العدد 3211 - الأربعاء 22 يونيو 2011م الموافق 20 رجب 1432هـ

رأب الصدع واجب الوجوب

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

يشهد المجتمع البحريني في هذه الأيام ظاهرة شاذة وغريبة وضارة أخذت تبث سمومها بين ضعاف النفوس، وهي ظاهرة لا تليق بشعب البحرين المتعلم والمثقف والمتحضر والذي عرف عنه بتمسكه بالقيم الحميدة والأخلاق العالية، وقد عرفته شعوب الأرض برقيه وتمدنه وتقدمه ما جعل تلك الشعوب تحترمه وتكن له الود.

أما الظاهرة الغريبة والشاذة فتتمثل في ما يحدث الآن من فرقة وتنافر بين أبناء الشعب الواحد، ورواج سوق الطائفية البغيضة بين ضعاف النفوس، وصب الزيت على النار من بعض المغرضين والمتصيّدين في الماء العكر لتزداد الطائفية اشتعالاً وليحترق بنيرانها أفراد الشعب البحريني الطيب.

ومن الغريب جداً أن نرى نيران النفس الطائفي أخذت ألسنتها تمس شبابنا وشاباتنا حتى وصلت السنة تلك النيران إلى بعض شبابنا وشاباتنا في مقر أعمالهم ودوائرهم العامة منها والخاصة، وتحولت المودة والصداقة فيما بينهم إلى بغض وتنافر... وتلك ظاهرة لا يجوز السكوت عنها وعدم معالجتها في الحال. فالسكوت عنها وعدم معالجتها يعني تفتيت نسيج المجتمع البحريني وخلق النعرات الطائفية والكراهية بدل المحبة والوئام والانسجام والوحدة.

إن علينا جميعاً أن نؤمن بحقيقة واحدة - شاء من شاء وآبى من آبى - وهذه الحقيقة التي أعتقد جازماً أن الجميع يؤمن بها وهي إن المجتمع البحريني المسلم يتكون من طائفتين كريمتين... لا يمكن لطائفة إن تقصى الطائفة الأخرى... ولا يمكن أن تعيش البحرين ويكون لها وجود بطائفة واحدة لأن ذلك ضرب من المستحيل ونوع من الجنون.

فالطائفتان تبرزان وجود البحرين وكيانها، كما تبرزان وجه البحرين الناصع الذي عبر عنه في الأسبوع الماضي فنان البحرين القدير عبدالله المحرقي في كاريكاتيره الذي نشر في «أخبار الخليج» والمتمثل في صورة امرأة فائقة الجمال هي البحرين ولها عينان رائعتان جميلتان يشع منهما نور الوحدة والتلاحم، كتب على إحداها (الشيعة) وكتب على الثانية (السنة) وهذا لعمري أوضح تعبير عن الوحدة وإلغاء نظرية إقصاء الآخر.

لقد مرت البحرين عبر تاريخها الحديث ببعض الأحداث السياسية، إلا أنها لم تصل إلى ما وصلت إليه البلاد في هذه الأيام من الشعور بالفرقة وانتشار النفَس الطائفي البغيض الذي سيكون مصيره دون أدنى شك - التلاشي والاندثار بفضل وعي الشعب البحريني. فبالرجوع إلى فترة الخمسينيات من القرن العشرين وأثناء بروز «هيئة الاتحاد الوطني» في العام 1954م حاولت السلطة الاستعمارية بكل ثقلها تفريق الصف البحريني وخلق النعرات الطائفية للقضاء على وحدة الصف، وخاصة أن سلطة المستعمر وجدت أن هيئة الاتحاد الوطني تتكون من أبناء الطائفتين الكريمتين، فعمل المستعمر على تخريب تلك الوحدة، إلا أنه باء بالفشل الذريع وذلك نظراً لما كان يتمتع به شعب البحرين من وعي مستنير ومن روح الوحدة الوطنية. وقد ساهمت الصحافة البحرينية الصادرة في الخمسينيات من القرن الماضي في تعزيز الوحدة الوطنية والمحافظة على النسيج الوطني، وحاربت الطائفية محاربة شرسة من خلال الأقلام الوطنية الشريفة ويأتي في مقدمتها رؤساء التحرير وكتاب الأعمدة آنذاك، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر محمود المردي، وحسن الجشي، وإبراهيم حسن كمال. وكان قد سبقهم إلى ذلك عبدالله الزائد رائد الصحافة البحرينية.

وعندما بزغ فجر الأدباء والشعراء الكبار في الخمسينيات أيضاً، كان حب الوطن يعتمر في قلوبهم ووجدانهم، فنظموا القصائد التي يشم منها رائحة الوحدة العطرة، وفي مقدمة هؤلاء: إبراهيم العريض، وعبدالرحمن المعاودة، ورضي الموسوي. وتعكس دواوينهم التي هي اليوم منتشرة على رفوف المكتبات حبهم لوحدة وطنهم، وبغضهم للمتربصين والانتهاز بين الذين يثيرون الفتن دون مسوغ.

وفي بداية عقد الستينيات من القرن العشرين برزت الحداثة بأجلى صورها في الأدب البحريني، وأخذ الشعراء الشباب آنذاك في نظم القصائد التي تدعو إلى الوحدة والمحافظة على تماسك المجتمع والدفاع عن جميع أفراده وبخاصة الفقراء والمحتاجين ومن يقع عليهم الحيف، ومن بين أولئك الشعراء علوي الهاشمي وعلي الشرقاوي وإبراهيم بوهندي وغيرهم.

وقد عبرت صحافتنا المحلية الصادرة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي عن روح الوحدة الوطنية المقدسة ومحاربة الطائفية وضربها عندما تحاول أن تطل برأسها من شقوق جدران الوطن. ولنا في مقالات محمد قاسم الشيراوي في صحيفة «الأضواء» ومقالات عبدالله المدني في مجلة «المواقف» أوضح البراهين وأجلى الأمثلة على المطالبة ببناء وحدة المجتمع وتطهير النفوس من درن الطائفية.

كان دور أولئك الصحافيين وكبار الشعراء والأدباء كبيراً جداً وفاعلاً بشكل مؤثر في تطييب النفوس وتطهيرها من رجس الطائفية البغيضة، فانصهر الجميع في بوتقة واحدة، وسادت روح المحبة والأخوة والوحدة بين جميع أفراد المجتمع البحريني بفضل وعي كتابنا من الصحافيين والأدباء والشعراء. فالإعلام له دوره الفاعل والمؤثر في حياة الناس... بل إنه يؤثر في أوضاع البلدان والمجتمعات إما سلباً أو إيجاباً حسب ما تكتبه الأقلام.

إنني عندما أقرأ صحف اليوم وأقارنها بصحف الخمسينيات وبقية العقود الأخرى من القرن الماضي أجد البون شاسعاً والفرق كبيراً في تعاطي كتاب الصحافة في تلك السنوات وكتابها في هذه الأيام تجاه القضايا المصيرية المتعلقة بوحدة الوطن وتماسك أبناء المجتمع. لقد كانت صحافة الماضي مدرسة للجميع وكانت تنادي بالوحدة ولمّ الشمل والترابط الأخوي بين جميع أفراد المجتمع، وتعمل على القضاء على المشاكل التي تفرق أبناء المجتمع الواحد وتقضي عليها في مهدها كي لا تتفاقم.

أما صحافة اليوم فعلى ما تتمتع به من تقنية عالية في الإخراج، إلا أن الأقلام التي تعالج المشاكل المصيرية المتعلقة بالمحافظة على نسيج المجتمع ومحاربة الطائفية وتنادي بالوحدة فهي قليلة مع الحاجة الماسة إليها في هذه الفترة بالذات، وخاصة أن المرء يلحظ في هذه الأيام بعض شبابنا وشاباتنا على الأخص في أروقة العمل بالمؤسسات العامة وقفوا حائرين أمام الاحتقان الطائفي وأمام تفشي روح التنافر والتباعد بينهم وهذا ما يدمي القلب ويعمق الجراح... إنها ظاهرة غريبة على مجتمعنا المتسامح وعلى عاداتنا وتقاليدنا، وعلى قيم الدين الإسلامي الحنيف. فقد أمرنا الخالق جل جلالة بالاعتصام بالوحدة، وكذلك صدحت أحاديث الرسول (ص) تطالب المجتمع العربي الإسلامي بالوحدة ورص الصفوف... فلماذا نسلك طريقاً آخر؟

إن طريق الإسراع في رأب الصدع والقضاء على روح البغضاء والتنافر يعتمد على وعي الوالدين بخطورة وباء الطائفية وحث الأبناء على عدم تدنيس أنفسهم الطاهرة بهذا الداء الخطير. كما إن واجب رؤساء التحرير وكتاب الأعمدة في صحافتنا المحلية وكذلك كتاب المقالات الصحافية الاهتمام بمحاربة داء الطائفية كما فعل أسلافنا في صحافتنا في العقود السابقة. فلا عيب ولا ضير أن نأخذ العبر من كتابنا وصحافيينا السابقين والاقتداء بهم.

وتبقى لنا كلمة مع رجال الدين من الطائفتين الكريمتين الذين نكنّ لهم جميعاً الاحترام والتقدير أن يستفيدوا من منابر الجمعة والمناسبات الدينية للحث على محاربة الطائفية ووأدها في مهدها قبل أن تحرق الوطن بنيرانها، وخاصة نحن على أعتاب مرحلة بدء الحوار الوطني... فرأب الصدع هو واجب الوجوب في هذه المرحلة بالذات

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 3211 - الأربعاء 22 يونيو 2011م الموافق 20 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً