العدد 3273 - الثلثاء 23 أغسطس 2011م الموافق 23 رمضان 1432هـ

هـل تُصدق أنَّ ما حدثَ كان ذلك في البحرين؟

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

قد نسمع أنَّ هناك تجاوزاً للقوانين في بلدٍ ما فنُصدِّق، لأننا نُدرك أن الرقابة من النادر ما تكون فاعلة، إما لأن المراقبين غير متيقظين أو غير مبالين أو لأنهم جهلاء بأحكام القانون فينطبق عليهم المثل القائل «فاقدُ الشيء لا يُعطيه»، وإما لأن السياسة في هذا البلد أو ذاك تقتضي ذلك التجاوز لسبب أو لآخر.

وقد نعلم أنَّ هناك تعسفاً يُمارس ضد العمال (باسم القانون أو بخلاف القانون) في مكان ما من العالم، فنُصدِّق أيضاً، لأننا نعلم أن النُظم الرأسمالية باتت هي المهيمنة والسائدة في العالم، وأن أصحاب رؤوس الأموال أمسوا هم المـُشرِّعين وأصحاب القرار.

ولكن عندما نعلم أنَّ هناك ابتزازاً مقروناً بظلم واستغلال وغبن يصل إلى النُّخاع يقع على العاملين الضعفاء المجاهدين من أجل لقمة العيش الذين هم أكرم وأفضل عند الله من سائر مخلوقاته، فإننا حتماً لم ولن نُصدِّق ذلك، وخصوصاً عندما يُقال لنا إن هذا الابتزاز المقرون بالاستغلال يُمارس في دولة فتية لها دستور، وتحكمها قوانين، وتفتخر بانتمائها للدول المـُتحضرة، وبارتباطها بمنظمة العمل الدولية وبمنظمات وهيئات حقوق الإنسان العالمية. نعم حقاً لم ولن نُصدِّق ذلك.

بيدَ أن الأنباء صدعت هنا في بلدنا (مملكة البحرين) بأن بعض الشركات بعد أن قامت بفصل مجموعة من عمالها (من فئة معينة) إبان الأحداث الأخيرة التي مر بها هذا البلد الحبيب، قرّرت مؤخراً إعادة بعضهم إلى أعمالهم من جديد، ولكن بعقود عمل جديدة حملت شروطاً ليتها فقط تنضوي تحت ما يُعرف بالشروط التعسفية المخالفة للقانون، إنما هي فوق ذلك يمكن وصفها «بالموبقات» التي يرفضها العقل والمنطق، وتأباها مبادئ الأخلاق والقيم الإنسانية، وتتعارض مع القواعد المنظمة لحقوق الإنسان، فضلاً عن مخالفتها لأحكام قانون العمل والاتفاقات الدولية.

ومن هذه الشروط نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:

(1) يقر الطرف الثاني (العامل) عند توقيعه على هذا العقد بتسلمه جميع مستحقاته العمالية لدى الشركة، كما يقر بأن ليست له أية مطالبات مالية مستقبلية على الطرف الأول (الشركة).

(2) يتنازل الطرف الثاني (العامل) عن الشكوى العمالية أو الدعوى المرفوعة منه ضد الطرف الأول (الشركة) ويقر باعتبار هذه الدعوى كأن لم تكن.

(3) يتعهد الطرف الثاني (العامل) بعدم ممارسة أي نشاط سياسي سواء بالقول أو بالفعل، وفي حالة مخالفة ذلك يحق للشركة اتخاذ الإجراء التأديبي ضده بإنهاء خدمته من الشركة.

(4) وجوب اجتياز الطرف الثاني الفحص الطبي والتحقيق الجنائي من جديد، فإن جاءت نتائجهما غير مطابقة لسياسة الطرف الأول حق لهذا الطرف إنهاء العقد فوراً.

فمن هذه الشروط نلحظ أن هذه الشركة قد جرَّدت أولئك العمال من أية حقوق ترتبت لهم عن مدة خدمتهم السابقة لديها بجرة قلم، بل ألزمتهم بالتنازل عن الشكاوى العمالية أو الدعاوى المرفوعة منهم ضدها لنيل هذه الحقوق.

كما نلحظ من الشروط السابقة أن هذه الشركة تدخَّلت في صميم الشئون الشخصية والخاصة للعمال حين فرضت عليهم عدم ممارسة أي نشاط سياسي، على رغم أن هذا الحق مكفولٌ لكل مواطن بحكم الدستور، له أن يمارسه خارج دائرة العمل.

فإن صَحَّ هذا النبأ، لا ندري طبقاً لأية شريعة ينضوي مثل هذا التعاقد بشروطه الجديدة تلك! إذْ إننا نعلم أن جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية الحديثة، أيّاً تكن مشاربها ومذاهبها، تأبى هذا التعاقد بتلك الشروط، إلاّ إذا كان هذا التعاقد مُستقى من التشريعات الإمبراطورية القديمة، أو أنه مُستوحى من شريعة الغاب.

وقد سمعنا أن هناك من انبرى مفتياً بأن هذا التعاقد الجديد لا تثريب عليه إعمالاً بقاعدة «إن العقد شريعة المتعاقدين». بيدَ أن هذا المفتي نخاله لم يُدرك الآتي:

أولاً: إن الحقوق العمالية من حيث المبدأ غير قابلة للتنازل عنها.

ثانياً: إن تنازل أولئك العمال عن حقوقهم المترتبة عن مدة خدمتهم السابقة لم يكن ذلك من باب الصلح أو التصالح، إنما هو نوع من أنواع الإبراء الصادر عن كره معنوي تحت تأثير الحاجة والضعف، وهذا الإكراه مبطلٌ للرضا، ما يؤدي إلى اعتبار التعاقد الجديد أو التنازل قابلاً للإبطال.

ثالثاً: من المؤكد أن الشركة حين أكرهت العمال على توقيع عقود عمل جديدة بتلك الشروط المجحفة كانت تعلم أن أولئك العمال ما قبلوا بإبرام العقود الجديدة بشروطها إلاّ لحاجتهم الملحة إلى العمل فاستغلت هذه الحاجة، فأصبحت هذه الشركة في موقع «المـُستغِل» والعمال في موقع «الضحية» أو «المغبون»، وهذا الاستغلال والغبن يشكلان سبباً من أسباب إبطال التصرفات القانونية ومنها العقود. ذلك ما نصت عليه المادة رقم (96) من القانون المدني التي نستخلص منها أنه «إذا استغل شخص في آخر هوى جامحاً أو ضُعفاً ظاهراً، أو حاجة مُلجئة، أو إذا استغل سطوته الأدبية عليه وجعله يبرم لصالحه عقداً ينطوي على التزامات لا تتناسب ألبتة مع ما حصل عليه من فائدة بموجب العقد جاز للقاضي بناء على طلب ضحية الاستغلال أن يُنقص من التزاماته أو أن يُبطل العقد».

وأيّاً يكن من أمر ذلك يبقى أمامنا السؤال الآتي: ما هي الأسباب التي أدت إلى فصل أولئك العمال، وما هي الأسباب التي طرأت فيما بعد فأدَّت إلى إعادتهم إلى أعمالهم من جديد؟.

فمن المقرر ألا يُفصل العامل فصلاً تأديبيّاً مفاجئاً إلاّ لخطأ جسيم ارتكبه، فإنْ ارتكب هذا الخطأ استحق هذا العقاب، فيكون إذاً من السُّخف أن يُعاد إلى عمله بعد ذلك، لأن مبررات العقاب يفترض أن تكون قائمة ما لم تسقط بمرور الزمن.

أما إذا كان فصل العمال ليس إلاّ لغرض إعادتهم بعقود جديدة وبشروط مجحفة تُنقص أو تُسقط حقوقهم المكتسبة؛ فإن ذلك يُعد من الموبقات، ويكون أحسن وصفٍ يُليق بهذا الفصل وصفه بأنه «ظلم وبغي». وإن خير قول نقوله فيه هو ما قاله الإمام علي ابن أبي طالب (ع) «ما أعظم وزر من ظلم واعتدى وتجبَّر وطغى». ولكن في الوقت الذي يسأل فيه البعض عن أسباب هذا الظلم والبغي، نسأل نحن سؤالاً آخر يُغني عن التعبير هو: هل نُصدِّق أن هذا الظلم قد حدث فعلاً في مملكة البحرين التي تحتفل بعيد العمال في كل عام؟.

فإن حدث ذلك، فأين هي الرقابة من قِبلِ الجهة الرسمية المعنية بالأمر؟ ولِمَ أغمضت هذه الجهة عينها وصمَّت آذانها عما جرى ويجري بإخواننا وأبنائنا العمال إلاّ بتصريحات خجولة لا تُسمن ولا تُغني عن جوع؟.

لهذا نلتمس عذراً من «أبي ياسر» حيث لم نعرفه حق المعرفة إلاّ في ساعة الظلمة، فاستبانت لنا حقيقته لنرى كم كان حامياً يصون حقوق وكرامات العمال فضلاً عن جهده الدؤوب لتوفير فرص العمل إليهم، ولنرى أيضاً كيف امتزجت في أناته قوة الشخصية والعِناد والمثابرة والإصرار والعزيمة.

ولعل أحداً لن يلومنا إنْ نحن اليوم ننعاه وننعى خلو شخصه الكريم من الساحة

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3273 - الثلثاء 23 أغسطس 2011م الموافق 23 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 5:34 م

      سلمت يداك

      نعم والف نعم سلمت يداك وحفظك من كل مكروه

    • زائر 19 | 10:42 ص

      الظالم والمظلوم

      قال رسول الله (ص) : من أعان ظالما ولو بكلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله .. والله المستعان على ما تصفون..

    • زائر 18 | 8:51 ص

      رد على القفز

      يا أخ القفز
      اللي يده بالماي غير اللي يده بالنار
      وكلامك مردود عليه
      أكو ناس ماعندها مصدر رزق
      قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق
      ومذكور بالقرآن الكريم

    • زائر 17 | 8:33 ص

      تحية للكاتب..

      تحية للكاتب المحترم على توضيح العقاب الجماعي الذي لم يستنذ الى شرعية قانونية بالبت وكان معياره الوحيد الهوية السياسية او الطائفية أو كلاهما مع فقط!!!!الحمد لله الذي يرزق ولا يرزق ويطمع ولا يطعم وهو على كل شيء قدير..

    • زائر 16 | 8:09 ص

      بصراحه مقال فى الصميم (( الحقيقه المرة ))

      اشكرك من كل قلبى رغم انى مالى فى السالفه شى ولكن كلامك منطق وصحيح وفى الصميم لانك تتكلم عن لسان حوالى 4000عائله جائعه ومغاوب عليها واشخاص مسحو بكرامتهم الارض من كثر الجوع ..... ولكن لتعرف هذا الشركات ان الله لا ينسى عبده او من يهينه

    • زائر 15 | 7:18 ص

      القفز

      دائماً تتكلون عن النتائج ولا تتكلمون عن الاسباب

    • زائر 12 | 7:03 ص

      فصل الخطاب

      ليت الأمر يقف عند عذا الحد ولكن أتحفتنا وزارة العمل أن صرف بدل التعطل قد تأخر لأن التأمينات "الجة التنفيديه" تستفتي قانونيها عن ما إذا كنا نستحق بدل التعطل أم لا علما أن الجهه المخوله بذالك هي وزارة العمل!!!
      وصدقت أننا خسرنا أبا ياسر فلقد كان نصيرا للعمال ويعمل لصالهم

    • زائر 9 | 5:39 ص

      نعم صدقنا ذلك

      إن ما تناولته عزيزنا المحامي في مقالتك نعم صدقناه لأننا عايشناه ولأننا أصبحنا في بلد يسيره المتمصلحون والمؤزمون والطامعون في مناصب غيرهم من أصحاب الكفاءات العلمية والعملية ولكن نقول أينك أب الجميع وولي العهد صديق الشباب ... هل تقبلون بما يجري
      حسبنا الله ونعم الوكيل ..

    • زائر 8 | 5:06 ص

      نفس سؤال المعلق رقم 1

      هل أبو ياسر شهيد "ننعاه" يعني الله يرحمه!!!

    • زائر 6 | 3:13 ص

      ما أروع ما خطت يمنيك أيها الكاتب

      هي والله الأمور كما سميتها ووصفتها وخوفي من نقمة الجبار ان تحلّ بهذا البلد بسبب الحرب على قوت الفراء
      ولأنهم أصعف الحلقات أخذ الحيف منها أكثر من غيرها
      ولكن أقول إن الله بالمرصاد وقد يستهزيء شخص من كلمة إن ربك لبلمرصاد متهكما ولكن نحن على ثقة من إخذ الله فإن الله يمهل العبد كي يتوب ويرجع عن غيه
      وإذا تمادى العبد في ذلك وأمعن في ظلم أخيه الإنسان
      فلا بد من أخذ الله إن أخذه أليم شديد ونحن في انتظار ذلك

    • زائر 5 | 2:29 ص

      بورك فيك، أين هؤلاء العمال

      شكرا للكاتب والمحامي القدير الورقاء والله أنك أصبت الحقيقة بمنظارك الحقوقي أتمنى منك مواصلة فضح هذه القررات والقوانين المجحفة نورتنا الله ينورك

    • زائر 4 | 2:26 ص

      مقال روعه

      .. مقال رائع شكراً للكاتب

    • زائر 2 | 1:35 ص

      من هو أبو ياسر ؟

      برجاء توضيح من هو أبو ياسر المقصود في المقال.

اقرأ ايضاً