العدد 3303 - الخميس 22 سبتمبر 2011م الموافق 24 شوال 1432هـ

الدعم الحكومي للمحروقات... إلى أين؟

ناصر البردستاني comments [at] alwasatnews.com

كشفت دراسة حديثة أجرتها الشركة البريطانية «ستايفلي هيد ليميتد» المتخصصة في قطاع تأمين السيارات ونشرت في الصحافة المحلية الأسبوع الماضي، أن مملكة البحرين تأتي في المرتبة الخامسة عالمياً من حيث رخص سعر البنزين الذي يباع في الأسواق المحلية، وفي المرتبة الثالثة على مستوى العالم العربي بعد كل من المملكة العربية السعودية وليبيا، واللذين يعدان من أضخم منتجي ومصدري النفط في العالم، إذ يمتلكان نحو 21 في المئة و4 في المئة على التوالي من المخزون العالمي للذهب الأسود، ويأتي هذا ليؤكد الاهتمام والرعاية التي توليها الحكومة لضمان معدل مقبول من الرفاهية الاجتماعية وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين، بالإضافة إلى تحفيز النمو الاقتصادي في القطاع التجاري عبر توفير الوقود بسعر معقول على رغم محدودية الإنتاج والمخزون المتواضع للبحرين من النفط الخام مقارنة بالكثير من دول المنطقة.

من جهة أخرى مازالت الحكومة تبحث عن الآلية أو الخيار الأمثل لدعم المشتقات النفطية والمحروقات والذي يقدر بحسب التصريحات الرسمية بنحو 189 مليون دينار سنوياً (500 مليون دولار أميركي) ليصل إلى مستحقيه من المواطنين من ذوي الدخل المتوسط والمحدود ودراسة الآثار الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بتلك الآلية، سعياً منها للحفاظ على الثروة الطبيعية ووقف الهدر الحاصل حالياً في هذا المجال، ولاسيما بعد المعارضة القوية التي واجهت التحركات الحكومية الأولية في السابق من قبل السلطة التشريعية والنقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني ولعلها كانت من المواقف الفريدة التي تتوافق عليها مختلف القوى السياسية في مجلس النواب والتي رفضت التوجه الحكومي آنذاك تحت أي ذريعة كانت لرفع أسعار المحروقات (التسريبات كانت تشير إلى رفع سعر البنزين الممتاز بنسبة 20 في المئة من 100 إلى 120 فلسا للتر والبنزين الجيد بنسبة 25 في المئة من 80 إلى 100 فلس للتر) لما له من أثر عكسي على المستوى المعيشي للمواطنين وزيادة نسبة التضخم والتأثير السلبي على تنافسية البحرين في استقطاب الاستثمارات الأجنبية بالمنطقة.

لا يختلف اثنان على أن الآلية المتبعة حالياً بها بعض الخلل لعل من أبرزها السماح للشركات التجارية الكبرى وغير المواطنين من المقيمين والسياح الاستفادة من قيمة الدعم وإمكان تهريب البنزين إلى الدول المجاورة، حيث يباع اللتر الواحد بزيادة لا تقل عن 17 في المئة مقارنة بأسعارها في السوق المحلية، إلا أن قراراً بهذا الاتجاه له آثار كبيرة على شريحة واسعة من المواطنين يستدعي أن يبنى على دراسات علمية تضع في الاعتبار مختلف التداعيات المحتملة للخيارات المطروحة وأن يطبق تدريجياً وعلى مراحل لتفادي السلبيات المحتملة لأقصى درجة ممكنة على أن يتم التنسيق مسبقاً مع السلطة التشريعية لتفادي أي ردة فعل عكسية قد تطرأ في حينه.

وعلى رغم أن الظروف المحلية والإقليمية تضغط بقوة باتجاه التريث في رفع الأسعار ولاسيما مع موجة الاحتجاجات الشعبية في المنطقة، ولكن في المقابل ليس من المعقول أن يستمر مسلسل الدعم الحكومي الذي بدأ قبل نحو 28 عاماً أي منذ العام 1983م وكما هو مطبق حالياً إلى ما لا نهاية وخصوصا مع ارتفاع أسعار النفط في أسواق الطاقة العالمية بالفترة الأخيرة، والتي إن استمرت على تلك الوتيرة على المدى المتوسط والطويل فإن ذلك يعني الحاجة إلى ضخ المزيد من الأموال سنوياً ما يشكل نزيفاً في الموازنة العامة للدولة ويتعارض مع منهج الاقتصاد الحر الذي تتبناه الدولة حيث تخضع الأسعار لمنطق السوق، لذا فتعديل الآلية المتبعة حالياً بات يشكل مطلباً ضرورياً من أجل الاستفادة القصوى من قيمة الدعم والتقليل من الأعباء المعيشية الملقاة على كاهل المواطنين، ولعل من الحلول المطروحة والتي كثر الحديث عنها هو أن يقتصر الدعم على المواطنين فقط دون سواهم من الشركات والمقيمين الأجانب والسياح وذلك عبر تدشين بطاقات خاصة على شاكلة البطاقات الائتمانية التي تصدرها المصارف تسمح للشخص بعدد محدد من الليترات في الشهر الواحد بالسعر المدعوم على أن يشترى بسعر السوق في حال تعدي السقف المحدد.

قد يبدو جديراً بالدراسة وضع سيكيولوجية المستهلك في الاعتبار قبل تطبيق أي آلية جديدة، ولعل التفكير في إدماج المؤسسات الخيرية العاملة بالبحرين في هذا الملف وتوقيع اتفاقيات شراكة معها يبدو جديراً بالاهتمام لتشجيع المواطنين على استهلاك البنزين الجيد كبديل عن البنزين الممتاز عبر تسويق كوبونات الدفع المسبق للوقود الجيد مع تخصيص نسبة من المبيعات كدعم لتلك المؤسسات الخيرية تشجعها على بذل المزيد من العناء في هذا الطريق، وخاصة إذا كان العائد مجدياً، ولاسيما أن جميع الجهود التي بذلتها الجهات المعنية لزيادة نسبة المستهلكين للبنزين الجيد باءت بالفشل كما يبدو حتى الآن.

ولتقريب الصورة أكثر نتحدث قليلاً بلغة الأرقام، حيث تشير آخر الإحصاءات إلى أن إجمالي عدد السيارات المسجلة في البحرين تقدر بنحو 455 ألف مركبة وبواقع 27 ألف سيارة جديدة تقريباً في كل عام، ولو افترضنا أنه يمكن تعبئة السيارة الجديدة بالبنزين الجيد بعد مرور خمس سنوات من الاستخدام من دون أي تأثيرات سلبية على أدائها نظراً لجودة هذا النوع من الوقود المستخدم بالمملكة نستخلص أن المعدل المثالي لاستهلاك البنزين الجيد يجب ألا يقل عن 70 في المئة من المستهلكين، في حين أن الواقع يثبت أن ما يقارب من 60 في المئة من المستهلكين يستخدمون البنزين الممتاز، أي ان المعادلة تبدو معكوسة.

دخلت شركة نفط البحرين (بابكو) الموزع الوحيد للبنزين بالبحرين مع بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي في شراكات تجارية استراتيجية مع الجمعيات التعاونية كجزء من مسئوليتها الاجتماعية، حيث وصل عدد تلك الجمعيات التي تدير محطات توزيع البنزين بالشراكة مع الشركة إلى سبع محطات، وقد أثبتت التجربة طوال تلك السنين الجدوى الاقتصادية لتلك الشراكات على الطرفين، لذا فحري بالشركة أن تفتح فصلاً جديداً في هذا الطريق عبر توسيع دائرة المستفيدين من تلك الاتفاقيات من المؤسسات الخيرية، ولعل تدشين كوبونات خاصة بالبنزين الجيد وتسويقها عبر الجمعيات الخيرية تبدو آلية من آليات إعادة توزيع الثروة وذلك نظراً لشح الموارد المالية للكثير من تلك المؤسسات الخيرية ورغبتها في الحصول على مورد مالي مستمر لتمويل برامجها وأنشطتها الخيرية، مع زيادة التزاماتها تجاه المجتمع وخدمتها لشريحة واسعة من المواطنين.

أعتقد على المستوى الشخصي بأن الحكومة غير مضطرة لرفع أسعار المحروقات في الفترة الحالية ولاسيما أن الاستهلاك المحلي للوقود والبالغ نحو 26 ألف برميل يومياً لا يشكل تهديداً حقيقياً للموازنة العامة للدولة على المدى القصير والمتوسط، ولكن الحاجة ملحة وبكل تأكيد لوضع ضوابط جديدة لتنظيم عملية تحديد من يستحق لهم الاستفادة من المبالغ المخصصة لدعم المحروقات

إقرأ أيضا لـ "ناصر البردستاني"

العدد 3303 - الخميس 22 سبتمبر 2011م الموافق 24 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً