العدد 3075 - السبت 05 فبراير 2011م الموافق 02 ربيع الاول 1432هـ

لماذا لا تصمت واشنطن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أفضل خدمة تقدمها الإدارة الأميركية للشعب المصري ان تلوذ بالصمت. فالكلام الكثير والفارغ الذي صدر خلال الأيام العشرة الماضية عن مراكز القرار بشأن الانتفاضة فاق البروتوكول والحدود الدبلوماسية المتعارف عليها. والتصريحات التي أطلقها بعض المسئولين تجاوزت الحد المسموح به في علاقات الدول وتحولت أحياناً إلى نوع من الأوامر والاملاءات ما اعتبره الكثير من أصحاب السلطة أو شباب الانتفاضة اهانة لا يمكن قبولها.

السكوت الأميركي أفضل هدية تقدمها واشنطن للقاهرة، لأن كثرة الكلام لا يجدي نفعاً بل يترك سلبيات ويصب الزيت على النار ويعطي ذريعة لأعداء الانتفاضة للانقضاض على المكتسبات التي تحققت حتى الان. واصرار مراكز القرار في البيت الأبيض على متابعة التدخل سيؤدي إلى ردود فعل غاضبة من الشارع وبعض الرموز الرسمية خصوصاً تلك الوجوه التي تشرف على إدارة مرحلة الانتقال إلى حقبة «ما بعد مبارك».

لماذا لا تصمت الولايات المتحدة؟ ولماذا تحاول إدارتها دائماً الظهور في موقع الطرف الذي يحرك الانتفاضات والثورات ويدير السياسات الدولية والإقليمية؟

الإجابة لا تحتمل التأويل وهي أساساً تتصل بموضوع الفشل وضعف الإدارة في توقع الحوادث وعدم قدرتها على فهم التحولات واستيعاب المتغيرات. وبما ان واشنطن تحرص دائماً على الظهور في موقع القوة الفاعلة والقادرة على السيطرة على كل شيء تلجأ إلى لعبة الاحتيال ومصادرة المواقف والدخول إلى الساحة من الزوايا والأزقة. هذا الأمر يتكرر دائماً وهو ما حصل خلال انتفاضة قوى الاعتراض (الثورة الخضراء) في إيران حين خرجت الملايين احتجاجاً على تزوير الانتخابات الرئاسية. وأدى التدخل الأميركي إلى تقديم خدمة مجانية للسلطة وأعطاها فرصة للتشدد والإفراط في استخدام القوة ضد الناس بذريعة العمالة والتواطؤ.

النظام المصري مختلف في تكوين سلطته عن إيران، ولكن اصرار الادارة الأميركية على مواصلة ارسال التوجيهات والاوامر والاملاءات سيعطي مفعوله السلبي وقد يقدم ذريعة للقوى المتضررة من التغيير أن تبدأ ممارسة سياسة التشدد في التعامل مع الملايين التي خرجت في القاهرة ومختلف المدن المصرية.

لاشك في أن السلوك الأميركي الذي يتمظهر في صورة التدخل اليومي في موضوع الانتفاضة يكشف في جانب منه عن نقاط ضعف تحاول الإدارة تغطيتها بالاكثار من التصريحات المتعارضة والمتدرجة في ضغوطها، ولكنه أيضاً يكشف في جانب آخر عن اصرار الولايات المتحدة على الظهور في موقع الدولة الأولى في العالم التي تستطيع ان تلعب وتؤثر بينما كل الدول الكبرى وعواصم القرار تكتفي بالمتابعة والمراقبة والامتناع عن طرح التصورات والاقتراحات.

هذا التناقض بين الضعف والقوة يرسم خريطة طريق لمعرفة مدى علاقة الولايات المتحدة المباشرة وغير المباشرة بما حدث في تونس ومصر. فهل صحيح مثلاً ان إدارة باراك اوباما هي التي اتخذت قرار اسقاط النظامين وبدأت بتحريك الجماهير في البلدين تحقيقاً لرغبة أميركية تقضي بنشر الديمقراطية وإعادة هيكلة الشرق الأوسط؟ وهل صحيح ان الرئيس اوباما يلعب دور المايسترو ويوجه الارشادات للاطراف حتى تتحرك بهذا الاتجاه او ذاك؟

لا حاجة للاجابة لأن الصورة المذكورة فيها الكثير من المبالغة باعتبار ان القوة السياسية الرئيسية التي تحركت على الأرض في ميادين تونس ومصر ليست بالضرورة متوافقة مع المشروع الأميركي التقويضي (الفوضى وزعزعة الاستقرار) وليست متصالحة مع نهج واشنطن في تأييد «إسرائيل» والتحالف معها ضد الحقوق الفلسطينية. كذلك مفهوم السلطة البديلة الذي اقترحته جماهير تونس ومصر لا ينسجم مع تطلعات واشنطن السياسية ورؤيتها لمنظومة العلاقات الإقليمية في دائرة الشرق الأوسط.

هناك اختلافات بين رغبة الناس والنموذج الأميركي الذي تطمح واشنطن إلى تطبيقه في بيئة غير ملائمة لطموحاتها. وهذا التعارض بين الرغبة العربية والنموذج الغربي لا يلغي التقاطع الذي يمكن رصده في نقطة مشتركة تتركز في مسألة التغيير.

شعوب المنطقة تعاني من الظلم والاستبداد والتهميش وهي تشتاق إلى تغيير منظومة سياسية كان لها دورها في القهر والتجويع والتجهيل. وأميركا ربما بعد ان فقدت وظيفتها الاستراتيجية في المنطقة وأخذت تتراجع عسكرياً بدأت تفكر باستخدام سياسة التحريك انطلاقاً من خطة بديلة تستفيد من ضعف الأنظمة التي ترهلت وتكلست خلال عقود من الزمن.

التقاطع بين الرغبة العربية والطموح الأميركي على مسألة الحاجة إلى التغيير لا يعني وجود ذلك التطابق بين ما حصل في تونس وما يحصل في مصر وبين مشروع الولايات المتحدة. فالكلام الذي يصدر يومياً عن واشنطن بشأن الاصلاحات والشفافية وحقوق الإنسان واحترام تداول السلطة ومطالبة الأنظمة بالشروع في التغيير حتى تتجنب عاصفة الشرق الأوسط لا يعني إطلاقاً اعطاء حق غير مشروع بمصادرة خصوصية الانتفاضات واستقلالها السياسي عن الأوامر والاملاءات.

التدخل الأميركي اليومي فاق كل الحدود والاعتبارات السياسية والدبلوماسية ومضاره أكثر من منافعه، لأنه من جانب يقلل من أهمية تحركات قوى الاعتراض ودورها في حرية الاختيار وحق التغيير ولأنه من جانب آخر يعطي قيمة مضافة لانظمة تبحث عن ذريعة خارجية للانقضاض على الناس وقطع الطريق على طموحاتها وآمالها تحت ستار الوطنية والعزة والكرامة والسيادة.

المطلوب من إدارة واشنطن الصمت لأنه الوحيد الذي يعطي خدمة لشعوب مظلومة. وتعاني من قهر ساهمت الولايات المتحدة في صنعه وتربيته وتمويله وتسليحه وتدريبه وتبريره وحمايته. وإذا كانت إدارة اوباما تعتقد ان واشنطن اخطأت في سياساتها خلال العقود الماضية وتريد الآن التصحيح والإصلاح ورفع اليد والغطاء عن الانظمة فعليها ألا ترتكب الاخطاء نفسها بالاكثار من التعليقات والتصريحات والاملاءات المحبطة لطموحات الناس التي لا ترى في التدخلات الأميركية سوى الخيبة الدائمة والانحياز الثابت للعدوان الاسرائيلي على فلسطين والشعوب العربية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3075 - السبت 05 فبراير 2011م الموافق 02 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 6:19 ص

      اسرائيل تتكلم

      أمريكا لا تتكلم - اسرائيل هي المتكلمة فلو صمتت اسرائيل لصمتت امريكا

    • زائر 6 | 3:44 ص

      الأستاد الكريم وليد نويهض

      ويش قاعد تقول ألا تخاف أن يقوم عليك الشياطين والمدافعين عنها (أمريكا) وهم حكام العرب ؟ يجب عليك أن تصلي ركعتين كفارة عن ذنبك

    • زائر 4 | 12:43 ص

      طلبك غريب

      طلبك غريب يا استاذ وليد .... كيف تريد من أمريكا أت تلوذ بالصمت وهي ترى أن تونس ومصر تختفيان من خارطة الطريق !!

    • مواطن مستضعف | 11:49 م

      هي جنازة و بيشبعوا فيها لطم

      التدخلات الأميركية طالت كافة و أدق تفاصيل الحياة السياسية بمعظم دول العالم –و مصر طبعاً من أوائل هذه الدول.
      وافر التحية يا استاذ وليد

اقرأ ايضاً