضاً يمكن أن ينتكس إلى درجة أدنى في حال تشكلت قناعات أخرى لدى الإدارة الأميركية.

القناعات الأخرى ليست مستبعدة إذا اكتشفت الولايات المتحدة أنها لم تحصل على المقابل الذي يعادل وزن العراق في أمكنة ومناطق حساسة بعيدة أو قريبة من بلاد الرافدين. وهذا الاحتمال مفتوح على التفاوض خلال الاجتماع الذي سيعقد في 5 ديسمبر/ كانون الأول بين إيران والدول الست في فيينا أو جنيف أو اسطنبول.

الصفقة الكبرى حتى الآن لم تحصل. والتقاطع الأميركي - الإيراني في العراق محكوم بالتطورات ولايزال مفتوحاً على التقدم أو الانتكاس لأن بلاد الرافدين تعتبر دولياً غنيمة كبرى ويصعب التفريط بها من دون مكاسب أو بدائل. ولذلك يمكن القول إن الاحتمالات مفتوحة على أكثر من قراءة وبالتالي فإن النتيجة منوطة بمدى قدرة إيران على تقديم تنازلات مقابلة ومشروطة بمدى عزمها على القبول بالحد المعقول من المكاسب والامتيازات.

مبدأ المقايضة لايزال حتى الآن أساس المفاوضة. أميركا مثلاً تعتبر أن العراق يمتلك ثاني أكبر احتياط من النفط والغاز في العالم بعد السعودية، وهو يحتل موقع المثلث الذي يربط ويفصل بين إيران وتركيا وسورية وصولاً إلى شرق المتوسط، وهو يحتوي على ثروة مائية وسهول زراعيه وحدود مشرفة على دول الخليج العربية وبالتالي فإنه من الصعب أن تتخلى عن الغنيمة من دون مقابل يساوي هذه الثروة الطبيعية التي لا تقدر بثمن.

قانون المقايضة يخضع للعرض والطلب والنتيجة دائماً تتأرجح من خلال المفاوضات بحسب تقدير كل طرف حجم الآخر ووزنه وقدراته وإمكاناته ودوره ومدى استعداده للتجاوب وتقديم تنازلات في مجالات أخرى ربما تبدأ بالملف النووي (برنامج التخصيب) والوظيفة الأمنية في الخليج ومضيق هرمز، وقد تمر بأمن النفط (التنقيب والتكرير والنقل والأنابيب وخطوط الإمداد) ويمكن أن تنتهي في ضمان أمن «إسرائيل» وحمايتها من الصواريخ.

كل هذه النقاط تحتاج إلى مراجعات وهي تشكل في مجموعها سلسلة أوراق للتفاوض تستفيد من تجربة التنسيق «الفني» و«التقني» التي جرت بين طهران وواشنطن خلال السنوات الخمس الماضية وتصاعدت طرداً بعد زيارة محمود أحمدي نجاد لبغداد ولقاء المالكي تحت المظلة الأميركية. فهذا اللقاء الثلاثي أنتج سلسلة تفاهمات تقاطعت أمنياً وسياسياً وأنتجت لاحقاً ذاك التوافق على تجديد البيعة للمالكي ولاية ثانية.

المسألة إذن لم تنته وهي مفتوحة على احتمالات. لذلك لا يمكن الجزم، منذ الآن، أن الولايات المتحدة تنازلت عن العراق لمصلحة إيران. فالموضوع لايزال قيد الدرس ويخضع للتفاوض والأخذ والرد وتبادل الرسائل وتقديم تنازلات والمقايضة في مواضع أخرى لضمان أمن النفط وأمن «إسرائيل» وأمن القوات الأميركية ومصالح الدولة العليا. وهذه الموضوعات كلها كبيرة وخطيرة وشديدة الحساسية وتحتاج إلى شد وحزم في الوقت الضائع بين موعد التفاوض بشأن الملف النووي الإيراني في فيينا أو جنيف أو اسطنبول الشهر المقبل وبين موعد التموضع الأميركي والانسحاب العسكري من العراق في نهاية العام المقبل. الصفقة الكبرى لم تحصل حتى الآن وما حصل في بغداد عينة ولكنها ليست كافية للإشارة إلى وجود توافقات نهائية على كل الملفات ومختلف القضايا. المؤشرات موجودة ولكنها غامضة وتحتاج إلى وقت للتبلور وترسيم حدودها وآفاقها وأبعادها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2991 - السبت 13 نوفمبر 2010م الموافق 07 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:42 ص

      المسخره الإيرا أمريكيه

      ماما أمريكا اتت بالخميني و هي التي ابعدت الشاه بعد انتهاء دوره. ايران حليفه لأمريكا بالعراق و أفغانستان و لكن عدوتها في لبنان و في قضية النووي؟؟ حدث العاقل بما لايعقل.65

    • Ebrahim Ganusan | 12:46 ص

      ان كانت أمريكا حسب الشعار الإيراني الشيطان الاكبر فماذا تكون إيران بحسب تعاونها مع الشيطان نترك الجواب للمتأمل بعقل بارد

      1_استفادت طهران من حاجة واشنطن إلى ضمان أمن قواتها المحتلة فأخذت تركز عليها لكسب الثقة وتعزيزها
      2_لهذا السبب دعمت واشنطن وطهران المالكي لتشكيل الحكومة الثانية مخالفة بذلك الأعراف الديمقراطية لأن إياد علاوي لا يعتبر الطرف الصالح والموثوق من الجانبين
      3_كل هذه النقاط تحتاج إلى مراجعات وهي تشكل في مجموعها سلسلة أوراق للتفاوض تستفيد منتجربة التنسيق الفني والتقني التي جرت بين طهران وواشنطن خلال السنوات الخمس الماضية وتصاعدت طرداً بعد زيارة محمود أحمدي نجاد لبغداد ولقاء المالكي تحت المظلة الأميركية

    • Ebrahim Ganusan | 12:36 ص

      التعاون الأمريكي الإيراني هو وراء عدم أستقرار العراق

      التقاطع الإيراني - الأميركي لم يحصل في العراق دفعة واحدة، وهو جاء بعد نمو حاجة أمنية ضغطت على واشنطن للقبول بالمساندة لضمان أمن قواتها التي كانت منتشرة في ساحات ومدن بلاد الرافدين.

اقرأ ايضاً