العدد 3219 - الخميس 30 يونيو 2011م الموافق 28 رجب 1432هـ

الحوار والتعاون من أجل الوئام العالمي والتنمية المشتركة

«المؤتمر الدولي للمنتدى الثقافي في الصين»

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

عقد المؤتمر الدولي للمنتدى الثقافي في مدينة سوجو بالقرب من شنغهاي في الصين في الفترة من 18 إلى 20 مايو/ أيار 2011، وشارك فيه أكثر من 200 باحث وخبير في الشئون الصينية الثقافية والاقتصادية من مختلف دول العالم، وخصوصاً من الولايات المتحدة وأوروبا والاتحاد الروسي وأميركا اللاتينية وآسيا (اليابان واستراليا والهند وإيران وباكستان وأندونيسيا وغيرها). وكنت من بين المدعوين، كخبير مصري في الدراسات والثقافة الصينية ومتخصص في قضايا حوار الحضارات.

عقد المؤتمر تحت محور رئيسي هو: «الحوار والتَّعاون من أجل الوئام العالمي والتنمية المشتركة»، وانقسمت أعماله إلى ثلاث جلسات عامة، واحدة في كل يوم، وست جلسات متخصصة على فترتين (3 جلسات على التوازي في كل يوم) لبحث محاور فرعية هي:

1 - الدلائل التاريخية للقيم العملية في الحضارات المختلفة.

2 - العملية التنموية ومساهمة مختلف الحضارات.

3 - الثقافات التقليدية في عملية التحديث.

4 - جوهر الحضارة الصينية (الوحدة والانصهار) للأعراق المختلفة.

5 - التجربة التاريخية للاتصال بين حضارات الشرق والغرب.

6 - النموذج الصيني في التنمية والصعود السلمي (الاستمرارية والإبداع).

7 - بناء عالم متناغم للعيش معاً - دور الحكومات والمنظمات غير الحكومية.

8 - دور الحضارة الصينية في الحضارة العالمية.

9 - الأبعاد الثقافية للأزمة المالية العالمية.

وفي الجلسة الافتتاحية (30‏ يونيو/ حزيران2011) كان هناك سياسيون رفيعو‏ المستوى، حيث كان ضيف الشرف رئيس وزراء باكستان رضا جيلاني الذي كان أول المتحدثين، وعرض للعلاقات الطيبة بين الصين وباكستان ودورهما في العالم، وأبرز أهمية الحوار بين الحضارات. كما ضمت قائمة المتحدثين في الجلسة الافتتاحية المدير التنفيذي للمنتدى الذي ترأس الجلسة الافتتاحية، وتحدث فيها مستشار مجلس الدولة الصيني (بدرجة نائب رئيس الوزراء) ورئيسة اندونيسيا السابقة ماغواتي سوكارنوبوتي، ومستشار الملك محمد السادس السيد أزولاي، وعدد من كبار قادة الحزب الشيوعي في إقليم جيانغسو Jiangsu وعمدة مدينة سوجو مقر المؤتمر.

تضمنت الكلمات التي عبر عنها المسئولون الصينيون في الجلسات العامة الأفكار الآتية:

- زيادة العوامل الدافعة للسلام العالمي على رغم أن التهديدات وخصوصاً غير التقليدية مازالت قائمة، وعلى رغم بروز عدد من الصراعات الإثنية في بعض الأقاليم.

- أهمية تكثيف الجهود العالمية والوطنية والإقليمية، من أجل نشر ثقافة الحوار والتناغم والتنمية والسلام مع إبراز دور الحضارة الصينية التقليدية في هذا الصدد ودور الثقافة والفكر الصيني المعاصر.

- أهمية الاحترام المتبادل للأفراد بعضهم بعضاً، والحضارات والتعلم من الآخر، والفكر الابتكاري والإبداعي وتشجيع الأفراد والشعوب على ذلك، فـ «النهر الصافي يكون بكثرة المياه التي تجري فيه» كما يقول المثل الصيني.

- أهمية دور الشباب لأنهم أمل المستقبل وضرورة تثقيفهم على التسامح والاعتدال والحوار لمنع النزاعات.

وأشارت ماغاواتي إلى تاريخ اندونيسيا ودور الزعيم سوكارنو في بناء السلام وخصوصاً خطاباته في الأمم المتحدة ومؤتمر باندونغ الأول ومبادئ البانشاشيلا الاندونيسية، وإنها دعت إلى السلام بعكس مبادئ الفيلسوف البريطاني برتراند راسل الذي قسّم العالم إلى كتل متصارعة. أما مبادئ البانشاشيلا الخمسة في الطبعة الأندونيسية؛ فهي: التشاور، التنوع، التعايش، العدالة الاجتماعية، السلام العالمي.

أما مستشار الملك محمد السادس أزولاي فقد ركز على التسامح والاعتدال في المغرب، مستدلاًّ على ذلك بأنه يهودي يمثل دولة عربية مسلمة يرأسها أمير المؤمنين، وهذا دليل على أن الدين يمكن أن يكون أداة للتعايش والوئام، وليس للصراع والخصام.

ولن نتعرض لمداخلات العلماء والخبراء بالتفاصيل، ولكن نشير إلى أبرز وأهم الأفكار والأطروحات.

- ضرورة تحويل العالم من حالة الصراع إلى التوافق والتعاون مع التركيز على الاستقرار وليس القلق والاضطرابات، ما يبعث الأمل في المستقبل ويساعد في التغلب على الصعوبات والعقبات.

- الإشارة إلى أن القرن الحادي والعشرين يشهد تعاظم قوة ونفوذ وتأثير الصين والهند، وبروز النموذج الآسيوي في التنمية والتعايش بين الأعراق بدلاً من الفكر والنموذج الغربي القائم على الصراع والتنافس الحاد، ما أدى إلى الدمار عبر حربين عالميتين خلال النصف الأول من القرن العشرين.

- إن العالم يشهد مشاكل عالمية ومن ثم فهو بحاجة إلى حلول عالمية وأيضاً إلى قيم عالمية، ومن ذلك قيم السعادة للفرد والأسرة والمجتمع، وهذا ما عبر عنه كونفوشيوس.

- إن موازنة الدفاع الصينية على رغم أنها زادت بنسبة 10 في المئة في العام 2010، فإنها تمثل 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للصين، بينما تمثل 12 في المئة فقط من حجم الإنفاق الدفاعي الأميركي.

- تحدّث كاتب هذه السطور، عن فلسفة الحوار والتوافق في الحضارة الإسلامية منذ نشأة الإسلام، وفلسفة الإمام علي بن أبي طالب في النظرة للأخوة البشرية بقوله: «الناس صنفان، إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الإنسانية»، ثم في فلسفة أهل المدينة الفاضلة للمفكر المسلم أبو نصر الفارابي (874م-950م). وأبرز أهمية وقواعد الحوار بين الحضارات والمجتمعات لحل المشاكل المستعصية على أساس من البحث عن القواسم المشتركة، وترك القضايا المختلف عليها. وهذا ما عبّر عنه فقهاء الإسلام بقولهم: «نتعاون فيما نتفق عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف حوله».

- الخبير الإيطالي أوغسطو جيوفاني تحدّث عن المبادئ الصينية حول العلاقات الخمس في فكر كونفوشيوس، وأهمية الرؤية الأخلاقية في العالم المعاصر وضرورة الاتفاق حول المفاهيم والمصطلحات حتى يمكن تسهيل الفهم المشترك بين الشعوب. في حين ركّز خبراء من الدول الاسكندنافية على دور التعليم في تطور المجتمعات وبلورة مفاهيم الحوار وتحقيق التفاهم. وركّز على ذلك عدد من الخبراء من فنلندا بوجه خاص، مشيرين إلى النظام التعليمي الفنلندي ودور المدارس العامة ومسئولية المدرسين في هذا الصدد.

- الجلسة العامة الأخيرة ضمت نخبة من علماء الاقتصاد، لكنهم ركزوا على دور الثقافة في بناء النموذج التنموي في الصين وفي الاتحاد الأوروبي. وأشار البروفسور روبرت موندل Mundell إلى ضرورة إطلاق العملة الخليجية الموحدة، وإنها ستكون إحدى العملات الخمس الرئيسة في العالم في القرن الحادي والعشرين، بالإضافة إلى اليورو والدولار والين واليوان. والبروفيسور موندل يعرف لدى الاقتصاديين الأوروبيين بأنه أبو فكرة عملة اليورو، وهو أستاذ علم الاقتصاد بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، وحائز جائزة نوبل في الاقتصاد.

- وتحدّث أستاذ الاقتصاد في جامعة بكين البروفسور Li Yining، فعرض باستفاضة للنموذج التنموي الصيني مع التركيز على البُعد الثقافي في هذا النموذج، مبرزاً أهمية الربط بين المعتقدات والمهارات الفنية والمهارات التنظيمية لتحقيق الانطلاق التنموي، واستشهد بفكر عالم الاجتماع السياسي الألماني ماكس فيبر، وبتجارب التنمية الأميركية والصينية واليابانية والهندية.

- وفي الجلسة الختامية أبرز المتحدثون عناصر النموذج التنموي الصيني، وهو الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، انتهاج سياسة العولمة، تحقيق الاستقرار النقدي، وأخيراً البُعد الأخلاقي في التنمية والقائم على (ضبط النفس، التشجيع الذاتي، التنمية الثقافية، فرض القانون).

ونسوق مجموعة من الملاحظات الختامية:

الأولى: إن الصين تهتم بعقد المؤتمرات الدولية في قضايا ثقافية واقتصادية واجتماعية ودولية، وأيضاً في قضايا العلوم والتكنولوجيا، وذلك كله بهدف الانفتاح على العالم والاستفادة منه، وأيضاً تعريفه بتطور الصين وحضارتها وثقافتها.

الثانية: إن صناعة المؤتمرات الدولية، بل والمحلية هي من الصناعات الرائجة في الصين، وهي أداة من أدوات تنشيط الدورة الاقتصادية، فضلاً عن تعليم المجتمع الصيني الانفتاح على الخارج والتعلم من خبراته عبر الاحتكاك المباشر.

الثالثة: إتقان الصين فلسفة التعاون المجتمعي في عقد المؤتمرات وخصوصاً الدولية، إذ تقدم مختلف الوزارات والمؤسسات والشركات مساهمة في تلك المؤتمرات. بعبارة أخرى إن مفهوم العمل التطوعي الصيني أكثر تأصلاً من كثير من الدول، حيث على سبيل المثال، كان المستقبلون من وزارات وهيئات مختلفة، وكان من استقبلني في المطار اثنان من قضاة إحدى المحاكم، والسيارة التي أخذتنا من شنغهاي إلى مدينة سوجو من سيارات المحكمة التي يعملان بها. أما المرافق الدائم طوال جلسات المؤتمرات فكانت إحدى الطالبات الجامعيات، وهكذا مع مختلف الضيوف. وتم ترتيب رحلة سياحية للتعرف على معالم الإقليم بواسطة بلدية مدينة سوجو وسياراتها، والشرطة تتولى حماية الضيوف، وهذا كله يخفف العبء على منظمي المؤتمر.

الرابعة: إن تنظيم المؤتمر كان دقيقاً وتوقيتاته في العمل والجلسات منضبطة بدقة، والوثائق متاحة، وكذلك أجهزة العرض موجودة أمام المتحدثين، وكل هذا الإعداد الدقيق تمت تهيئته قبل انعقاد المؤتمر من خلال اتصالات اللجنة المنظمة ومعظمها من المتطوعين من طلاب الجامعات.

هذه أفكار عن الصين ونموذجها في العمل، وفي المؤتمرات، وفي الاقتصاد والفكر، وفي التعامل الدولي، ولعل ذلك أحد أسباب نجاحها وتقدمها على المستويين الوطني والعالمي

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3219 - الخميس 30 يونيو 2011م الموافق 28 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً