العدد 3054 - السبت 15 يناير 2011م الموافق 10 صفر 1432هـ

فلابد أن يستجيب القدر

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

هناك دلالات ورمزيات عميقة ساهمت في جعل التطورات الأخيرة في المشهد التونسي أولوية بالنسبة للشعوب العربية في كل موقع من العالم هذه الأيام. فالمشهد التونسي لم يكن منذ شهر فقط يختلف كثيراً عن المشهد في أية بقعة من بقاع العالم العربي، وسيناريو التطورات المتسارعة التي شهدها قد تحدث في أي من البقاع العربية.

وجدت الشعوب العربية ضالة رمزية في ثورة وطنية خالصة انطلقت شرارتها في تونس، لتتمكن بسواعد محلية من الإطاحة بنظام حاكم بسط سلطته على البلاد لأكثر من عقدين من الزمان.

من كان يمكن أن يتوقع أن يسمع عن قصة من هذا النوع تحصل في بلد عربي في زمن تعيس كهذا؟ وكيف يمكن كبح جماح عواطف الجماهير العربية - التي اشتهرت بعاطفيتها - وهي تتابع قصة لم تكن تقرؤها إلا في كتب التاريخ أو قصص الأولين؟

للقصة التونسية جوانب وأبعاد متعددة ساهمت في رفع أسهمها في رصيد الوعي العربي اليوم، ومن المتوقع أن تبقى هذه الأسهم مرتفعة في المقبل من الأيام.

فأولاً، هناك رمزية شعبوية عارمة في القصة، ظللها التونسي أبوالقاسم الشابي منذ عقود وهو يرفض الظلم ويتغنى بإرادة الشعب التي تجبر القدر على الاستجابة. وكأنما انتفض التونسيون كالشابي ليخرجوا يداً واحدة طلباً للتغيير. التوحد من أجل الثورة، والصمود رغم العنف والبطش، وسقوط الشهداء والضحايا، ساهمت جميعها في خلق صورة مشرقة في الذهنية العربية عن هذا البلد العربي المتوسطي الصغير. فهنا لم تتدخل قوات دولية للإطاحة بالنظام الحاكم، ولم يستسلم التونسيون لتهم الإرهاب الجاهزة أو التدخلات الخارجية التي وصموا بها. فاستمر احتجاجهم حتى غادر الرئيس التونسي البلاد تاركاً الجمل بما حمل لوزيره الأول. لا يحدث هذا كل يوم!

وجد العرب في القصة التونسية درساً ملهماً جداً في زمن الإحباط. غير أنه كان درساً ملهماً للأنظمة بقدر ما كان درساً ملهماً للشعوب. فقد خرج الرئيس التونسي من بلاده مرفوضاً من شعبه، ومرفوضاً حتى من حلفائه الخارجيين. فهذه فرنسا ترفض استقباله خوفاً من احتجاجات التونسيين على أرضها، وهذه الولايات المتحدة في مقدمة الدول الغربية تعلن بعد صمت تأييدها لخيار الشعب التونسي. لقد سقط جمل بن علي فكثرت سكاكينه، فلا ملجأ لأي نظام إن رفضه شعبه.

أحد الأبعاد المهمة جداً في القصة التونسية هو بعد السمعة الخارجية، فنحن لم نسمع عن تونس الخضراء دولياً إلا كل ما هو جميل وبراق، حتى اعتبرتها الدول الغربية في تقاريرها «نموذجاً» شرق أوسطي في التنمية والاقتصاد. ليأتي شاب تونسي جامعي عاطل في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي فيقلب الصورة الخارجية رأساً على عقب، ويكشف عن هشاشة داخلية مرعبة.

ما الذي أوصل شاباً عشرينياً لأن يحرق نفسه على الملأ فيموت متأثراً بجراحه في بلد «نموذجي» تجاوز الأزمة الاقتصادية بجدارة ومثالية؟ وكم هي خادعة تلك الصور الخارجية والتقارير الدولية التي ترسمها دولنا العربية لنفسها، دون أن تحمل مضموناً حقيقياً في الداخل؟

في تونس الخضراء التي يتميز شعبها بمستويات عالية من التعليم والثقافة والتمدن، وبطيبة عربية جميلة لا يمكنك أن تتجاوزها وأنت تتحدث إلى أي تونسي، هناك بطالة وهناك فقر وهناك فساد، وهناك وعود بالتنمية والإصلاح لم تتحقق فعلياً، وهناك قمع للحريات وتعديات على حقوق الإنسان، وعند تونس وعند الدول العربية خير كثير من كل ذلك. وإذا كانت انتفاضة التونسيين الشعبية قد جاءت متأخرة كما قال البعض تهكماً، فهي بكل تأكيد أسبق من غيرها من العرب بسنوات ضوئية عديدة.

لا يمكن إغفال البعد التكنولوجي أثناء الحديث عن مفاصل القصة التونسية، فقد كانت «الثورة التونسية» حاضرة في مواقع الفيسبوك والتويتر مثلما كانت حاضرة في الشوارع. ولذلك أطلق عليها «انتفاضة الشباب»، فمشعلوها شباب يعانون البطالة وضيق العيش ويتحملون أوزار الفساد على كواهلهم. أما تعامل الإعلام العالمي مع القصة التونسية فهو بعد آخر في قصة أخرى، فعلى الرغم من أهمية وخطورة هذه القصة إخبارياً، إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى الإعلام الأميركي إلا بعد تنحي الرئيس التونسي وإعلان البيت الأبيض دعمه لخيار الشعب التونسي. فكيف للإعلام الأميركي أن ينقل ما يحدث لنظام دعمه واعتبره نموذجياً؟

التونسيون اليوم أمام منعطف تاريخي في مسيرتهم، فقد دفعوا ولايزالون بانتظار دفع ثمن باهض للتغيير، لكن التغيير ليس شيئاً سيئاً، ولابد أن يستجيب القدر لهم، فقد أعلنوا أنهم يريدون الحياة

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 3054 - السبت 15 يناير 2011م الموافق 10 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:36 ص

      دائما مميزة بتوفيق انشاء الله

      دائما مميزة بتوفيق انشاء الله

    • زائر 4 | 5:00 ص

      العزيزة ندى - سؤال من بحر

      هل الأقدار تخضع لإرادة الشعوب وهل الشعوب هي التي تصنع الأقدار ولا شأن لها بغير الشعوب وهل فعلاً إذا الشعب اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر كما قال المجدد والمصلح الشاعر ابو القاسم الشابي إذا الشعب اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر ولا بد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر ..

    • زائر 3 | 3:24 ص

      الولد

      القدر لا يستجيب وانما هو شيء من الله...المرء لا يستطيع ان يفرض على القدر إستجابته...لذلك اخطأ ابو القاسم الشابي في قول بيت الشعر هذا

    • زائر 2 | 2:18 ص

      الظلمة والثقة الزائدة في القبضة الحديدية

      دائما يقع الظلمة في نفس المطب وهو الثقة الزائدة في القبضة الحديدية والتي ربما تحمي الوضع لوقت ما ولكن استمرارها يؤجج النفوس ويوقد فيها النار وكل ما طال وضع القبضة تتأججت النار إلى تصل إلى حد تنفجر معه انفجارا يدمر تلك القبضة وتصبح بعد أن كانت حديدية تصبح قبضة من القش وتنهار كل الجدران ويهرب القادة كالفئران
      س ه

    • زائر 1 | 12:29 ص

      زمن الاستجابات

      واحد وراء الثابي ان شاء الله

اقرأ ايضاً