العدد 3123 - الجمعة 25 مارس 2011م الموافق 20 ربيع الثاني 1432هـ

التغيير السوري في إطاره الإقليمي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الاعتصامات والاحتجاجات التي شهدتها سورية طوال الأسبوع الماضي وأدت إلى اصطدامات ومواجهات دموية في درعا أكدت مجدداً أن رياح التغيير في المنطقة لا تقتصر على فئة معينة من الأنظمة العربية. فالكل سواسية ولا فرق بين نظام وآخر إلا بمدى استجابته لتطلعات الناس وطموحهم نحو تعديل نمط العلاقة بين الدولة والمجتمع. وما حصل في سورية يرجح أن يتطور إذا لم تنتبه دمشق إلى ضرورة التغيير ومستلزماته الإصلاحية الجذرية والحقيقية.

حتى الآن تبدو قيادة دمشق السياسية مندهشة من المفاجأة غير المحسوبة. فالقيادة كانت معتقدة بأنها تغرد خارج سرب التغيير وذلك لقناعات ايديولوجية تبدو للوهلة الأولى غير ذكية بسبب ظنها اليقيني أنها متصالحة مع شعبها في الأمور الوطنية العامة.

هذه الأوهام الايديولوجية غير كافية وهي بدأت تتساقط ميدانياً منذ الأسبوع الماضي حين ظهر الارتباك السياسي على قيادة دمشق فأخذت تتصرف بأسلوب يسيطر عليه التردد. فمن جهة اتهمت انتفاضة درعا بالارتباط بالخارج وحملت مسئولية المواجهة الدموية إلى فئات مندسة عبرت الحدود بسيارات محملة بالأسلحة والأموال، ومن جهة اعتبرت المطالب بسيطة ومشروعة وهي تقتضي اتخاذ إجراءات إصلاحية تلبي بعض مطامحها.

ضياع الإعلام الرسمي السوري بين تهمة العمالة والارتباط بالخارج وبين مؤتمر القيادة القطرية لحزب البعث الذي وعد بإجراء سلسلة إصلاحات في هيكل السلطة تستجيب لحاجات الناس المعيشية والسياسية، يؤشر إلى وجود مشكلة في التعامل العقلاني مع الأزمة. وبسبب غموض تعاطي القيادة مع متطلبات الاعتصامات والاحتجاجات ردت قوى الاعتراض السورية على وعود حزب البعث الحاكم منذ ستينات القرن الماضي بأنها ليست كافية ولا تلبي رغبات الشعب.

هل تأخرت القيادة السورية في اتخاذ الإجراءات اللازمة لاحتواء الاحتجاجات أم أنها لاتزال تتحرك في الهامش الزمني المعقول الذي يعطيها فرصة للخروج من أزمة التغيير؟ الجواب يحتاج إلى وقت للحكم على النتائج باعتبار أن سورية سياسياً تعتبر دولة إقليمية تلعب سلسلة أدوار مهمة خارج أراضيها. لذلك لا يمكن الحكم على التجاذبات السياسية من الداخل السوري فقط وإنما يجب مراقبة المتغيرات من الخارج والمحيط الجغرافي والإطار الجواري حتى يمكن التعرف على مدى التغيير واحتمال تعثر الوظيفة الإقليمية واختلاف نسبة تأثيرها على الملفات العراقية والفلسطينية واللبنانية. فهذه الملفات الساخنة تشكل في مجموعها نقاط اختبار لموقع سورية الدولة ودور قيادتها في صوغ المعادلة الإقليمية وما تعكسه من وظائف تحتاجها أحياناً الدول الكبرى في ترتيب علاقاتها مع المحيط الجواري.

سورية ليست دولة بسيطة على هامش المنظومة الإقليمية وأنما هي من أركان المعادلة التي تعتمد عليها عواصم القرار لضبط الاستقرار في الإطار الجغرافي الممتد من بغداد إلى بيروت وصولاً إلى غزة. وبسبب هذه المظلة الدولية نجحت دمشق خلال العقود الأربعة الماضية في تأمين حماية إقليمية لموقعها ودورها الخاص في الملفات العراقية والفلسطينية واللبنانية. لذلك فإن معادلة التغيير في سورية تتجاوز العوامل الداخلية وهي إلى حد كبير تبدو مرتبطة بالخارج ومرهونة بالتجاذبات الإقليمية في المحيط الجغرافي.

التغيير في سورية يحتاج فعلاً إلى قراءة مضاعفاته وارتداداته على دول الجوار واتفاقات التعايش مع الاحتلال الإسرائيلي وضوابط الهدوء في الجولان حتى يمكن استدراك توابعه الداخلية ومطالب الناس التي اعترفت قيادة حزب البعث القطرية متأخرة بأحقيتها وشرعيتها.

مسألة التغيير في سورية تبدو معقدة وصعبة لا بسبب الطبيعة الخاصة للسلطة الحزبية المتشددة وإنما لعوامل متشابكة لها صلة بالدور الإقليمي الذي تلعبه دمشق وموقعها الجغرافي (البرزخ) الذي يربط ويفصل بين العراق من جانب ولبنان وفلسطين من جانب آخر. فالتمدد السياسي السوري خارج الحدود له وظيفة إقليمية ويتمتع أحياناً بمظلة دولية تحتاجها عواصم القرار لضمان الاستقرار وحماية المصالح المترابطة بما فيها الهدوء في الجولان.

المسألة تتجاوز الحدود السورية لكون التغيير المطلوب أو المتوقع في الداخل سيكون له انعكاساته على مجموعة ملفات مترابطة ومتباعدة في آن. وهذا يعني أن إعادة هيكلة النظام تحتاج إلى رعاية دولية تأخذ في الاعتبار مجموعة عوامل تقع خارج الحدود السورية. فهل أصبحت القوى الكبرى جاهزة الآن لتقبل التغيير في دمشق وما ينتج عنه من مضاعفات محتملة في ملفات الجولان ولبنان وفلسطين والعراق؟

حتى الآن تبدو المواقف الدولية بشأن مسألة التغيير في سورية قلقة وغير واضحة. فالعواصم من جانب تقف مع الإصلاح والانفتاح والتكيف مع متطلبات الانتفاضة وضد استخدام القسوة والعنف في مواجهة الاحتجاجات، لكنها من جانب آخر متخوفة من التفريط بالموقع الإقليمي لسورية ودورها الخاص في التعامل مع ملفات العراق ولبنان وفلسطين إضافة إلى ضمان الهدوء في الجولان.

التغيير في سورية مسألة عابرة للحدود وهو يتطلب إعادة نظر في المعادلة الإقليمية حتى يأتي في سياق غير انقلابي يضمن عدم زعزعة الاستقرار ولا يفرط بتلك التفاهمات والاتفاقات والتعهدات الموقعة أو الشفهية. وبسبب هذه الخصوصية يتوجب مراقبة ماذا يحصل في المحيط الإقليمي حتى يمكن الحكم على مدى احتمال التغيير في سورية. فالترابط بين وظيفة النظام في دمشق والملفات الساخنة في دول الجوار تعطي فكرة عن مساحة التغيير المحتمل في سورية.

الملف اللبناني يشكل عينة مهمة يمكن القياس عليها لاستكشاف طبيعة الاتجاه الذي ستذهب إليه عواصم القرار في تعاملها مع متطلبات التغيير والإصلاح والهيكلة في دمشق. وإعادة تشكيل الحكومة التي كلف بمهمتها نجيب ميقاتي منذ أكثر من شهرين تعطي فكرة عن التوجه الدولي ومنعطفاته الإقليمية بعد التغيير الذي حصل في مصر. فالإعلان عن الحكومة اللبنانية يرتبط بالداخل السوري وامتداداته الإقليمية ومدى تجاوب المظلة الدولية وقبولها للتعديلات المفترضة في ساحة بلاد الأرز. هل ستكون من لون سياسي واحد، أو من خارج لعبة الغالب والمغلوب، أو تكنوقراطية، أو مزيج كيماوي متنوع يتركب من تكتلات نيابية أو حكومة وطنية مقاومة تقود المواجهة نيابة عن المحيط الإقليمي. طبيعة الحكومة اللبنانية المتوقع أن يعلن عنها قريباً تؤشر في تكوينها اللوني المحلي إلى مساحة التغيير الذي يحتمل أن يظهر في سورية في حال استمرت الاعتصامات والاحتجاجات.

من لبنان يمكن القياس على ما يحصل في سورية. ومن العراق كذلك يمكن فهم طبيعة المعادلة الإقليمية التي يفترض أن تستقر عليها المنطقة. كذلك من فلسطين (والجولان استتباعاً) يمكن مراقبة مدى التغيير وحجمه وحدوده ونسبته وجديته في الداخل السوري. المسألة مختلفة وهي ليست معزولة عن إطارها الجغرافي ومظلتها الدولية.

التغيير السياسي في سورية يختلف عن تونس ومصر وليبيا واليمن. تونس كانت ورقة مستقلة ولا تلعب دوراً إقليمياً. مصر تراجعت عن وظائفها الإقليمية وانكفأت بحدود معينة إلى الداخل. ليبيا كانت تحاول أن تقوم بأدوار محدودة في جوارها الإفريقي ومحيطها المتوسطي مستخدمة النفط والأموال لحماية نظامها وهي نجحت إلى حد ما في تأمين غطاء دولي إلى فترة ليست بسيطة. اليمن كان في معظم الأحيان خارج المعادلات الإقليمية والمظلات الجغرافية المحيطة به فهو جار دول الخليج وليس جزءاً من مجلس التعاون وهو على الضفة الشرقية للبحر الأحمر وليس شريكاً للسعودية أو مصر أو السودان في إطار منظمات إقليمية. لكل هذه الأسباب الجيوبوليتكية يعتبر التغيير في تونس ومصر أسهل من سورية، كذلك يحتمل أن يكون أصعب من ليبيا واليمن.

الاعتصامات والاحتجاجات التي أخذت بالامتداد من درعا إلى مختلف المدن ستترك لاشك تأثيراتها، لكن لا يمكن الحكم على نتائجها من الداخل السوري أو خارج المظلة الدولية وذلك لاعتبارات كثيرة منه له علاقة بطبيعة السلطة وخصوصيتها ومنه يتصل بالموقع الإقليمي ووظائف الأدوار التي تقوم بها قيادة دمشق في المحيط الجواري

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3123 - الجمعة 25 مارس 2011م الموافق 20 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً