العدد 3058 - الأربعاء 19 يناير 2011م الموافق 14 صفر 1432هـ

سيناريوهات «الانتفاضة» التونسية (1 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدءا من إحراق الشاب التونسي البوعزيزي نفسه تعبيرا عن احتجاجه ضد قضايا كثيرة تبدأ بمشكلاته الحياتية اليومية، وتعرج على مختلف أنواع الفساد المستشرية في مؤسسات الدولة من قمة الهرم إلى قاعدته، ولا تقف عند استبداد طغمة متجبرة نصبت نفسها، ولما يزيد على ربع قرن من الزمان حاكما على الأوضاع في تونس، مرورا، لكن دون التوقف مطولا عند التفاصيل بـ «هروب» الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وتعريجا على تصريح المطربة التونسية المتواجدة حاليا في القاهرة هند صبري التي أكدت فيه أنها «أرغمت على توقيع نداء كانت مجموعة من النخبة التونسية وجهته إلى الرئيس المخلوع تطالبه بالتجديد والترشح للرئاسة في دورة خامسة»، ودون التوقف عند احتجاجات المعارضة، وفي مقدمتها حزب التكتل الديمقراطي المعارض والاتحاد العام التونسي للشغل وانسحابهم من حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها الوزير الاول التونسي، محمد الغنوشي، وتمعنا دون التحديق ومن ثم الدخول في تفاصيل استقالة هذا الأخير ومعه الرئيس المؤقت فؤاد المبزع من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، الذي كان الحزب الحاكم في البلاد.

ذلك هو شريط سريع، وصورة مكثفة لمحصلة تطورات الأوضاع في تونس خلال الاسبوعين الماضيين، يؤطرها اشتباكات داخلية بين مؤسسات الحكم القديم، من حرس رئاسي، وقوات مسلحة، وأجهزة أمن وزارة الداخلية، وصدامات بينها وبين المواطنين الذين هبوا بعفوية تعبر عن فرحهم بما وصلت إليه الأمور، ورغبتهم في عدم النكوص نحو الخلف.

قضية مهمة لابد من الإشارة لها وهي تصنيف ما جرى في تونس، هل هو مجرد هبة عفوية، أم انتفاضة منظمة، أم هي محصلة خليط بين الاثنتين أفرزتهما الحالة التونسية المتميزة.

ربما على المتابعين السياسيين أن يخرجوا من الأطر التصنيفية الضيقة التي تحاول أن تبحث عن صفة تطلقها على الأحداث التونسية. فكما يطالبنا الاقتصاد المعرفي أن «نفكر خارج الصندوق» (Outside the Box)، ربما آن الأوان ان نفكر سياسيا خارج تلك الصناديق الضيقة التي طالما حصرنا أذاهننا السياسية داخلها.

أكثر وأهم من ذلك هو المواطن التونسي العادي غير المسيس الذي بات يريد ان يعرف اليوم وبصدق وشفافية، مآل هذه الأوضاع ونهاياتها، مؤملا النفس بألا تنتهي الأمور، لا قدر الله، إلى ما هو أسوأ كي يجد نفسه مرغما على التحسر على النظام المخلوع، كما شاهدنا ذلك يتكرر في العديد من الأقطار العربية الأخرى.

وكمحاولة لاستقراء ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في تونس، مبني على الاستفادة من تجارب إقليمية أخرى، وفي ضوء رؤية متبصرة لخارطة القوى الفاعلة، وبتفاوت، اليوم على الساحة السياسية التونسية، يمكننا رؤية السيناريوهات الأكثر احتمالا في الاتجاهات التالية:

1. فلتان أمني تعززه صدامات عنيفة تتفاوت في حجومها وحيز انتشارها، بين أطراف الحكم السابق أولا، وبينها وبين مختلف أطراف المعارضة ثانيا.

هذه الصدامات نهاياتها عدمية بالمفهوم السياسي، فهي لا تعدو ان تكون، وخاصة بين أطراف الحكم، تصفية حسابات قديمة، لم يكن يسمح بالطفو على السطح في المرحلة السابقة، ولم تكن هي الأخرى قادرة على التعبير عن نفسها.

لا ينبغي استبعاد احتمال، قد يبدو ضعيفا في هذه المرحلة، هو استئثار أحد أجنحة الحرس القديم بالسلطة، بعد ان يستعين بتحالفات خارجية، إقليمية كانت تلك المساعدات أم دولية. فهناك قوى في الساحتين الإقليمية والدولية، ليس من مصلحتها أن يجري أي تغيير في الطاقم الحاكم في تونس دون معرفتها ومباركتها، فهي قد تسمح بتغيير، لكن في إطار النظام السابق.

هذا الاحتمال قوي، ولا ينبغي استبعاده، نظرا لكون أطراف القوى الحاكمة هي الأكثر تنظيما اليوم في تونس، والأكثر خبرة في إدارة دفة الحكم، والأقرب للقوى الخارجية، إقليمية كانت تلك القوى أم دولية.

2. توقف العنف، بعد فترة يصعب التكهن بزمنها، والوصول إلى اتفاق بين بعض أو أحد أطراف الحكم، وأحد او تحالف بين مجموعة من قوى المعارضة، وهذا احتمال لا ينبغي إغفاله، خاصة إذا ما طالت فترة الفلتان الأمني، ووجد الطرفان: المعارضة وقوى النظام المخلوع، أن أيا منهما غير قادر على حسم الصراع لصالحه بمفرده.

هنا لا ينبغي ان نستثني التقاء مصالح جهتين إحداهما في السلطة والأخرى في المعارضة، واتفاقهما بشكل انتهازي، للاستئثار بالسلطة، وإزاحة الأطراف الأخرى، مستفيدة، كل واحدة منهما من مزايا الأخرى، فبينما ستجير تلك الفئة من المعارضة النفوذ والخبرة اللتين بحوزة القوة الحاكمة كي تقفز إلى سدة الحكم، ستحاول تلك القوة الحاكمة الاستفادة من قدرة الفئة المعارضة على امتصاص نقمة الشارع، ونزع فتيل العنف، للاستئثار بالسلطة.

3. فشل الوصول إلى إي شكل من أشكال الاتفاق بين الطرفين، المعارضة والسلطة، وعدم نجاح أية قوة في السلطة في تقدم الصفوف وتسلم الحكم، حينها لن تجد المعارضة أمامها أي خيار سوى القبول، مهيئة كانت أم غير مهيئة، بتسلم السلطة. المعارضة هنا يمكن ان تكون فئة واحدة، أو تحالفاً بين مجموعة من القوى.

في حال كونها تحالفاً جبهوياً بين قوى المعارضة، سيكون الأمر سهلا نسبيا، إذ ستكون المعارضة في وضع مريح نسبيا يؤهلها لتسلم مقاليد الحكم. لكن في حال بروز تناقضات في صفوف المعارضة، فقد يتيح ذلك لأطراف السلطة، أو فئة منها، لأن تستفيد من الفراغ السياسي كي تستعيد الإمساك بزمام الأمور، والعودة إلى سدة الحكم.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3058 - الأربعاء 19 يناير 2011م الموافق 14 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • مواطن مستضعف | 3:30 ص

      طابت أوقاتك أستاذي الفاضل

      من أهم الركائز الرئيسية التي التي أدّت للإطاحة ب"بن علي التونسي" ميدانياً هو انقلاب الجيش, و الذي خاض فيما بعد معارك ضارية ضد الحرس الرئاسي للمخلوع "بن علي".

    • زائر 2 | 1:29 ص

      الضغط

      القبضة الحديدية + الكبت + الحرمان + الضغط + الدكتاتورية + التمييز + تردي الوضع المعيشي + الفقر + الحرمان من السكن + الحرمان من التوظيف +العلاج =كلها عوامل تؤدي الى هذه النتائج .( هل اتضحت الفكرة ) .

    • زائر 1 | 10:06 م

      كلما جاءت امة لعنت أختها

      كلما جاءت امة لعنت أختها

اقرأ ايضاً