العدد 313 - الثلثاء 15 يوليو 2003م الموافق 15 جمادى الأولى 1424هـ

المواطنة تتعارض مع ثقافة الفساد السياسي

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الفساد له منابع كثيرة ومحاربة الفساد ينبغي ألا تقتصر على مكافحة الظواهر وإنما يجب معالجة الجذور ايضا. والمعالجة ثقافية قبل أن تنتقل إلى قوانين واجراءات. فالقوانين والأنظمة والاجراءات لا فائدة منها إلا اذا كانت هناك ثقافة تتأسس عليها.

كيف يبدأ الفساد؟ وما هي جذوره؟ هذان هما السؤالان اللذان ينبغي الحديث عنهما لتوضيح المفهوم. كثير من المفاسد الكبرى تبدأ بأحاديث متداولة مثل «اذا لم تأخذها أنت فسيأخذها غيرك». بهذه الجملة التي تبدو بسيطة يتحول الانسان البسيط إلى طمّاع وفاسد لا يشبع من شيء.

فالفرص المادية التي تتوافر لبعض الناس كثيرة، ولكن بعض تلك الفرص يختلط فيها الحلال بالحرام والصحيح بالخطأ. فكيف يتوقف المرء عن تسلم مال معين أو الاستحواذ على أرض أو أي شيء من المال العام اذا كانت الثقافة المتداولة لدى فئة من الناس هي «ان الذي يتوافر امامك قد يذهب إلى غيرك الذي لا يستحق» وبالتالي فإن النتيجة واحدة، وهي ضياع المال العام وضياع الفرصة المادية. وبما انها ضائعة، فالاجدر ان يتسلمها المرء ويعتبرها مثل لو انه وجد شيئا غير معروف مالكه وان ذلك المالك لا يمكن التعرف عليه...

الفساد يتطور بعد ذلك، فالذي يستسهل مد يده على المال له أمثاله، وهؤلاء يعرفون بعضهم من خلال الخبرة، ومع الأيام يكوّنون شبكة محكمة تسيطر على عدد من الموارد الرئيسية ويستطيعون طرد أي «غريب» عنهم، والغريب هو من لا يود التعامل بسهولة مع المال العام، أو الذي يحسب لكل شيء ألف حساب.

ومع الأيام تصبح مثل هذه المجموعات الفاسدة كالثقوب السوداء في الفضاء الكوني. فتلك «الثقوب السوداء» يقول عنها الفيزيائيون انها «تبتلع» أي شيء يمر أمهامها حتى لو كان حجمه بحجم كوكب أو شمس أو مجموعة كواكب، وكل هذه الأجسام المادية الضخمة تختفي في الفضاء الكوني إلى ما لا نهاية، ولا يمكن معرفة مصيرها (بالنسبة إلى الانسان) إلى الأبد.

إن أفضل ثقافة لمحاربة الفساد على المستوى الثقافي هي ذكر الله من جانب، والايمان بالمواطنة من جانب آخر.

فالمواطنة تعني ان الانسان يعيش مع غيره من الناس (المواطنين) الذين يتساوون معه في الحقوق، وان أي شيء يستولي عليه الانسان بغير جهد مشروع إنما يسلبه من غيره من المواطنين، وليس من الدولة.

فثروات الوطن هي للجميع، واستيلاء البعض على جزء منها - ان وجد ذلك - لا يعطي مبررا لشخص آخر أن يستولي على جزء آخر بصورة غير مشروعة. فالخطأ لا تتم معالجته بالخطأ، والدخول في طاحونة الفساد قد يكون سهلا، ولكن الطاحونة تطحن اذا وجدت ما تطحنه وإذا لم تجد ما تطحنه فتطحن نفسها وتتآكل. الفساد يقضي على الخيرات، ويقضي على انسانية الفاسد، وفي أكثر الاحيان يقضي على دنيا الفاسد ايضا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 313 - الثلثاء 15 يوليو 2003م الموافق 15 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً