العدد 3014 - الإثنين 06 ديسمبر 2010م الموافق 30 ذي الحجة 1431هـ

عصام الشوالي ظاهرة لفظية

التعليق الرياضي التلفزي وأثره في الطلاب...

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لم أكن أعرف الرجل ولا خطر على بالي أن أعرفه يوما لو لم أجد الطلاب شغوفين به ويسألونني أحيانا: «من تتابع من المعلّقين في مباريات الكرة يا أستاذ؟» قلت لهم :«وهل لي الخيار في ذلك؟» ثم فهمت الأمر.

ووجدت الشباب متأثرين جدا بهذا المعلق الرياضي فصرت أميل إلى الاستماع إليه حين أتابع بعض المباريات العالمية خاصّة. يبدو متمكنا جدا من مهنته بل يبدو ماهرا ونشيطا فكريا، لا بل ويزود مستمعه بقافلة من المعلومات التاريخية عن البلدان والمدن التي ينقل مباريات منتخباتها ونواديها فيجد المتابع - ومنهم الطلاب خاصة محط اهتمامنا في عمودنا هذا بما أنهم الفئة الأكثر استماعا إليه - سيلا جارفا من المعلومات عن الشخصيات التاريخية والحوادث المهمة منها ما يتعلق بالرياضة وكثير منها يتعلق بالسياسة والاجتماع وغير ذلك.

والمتأمل - تربويا - في ثنايا نقله التلفزي الرياضي يقف على الكثير من جوانب الطرافة والمتعة الكروية في ما يقوله، حيث يلهب هذا الإعلامي حماس المستمعين بما يضفيه على المباراة من طابع الحيوية تفوق أحيانا كثيرة حجم المباراة نفسها لكن يبقى ذلك في حيز الاجتهاد المقبول في مجال عمله الاحترافي المشهود له.

غير أن المتابع لمباراة الكلاسيكو الأخيرة بين ريال مدريد وبرشلونة الاسبانيين يلاحظ وبدون عناء أنّ المعلق عصام الشوالي قد تخمّر من شدّة إعجابه بالمباراة. ونظرا لروعة المباراة ولأن اللعب كان متواصلا تقريبا بدون انقطاع بل وبنسق في اللعب أسرع أحيانا من نسق الشوالي السريع في التعليق، فإن المعلق لم يكن بحاجة إلى تأثيث الفراغ الذي يسببه تقطع اللعب عادة بمعلومات تاريخية أو أساسية أو غيرها لكن عصام الشوالي كان له رأي آخر؛ حيث عمد بين الفينة والأخرى إلى جمل وتعليقات ومعلومات تسيء علميا وتربويا إلى المستمعين خاصة وأن السواد الأعظم منهم من الشباب المدرسي الذين باتوا يعشقون هذا المعلق وبالتالي فإن التأثر بما يقوله يصبح من تحصيل حاصل.

والرجل - ما شاء الله - لا يعرف السكوت بل لا يكاد يلتقط أنفاسه حتى تتسابق الجمل إلى مسامعنا في غير روية أحيانا ولا اتزان فكري ونظرا للهاثه وراء الألفاظ تجد له الكثير من السقطات من ذلك وفي إطار تعظيمه المفرط للقاء الكلاسيكو الأخير استعرض طائفة من المعلومات التاريخية كفتح طارق بن زياد للأندلس وما فعله عبدالرحمن الداخل ثم ثنى على ذلك بما أنجزه ملوك الإسبان وغيرهم لينتهي في الأخير إلى ما معناه «كلّ ذلك من المنجزات التاريخية كوم ومباراة الكلاسيكو كوم ثاني» على حد العبارة الشعبية وقال في سياق آخر بعد أن استعرض كعادته مشاهد من التاريخ مهمّة: «لا شيء يعلو فوق صوت الكلاسيكو» ثمّ وبمجرّد مشادة لفظية أو جسدية بين لاعبين من الفريقين يقفز عصام على واقع المباراة الرياضي وبكل ثقة في النفس يربط ذلك بالصراع السياسي بين منظمة الباسك والحكومة الاسبانية على أساس أن الريال فريق الملوك وبرشلونة جغرافيا مأوى المعارضة ولم تكن تلك المشادة اللفظية أو الجسدية سوى حدث رياضي عابر وطبيعيّ بين لاعبين محترفين من بلدين آخرين لا علاقة لهما بهذا الصراع السياسي الذي يوهمنا به المعلق وكأنه أقرب إلى استعراض معلوماته منه إلى تعليق رياضي موضوعي مجاله الرياضة.

بل إنك ترى هؤلاء اللاعبين بما فيهم الإسبان بعد المباراة ورغم ثقل الهزيمة يتصافحون ويهنئون بعضهم لأنها فقط - يا عصام - مباراة كرة قدم لا تعلو على فتح طارق بن زياد للأندلس ولا على إنجازات المسلمين التاريخية في هذا البلد ولا على أي شيء مما قلت عن ملوك الإسبان قديما وحديثا، كما لا يمكن أن نفسر بكثير من التسرع أي مشادة بين اللاعبين بهذه الخلفية السياسية.

نعم جميل جدا أنت يا عصام في تعليقك بل أحدثت إنجازا بفضل مجهودك وجعلت الآخرين يبتكرون لهم طريقة في التعليق تميزهم عن غيرهم، لكن الحذر كل الحذر فمستمعوك أمانة بين يديك فما بالك إذا كانوا من المراهقين وما أرجوه أن لا يهدم تعليقك ما يبنيه الآخرون حول معرفة تاريخ الشعوب والأمم من أجل إبراز قيمة مباراة كرة قدم لا ناقة لنا فيها ولا جمل سوى ملء فراغنا - نحن العرب - وإن جاز أن نملأ فراغنا بمتابعة مباراة كرة قدم فإنه لا يجوز أن نملأ أدمغة أولادنا بأوهام ومبالغات ما أنزل الله بها من سلطان.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3014 - الإثنين 06 ديسمبر 2010م الموافق 30 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 1:31 ص

      وزّع

      وزّع وبس

    • زائر 17 | 2:55 ص

      100% صحيح

      شكراً على المقال الرائع الذي لا يلتفت إليه الكثير ..
      الطالب سيد محمد العلوي

    • زائر 16 | 2:48 ص

      ملاحظة هامة

      اني اتفق معك يا أستاذ في اغلب الامور لكن ,,
      المعلق يحاول ربط الامور ببعضها ليس الا
      وان المعلق ليس معصوما عن الخطأ وربما هي كانت زلة لسان ليس شئ اكثر وربما عليه الحصر في المباريات القادمة في بعض اقواله
      وان لسانك حصانك ان صنته صانك وان خنته خانك
      اخوك الطالب عمار ياسر

    • زائر 15 | 6:26 م

      أتفق معك لكن...

      أنا أتفق معك سيد سليم لكن...
      أعتقد أن عصام الشوالي هو أعظم فنان في مجاله. ولكن هذه المباراة هي مباراة الكلاسيكو التي كانت غير عادية على جميع المستويات...
      في هذا الكلاسيكو التاريخي ، بدا برشلونة قادما من كوكب آخر..... عصام مثل أي إنسان اضطرب في الكلام...
      هذه هي القصة كلها من وجهة نظري الخاصة
      مهدي عبد الهادي
      تونس

    • زائر 14 | 9:55 ص

      الشوالي ... وما أدراك ما الشّوالي

      أنا مثلك أستاذي الفاضل عرفته بالصدفة هنا في البحرين رغم أنّي تونسيّة الأصل ... الرجل مع إحترامي و تقديري لعمله لا يشدّني تعليقه بل ينفّرني من متابعة أيّة مباراة يكلّف بالتعليق عليها ... فهو كما يقول المثل العاميّ عندنا "يهزّ و ينفض برشا" ... فإلى متى يا أستاذ عصام هذا الهزّ و النفض؟ و إلى متى يا شبابنا يا رجال الغد ستشدّكم هذه التعليقات و هؤلاء المعلقين ...؟؟؟!!!

    • زائر 13 | 9:27 ص

      السلام عليكم

      شكرا اخي سليم .. شدني جدا ما كتبت على تعليق الشوالي في الكلاسيكو الاسباني .
      وفقك الله اخي
      كل عام و انت بخير و انشاله ىسنة هجرية مباركة عليك

    • زائر 12 | 9:25 ص

      من حسن إلى أحسن أبو زكرياء

      مقال جيد يا العمود. أقترح عليك مقالا آخر عن أخطاء المعلق اللغوية. كما لاحظت وجود الشدّة( التضعيف) على الحرف المضعّف في المقال وهو لعمري إنجاز في البحرين حيث لا تجد الشدة مكانها هنا. أما تخمّر فأعتقد أنها نفحة تونسية على المقال. وإنشاء الله من حسن إلى أحسن

    • زائر 11 | 7:35 ص

      كلامك صحيح 100%

      السلام عليكم
      الأستاذ العزيز سليم
      شكرا لك على هذه المقالة الرائعة حيث لا يلتفت الى محتوها الكثير من الشباب
      دمت موفقا

      أبو عفاف

    • زائر 10 | 5:59 ص

      أشرف

      صحيح أن لغته جميلة ولكن في بعض الأحيان يقول كلاما بذيئا:
      العالي عالي والواطي واطي

    • زائر 9 | 5:37 ص

      رؤوف خليف

      ويوزززززززززززززززززع

    • زائر 8 | 5:30 ص

      الشوالي ليس رمزا للثقافة التونسية

      أولا شكرا للمقال على اهتمامه ببعض الجزئيات التي قد لا ينتبه إليها الكثير ولكن وقعها عظيم
      غير أني كتونسي أرفض رد الزائر السادس بقوله الشوالي يمكن تلخيص الثقافة التونسية به"
      عفوا يامحترم فإذا كنت بهذا القدر من الفهم للثقافة التونسية فقد علمت شيئا وغابت عنك أشياء وليس من الموضوعية أن تلخص ثقافة شعب في شخص معلق رياضي مع احترامنا له ولآراء الناس فيه
      إن الثقافة التونسية أجل وأسمى من أن تختصر في الشوالي
      أو ربما أردت أن تقول الشابي ذلك الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس رغم عمره القصير
      وشكرا

    • زائر 7 | 3:44 ص

      سيد أحمد العلوي 2

      و ما اختلف فيه مع الاستاذ سليم هنا ، أن تأثير عصام الشوالي أو غيره لم يكن تأثيرا لفظيا فحسب ، بل تحول إلى سلوك و تطبع و تقليد يمارسه الكثير من أبنائنا ضمن العفوية التي يعيشونها كل يوم .

      فلو رصدت بقلمك شيئا ، فلترصد حقيقة لا يمكن إغفالها و هي أن معلقي كرة القدم حققوا نجاحا ملحوظا في التأثير على شريحة كبيرة ينتظرها المستقبل القريب ليتكأ على قوامها لا تحققه المدراس و الجامعات و التجمعات التعليمية خلال ( التسعين دقيقة) التي يظهر فيها شبح المعلق و يختفي !!

    • زائر 6 | 3:39 ص

      المعلقون الجدد كالدعاة الجدد

      عصام الشوالي للعلم هو اكثر شخصية تونسية تأثيرا ضمن أكثر 100 شخصيى تأثيرا في الوطن العربي فهو معروف في ارجاء هذا الوطن ويمكن تلخيص تونس به، فهو رمز لثقافة الكرة التي سيطرت على شباب العرب وهو كعمرو خالد ظاهرة جديدة فإذا كان عمرو أبرز ممثل للدعاة الجدد، فالشوالي هو ممثل المعلقين الجدد بامتياز. فقد افتكّ مكانه ومكانته بين عشرات المعلقين العرب بثقافته وحماسته... والعيب ليس في طريقة تسويقه لـ"سلعته" بل الخوف المرَضي في مقالك الذي بدوْتَ فيه وصيّا على الطلبة، وما يقوم به عصام أهون الشرور.

    • زائر 5 | 3:33 ص

      سيد أحمد العلوي 1

      مقال رائع يحرك الموازين في منطلقاتها الصحيحة ، فإنجازات المسلمين لا يمكن أن تقارن بجسم مدور صغير يحتشد من أجله الملايين و يقتطع من وقته الملاين لمشاهدته عبر شاشة التلفاز ، كنت دائما أتمنى من معلقي كرة القدم أن يشحنوا أدمغة المشاهدين بالأفكار الإيجابية و يمرروا عبر ( التسعين دقيقة) قِيما و مبادئا و مفاهيما تربوية و أخلاقية من شأنها أن تؤثر على الشريحة المتعلقة بهذا النوع من الاهتمامات و هي شريحة الشباب و المراهقين و الأطفال .

    • زائر 4 | 3:18 ص

      منكوش البازي

      شكرا لصاحب لمقال و لكن وصفه / اتزان فكري ونظرا للهاثه وراء الألفاظ تجد له الكثير من السقطات ، كلمة لهاثه ثقيلة أدبيا على وصف المعلق . و ما عدا هذا اتفق معك

    • زائر 3 | 3:14 ص

      كلام موزون

      كلام موزون فى محله واتمنى لك دوام التوفيق اخوك جمال الشريف

    • زائر 2 | 12:44 ص

      مجرد رأي

      جميل ما كتبته يا أستاذ سليم ولكن بالرغم من بعض تحفضاتي على المعلق المتمكن الشوالي إلا أنني أرجع كل ما قاله في تعليقه إلى باب المقاربات الضمنية والتي لا تخدش أي جدار تاريخي ذكرته يا أستاذ....

    • زائر 1 | 12:38 ص

      أستاذ سليم ..ونعم الاستاذ

      أصبت يا استاذ...فدائماً ما يتحمس الشوالي ويخرج عن النص ويأتي بمقارانات غريبة عجيبة ..حتى أنني أخشى أن يقوم يوماً بمقارنة مدلـله ميسي بأحدى الشخصيات الأسلامية
      ملاحظة:
      لا احد سينسى الاستاذ سليم وهو يقرأ في الحصة دروس قصص حكايات ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة ...للتاريخ يا استاذ سليم ..والله كبير

اقرأ ايضاً