العدد 3317 - الخميس 06 أكتوبر 2011م الموافق 08 ذي القعدة 1432هـ

الربيع العربي هل هو حقاً ربيع وهل هو حقاً عربي؟ (1/2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

استبشر العالم خيراً بما أطلق عليه الربيع العربي بانتصار الثورة في تونس ثم في مصر ونجاحها في الإطاحة برئيس الجمهورية في كل من البلدين بعد أن ظل الرئيس التونسي في السلطة أكثر من عشرين عاماً، وظل الرئيس المصري في السلطة نحو ثلاثين عاماً، وكان كل منهما يفكر في الاستمرار أو تسليم السلطة إلى من يرثه وهو الأمر الذي أثار استياء الجماهير العريضة في كلتا الدولتين في ضوء ثلاثة اعتبارات:

الأول: إنه نظام جمهوري لا تنطبق عليه قواعد توريث السلطة.

الثاني: إنه نظام قام على أساس القمع وكبت الحريات بل مصادرتها في دولتين عرف شعباهما مذاق الحرية والنضال من أجل الاستقلال بعقلانية وطموحات واقعية.

الثالث: إنه نظام تعامل مع شعبه بقدر كبير من السخرية والاستهزاء، فقد ظهر قائده بمحض الصدفة من الجيش أو البوليس وعاثت أسرته في الفساد وأقاربه وأقارب زوجته كذلك وبطريقة جعلت من كلتا الدولتين مثار سخرية على مستوى المواطنين في كل دولة، وعلى مستوى المراقبين السياسيين من خارج الدولة، كما أن كليهما قام بتزوير الانتخابات بطريقة فجة، كما أن كليهما التفَّت حوله حاشية من الفاسدين والمنتفعين والانتهازيين الذين زينوا له الفساد، وجعلوه يغمض عينيه عن حقيقة ما يحدث في بلاده وفي مواجهة شعبه الذي لا يستحق ما حدث له، سواء من قمع أو تخلف أو بطالة، ولذلك أشعل بوعزيزي في تونس في نفسه النار من قسوة البطالة وقسوة تعامل البوليس معه، كما لقي خالد سعيد في مصر مصيره على أيدي أجهزة الأمن لمجرد أنه كان يتعامل مع الانترنت.

والواقع أن كلاًّ من الشعبين التونسي والمصري اللذين قامت فيهما ثورة ناجحة لم يكن يدور بخلد أحد من المراقبين أنه يمكن أن تحدث فيهما تلك الثورات ولا أن تنجح بسهولة ويسر، لأن كلا الشعبين يتميز بالسكينة والهدوء واعتدال المزاج ولم يعتد على الثورات والانقلابات الكثيرة، وليس به مزاج عنيف وعدواني أو انفعالي، كما هو الحال في دول أخرى، ولعل نجاح ثورة هذين الشعبين ترجع لمجموعة من العوامل أبرزها:

1 - عنصر المفاجأة التي كما يقال بالانجليزية Caught off Guard أخذت النظام على حين غرة، بل كثير من الدول الأجنبية لم تتوقع ذلك بما فيها الولايات المتحدة كما ظهر ذلك من تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية عن مصر بناء على معلومات سفارتها، وهذا يثير السؤال حول مصدر معلومات السفارات الأميركية، ومدى دقتها على رغم ما لدى الدولة العظمى في العالم من تكنولوجيا متقدمة ومراكز أبحاث وسفارات ضخمة بها المئات من الموظفين والعاملين من مختلف الأجهزة السياسية والأمنية.

2 - وصول النظامين لحالة من الهشاشة، حيث سيطرت أسرة الحاكم وأعوانه سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً وحجبوا المعلومات الصحيحة عنه.

3 - وقوف القوات المسلحة في كلا البلدين على الحياد أو إلى جانب الشعب، لأنه بلغ بها السيل الزبى من الاستياء، لأن النخبة الحاكمة التي عبثت في كل مؤسسات الدولة سعت إلى القيام بالعبث نفسه في القوات المسلحة باعتبارها آخر حصون رفض الفساد والانحراف وسيطرة رأس المال على السلطة، والتوريث في نظام جمهوري. ولعل المرء يتذكر صيحة القائد العسكري والزعيم المصري أحمد عرابي ضد الخديوي توفيق رافضاً مبدأ التوريث معلناً صيحته المشهورة «لن نورث بعد اليوم» ومبدأ التوريث في نظام جمهوري كان هو أكثر ما أثار استياءها، وخاصة أن للقوات المسلحة المصرية تاريخاً في النضال الوطني منذ ثورة عرابي في أواخر القرن التاسع عشر وثورة عبدالناصر في 1952 ولم يفكر عبدالناصر أو السادات على رغم انجازاتهما العظيمة وما لهما من كاريزما أن يورثا أيّاً من أبنائهما.

4 - بروز جيل من الشباب غير المسيس حزبياً أو دينياً أو طائفياً، وإنما لديه إحساس بالوطن، ولديه مفهوم للمواطنة، هو المرشد له، ولديه تقدير وفهم لدور بلاده الوطني ومكانتها الدولية.

5 - رفض رجال الدين المسلمين والمسيحيين الاستقواء بالخارج أو البحث عن شريك أجنبي يساند مواقفهم أو يساعدهم في التخفيف عن معاناتهم، على رغم وجود فئات قليلة كانت تعيش في الخارج. وتسعى إلى القيام بدور لاستعداء الأجنبي ضد بلادها والمتاجرة بمعاناة أبناء طائفتها، لكن الغالبية من المسيحيين المصريين بما في ذلك البابا شنودة كانوا يرفضون ذلك بقوة وحسم، وقد أظهرت القيادات المسيحية وطنية معروفة عنهم في تاريخهم الوطني العريق وخاصة منذ تعانق الهلال والصليب في ثورة 1919.

6 - اتفاق القوى الوطنية الحزبية القديمة والجديدة في المرحلة الأولى من الثورة على رفع شعار الوطنية المصرية، ومدنية نظام الحكم. ولكن يبدو أن بعض قوى الإسلام السياسي كانت تضمر خلاف ذلك، ففي مرحلة البناء للنظام السياسي ظهرت شعارات (إسلامية، إسلامية) وهو ما رفضته كثير من القوى الإسلامية ذاتها، فضلاً عن قوى المجتمع المدني، من منظمات حقوقية وأهلية وغيرها، ولم يتعاطف مع تلك الشعارات إلا قلة، وتم صراحة ومن دون تردد، نقد تلك الشعارات الدينية التي تفرق المجتمع، فضلاً عن موقف المسيحيين الصلب للإصرار على بناء دولة مدنية، والموقف نفسه أخذته القوات المسلحة المصرية في تصريحات رسمية لبعض أعضاء المجلس العسكري الأعلى.

ولكن مرحلة البناء - كالعادة - هي أصعب من مرحلة الهدم التي على رغم صعوباتها فهي أيسر لأنها تجمع وتوحد، بخلاف البناء الذي يفرق، حيث يسعى كل فريق للحصول على مكاسبه أو نصيبه من عملية البناء هذه.

ومن هنا برز الصراع السياسي بين القوى المتنافسة، والتي أحياناً تكون مواقفها متباينة وهو ما يجري على الساحة الآن. وهذا بدوره أثر في سرعة تحقيق الإصلاح والبناء والإعمار وإقامة النظام السياسي على أسس سليمة وهو ما يخشى منه اختطاف الثورة من قبل قوى سياسية داخلية لها أجنداتها الخاصة التي لا تتماشى مع مفهوم التوافق المجتمعي أو حتى دخول قوى خارجية لها مصالحها الخاصة التي تسعى للحفاظ عليها ومن ثم تقوم بعملية تتسم بالدهاء والخبث لتغذية وتشجيع هذا الفريق أو ذاك.

باختصار؛ نقول إن الربيع العربي في أحسن صوره في دولتين هما مصر وتونس لم يتحقق بالصورة الرومانسية التي تحلم بها الجماهير العربية ولا بالصورة الوردية التي روجت لها أحياناً، وخاصة في البداية قوى دولية أو إقليمية، بل يخشى على ثورتهما من الاختطاف، حيث ما زال البناء للنظام الجديد لم يتحقق، والاستقرار والتنمية الاقتصادية لم تنطلق، والموارد الاقتصادية من السياحة في مصر وتونس تدهورت وكذلك موارد قناة السويس والنفط والغاز الطبيعي في مصر تراجعت عوائده، وتحويلات المصريين والتونسيين في الخارج متردية. كما أن الصراع بين القوى المختلفة مازال قائماً وهذا كله يجعل من ثورتهما عرضة للاختطاف، وخاصة أن فلول النظام السابق نشطة دفاعاً عن مصالحها المفقودة، أي يمكن القول إن كلا من مصر وتونس تعيشان مرحلة الخريف العربي التي أتمنى أن تنتهي وينطلق الربيع المصري أو الربيع التونسي مجدداً بقوة حتى لا يحدث إحباط للجماهير بل ويأس من الثورة وجدواها وندم وحسرة على النظام القديم، وهو ما لا أتمنى أن يحدث، فالقديم قد انتهى ولا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في هاتين الدولتين.

أما الدول الثلاث الأخرى أي ليبيا وسورية واليمن فقد دخلت مرحلة الصيف العربي الشديد الحرارة بالاقتتال الدموي بين قوى الثورة وقوى النظام، وهو قتال طبيعي غذته القوى الأجنبية الدولية والإقليمية، كما غذته القوى القبلية والطائفية والعشائرية، من هنا عانت شعوب الدول الثلاث، وما زالت تعاني من الدمار والقتل بطريقة ربما تجعل شعب أية دولة أخرى يندم على ثورته أو اندفاعه أو تجاوبه مع دعاوى التحريض الداخلي أو الخارجي.

ويلاحظ أن بعض الثورات العربية تطالب بتفكيك النظام والدولة وهو أمر بالغ الخطورة ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء كما هو حال الصومال الذي أصبح نهباً للعصابات والقرصنة وعجزت منظمات المساعدات الإنسانية عن الوصول إلى المحتاجين وقد أبرزت ندوة علمية عقدت في منتدى الفكر العربي بالأردن في سبتمبر/ أيلول العام 2011 عمق هذه المأساة الإنسانية، ودعا المشاركون في الندوة إلى ضرورة اتباع المنهج الواقعي في التطور السياسي تجنبا لكوارث أكبر مما تعيشه الدول حاليا

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3317 - الخميس 06 أكتوبر 2011م الموافق 08 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:38 ص

      استغرب من جريدة الوسط استضافة امثال هذا

      استغرب من جريدة الوسط استضافة امثال هذا الكاتب على الرغم من ان الجرائد اياها تضم الكثيرين من امثاله وبالتأكيد سيرحبون بتواجده كما رحبوا بتواجد المنضم حديثا

      هذه الجريدة يجب ان تبقى نصيرة للشعوب وثورة اي شعب هي ربيع فواح وما محاولات هذا الكاتب وامثاله البائسة الا من اجل اجهاض الثورة في العقول لكي تستمر العطايا والهدايا

    • زائر 2 | 2:06 ص

      ؟؟

      ودعا المشاركون في الندوة إلى ضرورة اتباع المنهج الواقعي في التطور السياسي تجنبا لكوارث أكبر مما تعيشه الدول حاليا

    • زائر 1 | 1:06 ص

      الى ان توضح المعالم

      ضاع احسابها شتحسب وعلى من تشره وتعتب
      دنبا وضاع فيها الزين و تساوى القشر واللب
      وكل شى صار له وجهين
      حرت وش تكره وشتحب

      ما ادري هذا ربيع العرب لو عرب الربيع الكل يصر انه الربيع اخالفكم الراي ييساطه ارى اوراق الانظمه العربيه تتساقط وهذا ما يوكد انمنا نعيش خريف العرب اختلط الحابل بلنابل انظمه تتهاوي كاوراق البلوط التي اكل الدهر عليها وشرب ما القادملا احد يستطيع الجزم ولا التخمين

اقرأ ايضاً