تباينت ردود الفعل العراقية ازاء تشكيل مجلس الحكم الانتقالي، أول سلطة تنفيذية عراقية منذ سقوط نظام صدام حسين، وعبرت بعض الاوساط العراقية عن ارتياحها الحذر بهذه الخطوة. وقال رئيس الجامعة المستنصرية في بغداد طاهر البكاء: «ان خطوة تعيين مجلس الحكم الانتقالي مطلوبة، ولكن الاهم منها هو تمكن مجلس الحكم من تلبية الحاجات الاساسية وذات الاولوية العاجلة للمواطنين وفي مقدمتها توفير الأمن والخدمات الحياتية الاساسية من كهرباء ومياه الشرب وخدمات الصحة». ورأى صبحي عبد الحميد وهو زير سابق في عهد الرئيس عبد السلام عارف «ان كثيرا من القوى السياسية الفاعلة ومن قوى الداخل ليست ممثلة في المجلس، وهذا يعكس عدم رغبة قوات الائتلاف في ان يمثل المجلس تطلعات الشعب العراقي في التخلص العاجل من الاحتلال».
ويعتقد رئيس مركز الدراسات الدولية في جامعة بغداد محمد جواد علي «ان اختيار اعضاء المجلس روعيت فيها التكوينات المذهبية والعرقية للشعب العراقي، الا ان ذلك ليس كافيا، وان الاعتماد في الاختيار على القوى السياسية التي كانت في المنفى قد يشعل الصراع الذي مازال مكتوما بين الجيل الذي استمر في العراق خلال سنوات المحنة السابقة التي استمرت ثلاثة عقود وبين قوى بعض افرادها ترك العراق منذ ثلاثة عقود او اكثر، وبعض الشخصيات الموجودة في المجلس لا تعرف العراق على حقيقته بكل سكانه عن معايشة وملامسة وبالتالي لا تعرف حاجات الناس وتطلعاتهم».
وعلى رغم ان قوى التحالف حاولت اعطاء الانطباع بأن العراقيين هم الذين يختارون انفسهم - مع ان قوى التحالف نفسها قامت بالاستعلام والتدقيق في كل اسم مرشح للدخول الى المجلس. - فإنها وافقت اخيرا على السيناريو القائل بأن مجلس الحكم العراقي «سيدعو» مسئولي التحالف «إلى ابلاغهم» بتشكيلته.
الا ان علي الحديثي من حزب طريق النور الذي اعلن عن تشكيله أخيرا يعتبر «ان معظم الاسماء المعينة في المجلس تمثل القوى السياسية التي جاءت على ظهر الدبابات الأميركية، وبالتالي فالمجلس يمثل سلطة الاحتلال، لا الشعب العراقي، ولا ينتظر ان يحقق شيئا للعراقيين».
هذا وأعلن ممثلو 16 حزبا رفضهم للمجلس وطالبوا بتشكيل حكومة وطنية انتقالية. واعتبر هؤلاء القادة أن هناك قوى سياسية مهمة مغيبة عن المجلس، لكنهم أكدوا أن اعتراضهم ليس على أعضاء المجلس وإنما على طريقة اختيارهم.
ويقول احد اعضاء مجلس الحكم الانتقالي رئيس حزب الوفاق الوطني العراقي إياد علاوي: «ان السياسة فن الممكن في التعامل مع الواقع، والممكن حاليا يتوافر على صيغة لمجلس الحكم المؤقت كخطوة نحو اجراء الانتخابات، وما كان علينا سوى التعاطي معها لغاية تحسن الظروف». ويضيف علاوي ان الصلاحيات الممنوحة للمجلس كافية وأنّ استثناء العمليات الأمنية من الصلاحيات الممنوحة له، يعتبر أمرا مفهوما.
ومن الواضح ان الصلاحيات الممنوحة للمجلس لا تشمل القضايا التي تجسد مفهوم سيادة الدولة كالأمن والسياسة الخارجية.
ويمثل تعيين مجلس الحكم الانتقالي بالنسبة الى الكثير من العراقيين انتكاسة، ويشبه البعض تعيين مجلس الحكم الانتقالي مقارنة بالوعود الأميركية لاحلال الديمقراطية في العراق بفيلم أميركي ترجم ترجمة سيئة إلى اللغة العربية. وقالت ماجدة الكرادي - مهندسة: «العراق يحتاج إلى انتخابات حرة وليس إلى التعيين». واعتبر علي حسين غالب (صاحب مكتب استنساخ): «ان المجلس طوائفي، ويمثل رغبة أميركية لزرع الفتنة والتشطير بين ابناء الشعب العراقي». وقال كاظم الركابي (مدرس متقاعد): «ما يهم العراقيين في اللحظة الحرجة ان تكون هناك حكومة نشطة تلبي احتياجات الناس وتطلعاتها بعد سنوات الحرمان».
فيما يقول سعد المؤمن (خبير كمبيوتر): «ان الأميركيين - في تعيين مجلس الحكم الانتقالي - لم يخرجوا عن محنة وبؤس الديمقراطية في العالم الثالث، اذ الحكام فيه وان اقاموا المؤسسات الديمقراطية والهياكل الضرورية للتحولات الديمقراطية الا انهم يبقون فوقها، حتى لا تمثل الديمقراطية عبئا عليهم».
ويضيف المؤمن «ان الديمقراطية في عالمنا الثالث تبدو عصية على الانتعاش والاستمرار، وكأنها دب قطبي اريد له العيش في أدغال استوائية، فالديمقراطية بالنسبة إلى حكام العالم الثالث تمنح للجماهير في حال اختيار موقع نافورة القرية، اما في القضايا التي تحدد مصائر الشعوب ورفاهها فهذه مسألة غير معنية بها الجموع وانما تقرر من قبل السلطة والحاكم».
ويرى المؤمن «ان أميركا - في تعيين مجلس الحكم الانتقالي وفي الصلاحيات الممنوحة له، وفي تحديد علاقته بسلطة التحالف - لم تخرج عن ديمقراطية نافورة القرية في عالمنا الثالث»
العدد 313 - الثلثاء 15 يوليو 2003م الموافق 15 جمادى الأولى 1424هـ
