العدد 3098 - الإثنين 28 فبراير 2011م الموافق 25 ربيع الاول 1432هـ

الثورة الشعبية والنكتة السياسية

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

النكتة هي نوع من أنواع الأدب الشعبي تحكي قصة صغيرة أو موقفا أو تسلسلا من الكلمات الذي يقال بغرض التأثير على المتلقي وجعله يضحك.

والنكتة أيضا هي عمل درامي مستقل بذاته له تركيبة أدبية مضغوطة ومكثفة، إنها إفراز ساخر لأزمات الدول والثقافات؛ فالمجتمعات الناضجة هي التي تسخر من جراحاتها وتبتسم في وجه أزماتها ولا أحد يعرف كيف تكتب النكتة أصلا، ولا أحد يعرف من أين تأتي، ولعلها تظهر في حالات الضغط الاجتماعي الكبيرة أو الإحساس بالقهر، وتختفي في حالات الإجهاد الاجتماعي وفي حالات غياب التسامح وزيادة العصبية الجماعية. وهي على أنواع شتى وأبرزها النكتة السياسية فمع اشتعال فتيل ثورة الغضب في مصر بعد الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، تفجرت ثورة أخرى موازية لها مدارها «النكتة السياسية»، وأضفت على الثورة الشعبية نكهة خاصة تنبع من رحم المعاناة، وزاد من بريقها الشعارات التي رفعها المتظاهرون والمعتصمون في ميدان التحرير.

ذلك أنّ النكات كما يصفها الكاتب العالمي جورج أورويل هي «ثورة صغيرة»... ويقول عنها رائد مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد إنها «محاولة قهر القهر». وهي كما يقول عنها الكاتب مجدي كامل «قنبلة نووية متجددة الانفجار، ليس لها ولن يكون لها مثيل في أي ترسانة سلاح، ما أن تنفجر في مكان حتى تنتشر بسرعة البرق في شتى أنحاء البلاد».

من هنا تكتسب أهميتها فما بالك إذا تعلقت بالموضوع التابو ألا وهو السياسة. وعد إلى شواهد التاريخ السياسي غربا وشرقا تجدْ مصداق ما نقوله فقد كان الكثير من زعماء العالم يتابعون النكتة السياسية التي يرددها الشارع، فمنهم من كان يعتبرها كاستطلاع رأي لسياسته، وآخرون يعتبرونها توضيحاً لمؤشرات صعود أو هبوط شعبيتهم كـ: «تشارل ديغول» الذي كان أكثر ما يزعجه هو أن النكتة السياسية أو الرسم الكاريكاتيري لم يعد يُعِره اهتماماً في الآونة الأخيرة، فقال: «لقد تدنت شعبيتي في فرنسا، فأنا لا أرى نفسي في الرسوم الكاريكاتيرية ولا أسمع اسمي في النكتة السياسية التي تنتقدني» .

وكذلك الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الذي كانت تجمع له جميع النكات السياسية التي ابتلي بها بعد هزيمة 1967 بسيل من اللذعات الناقدة للسياسة المصرية، حتى اضطر إلى إثارة ظاهرة النكتة في خطبة مشهورة له، وفيها ناشد الجمهـور أن يتقي الله في نفسه وأن يرشد النكتة بما لا تؤذي الشعور الوطني.

وليس المجال هنا لاستعراض هذه النكات الجديدة المتزامنة مع الثورات العربية الراهنة ولا لتحليلها لضيق المجال وإنما نلفت إليها انتباه المختصين لمعالجتها علميا وفق ما توصل إليه علم الاجتماع النفسي وغيره من العلوم المساعدة. خاصة وأنّ النكتة السياسة الساخرة وغيرها من النكات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، أصبحت موضوع دراسة في الكثير من المراكز البحثية العربية في الآونة الأخيرة، باعتبار أن هذه النكات تعبير لقياس اتجاهات الرأي العام ومعرفة رؤيته للقضايا المطروحة على الساحة، خاصة وأن التنكيت لم يعد قاصراً على (مجالس النكتة) أو متداولة في المقاهي فقط كما كان في الماضي، بل إن هذه النكات أصبحت منتشرة على شبكة الإنترنت وعبر البريد الإلكتروني أي أن النكتة تطير حالياً بسرعة الإنترنت.

وأخيراً هل يجرم القانون مخترع النكتة بتهمة القذف أو السب العلني؟ يقول عصام الإسلامبولي المحامي وأحد المدافعين عن الرأي في مصر: إذا كانت النكتة عامة أي مجرد نكتة، ولا تطلق ضد شخص أو أشخاص معينين ويوجه النقد البناء من خلالها فهي ليست مجرَّمة قانوناً... أمّا إذا كانت تهدف إلى التجريح والتحقير من شأن شخص أو أشخاص معينين وسط أهله وعشيرته لتصنع نوعاً من التفريق، هنا تجرم قانونياً، وتُعَدُّ سباً وقذفاً

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3098 - الإثنين 28 فبراير 2011م الموافق 25 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 8:19 ص

      أبو جنى

      من المؤكد هنا خصوصية النكتة في هذا الشأن،إذ تجري الحكمة على ألسنة بعض الخواص فقط ممن نالوا قدرا من الثقافة أو حظا من المعرفة باللغة، وبالتالي فالنكتة هي الأوسع انتشارا والأكثر شيوعا،
      وأخيرا: سُئل مبارك وزين العابدين :رصاص أم سم أم انقلاب ؟ فقالا : فيسبوك

    • زائر 6 | 8:15 ص

      شكرا أخوي

      صدقت يا أستاذ سليم ، فالنكتة مثل الحكمة تنبع من خلاصة تجربة إنسانية ناضجة تستوفي الحدث بكل معاناته ووجعه أو فكاهته وظرافته ، وهي مؤشر عن مزاج الأمة إبان فترة زمنية معينة يتلقفها الناس فيما بينهم على اختلاف درجات ثقافتهم (خاصتهم وعامتهم)

    • زائر 5 | 7:06 ص

      thank's

      شكرا سيدي الكريم لنشركم وتطرّقكم لهذا الموضوع. انا مع تكون لنا في بلداننا العربيّة صحافة متخصّصة في النكتة السياسية و الإجتماعيّة، مثل ما هو الشأن في العديد من البلدان. يبقى السؤال المطروح حول مدى إستعدادنا شعوبنا العربيّة و مستوى النضج الفكري للبعض من مكوناتها حتى لا تحيد عن أهدافها و يتم توضيفها لتصفية الحسابات ...
      مهدى عبد الهادى

اقرأ ايضاً