العدد 3351 - الخميس 10 نوفمبر 2011م الموافق 14 ذي الحجة 1432هـ

عودة الروح إلى التوحش

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

كلما ظنت أو توهَّمت البشرية أنها ترقى سلَّماً إلى السماء، كلما تأكد انحدارها ومستوى الحضيض الذي ترعاه وتتعهده وتسهر عليه، بمستويات التوحش، وبمضاعفة روح ذلك التوحش في العلاقات، والتوحش في استغلال الموارد والتوحش في تقطيع أواصر هذا الكوكب وتحويله إلى مكبٍّ للنفايات، فيما الذين على ظهر هذا الكوكب خارج المعادلات، وخارج حسابات الربح والخسارة.

استبدل العالم اليوم الغابات كبيئة لسكنه وتزاوجه وتعايشه وانعزاله بناطحات السحاب والأبراج، والمجتمعات المغلقة (المجمعات السكنية للنخبة)، واستبدل صراعه مع الكائنات المفترسة التي شكَّلت تهديداً لبقائه ووجوده بكائنات من جنسه، ليس بالضرورة أن يبادر إلى تصفيتها وإبادتها بمجرد أن يلوح له أي تهديد.لم يعد بحاجة إلى ذلك.اكتفى بوجودها فحسب كمبرِّر لتلك التصفية والإبادة؛ إذ بات الاستيلاء على الموارد التي بدأت تشح وتنحسر لديه مدخلاً ومبرراً لتفاقم روح التوحش، والعودة بهذا الكوكب إلى سيرته الأولى.سيرة بدائيته وتخلفه وما قبل اكتشاف النار فيه.

لا شيء في هذا العالم واضحاً في رواجه رواج الترصُّد فيه، ورواج الاستهداف فيه، ورواج الاحتواء والاستهداف، ورواج تعميم القلاقل والقلق، وأن ينام وعينه على قبر أكثر من عينه على الطريق التي سيسلكها غداً إلى عمله، نزهته، صلة أرحامه، أو حتى ذهابه من دون هدف إلى أي شيء.في المؤقت المرسوم يعيش بفعل التوحش والروح التي تتغوَّل وتمتد فيه.في المؤقت من الطمأنينة، والمؤقت من التجانس حتى مع لحظات فرحه وأنسه العابرين.

وهذا الزمن على توحشه ومزاجيته وشهوته ودفع كائناته إلى مغادرة هذا الكوكب، سيظل مثالياً مقارنة بزمن سيمتد فيه ظن ووهم رقي السماء بسلَّم.زمن سيوجد مزيداً من مبررات ممارساته وأدائه وتعاطيه مع المخلوقات بفعل قلة تفرض قيمها التي بثتها على من هم أقل قوة أو لا يملكون قوة أساساً.باتجاه تخصيص الوعي عبر القوة والبطش والتوحش، وتخصيص الإرادات عبر تطاول الهيمنة بمختلف أشكالها وأساليبها.

هل عليَّ أن استدرك هنا؟ هل للتوحش روح أساساً؟ هل تلتقي الروح بشفافيتها وتحليقها، بتوحش قبضته من معدن ولغته من خسف؟ نجواه دمار على امتداد الأفق.لا شيء يدل على روح في هذا العالم الذي استساغ كل أشكال عصفه، ويعمل على تطوير أدوات عصف تتيح له الوقت الفائض ليتفرغ لاختراع أكثر من ظن ووهم لرقيِّ السماء، ربما بسلَّم من ضحاياه، وهو يفعل ذلك بانحدار أخلاقي بيِّن وصارخ.لا جهاز استشعار يمكن الاستدلال به لوقف هذا الخسف الذاهب في شهوته حد اعتباره إنجازاً واكتشافا آخر.

بات الدعاة إلى كلمة سواء في هذا العالم مصدر تهديد لروح توحش هذا العالم، وامتداد تلك الروح وتطاولها وهيمنتها على كل مفصل من مفاصل الحياة.

بات الإصلاحيون مخربين، يريدون شراً بالعرف وتكريس الممارسة التي هي في طريقها إلى أخذ هذا العالم إلى محرقة وجحيم مفتوح على اللانهايات.

قبل أكثر من عقد ونصف من مباغتة الربيع العربي خريف وجحيم العرب في أوطان مفتوحة على الاحتمال دائماً.الاحتمال الذي لا يجيء، وتحديداً في منتصف العقد التاسع من القرن الماضي، كنت وقتها في نزوى بسلطنة عمان.كنت ضيفاً على سالم بن حمد الحبسي.بيته في سماحته وبساطته.لا فاقة لديه.فقط يتمنى أن يصحو في اليوم الآتي من دون أن يصطدم مع مصادرة لحق، أو رفع صوت من دون لياقة، أو أن يرى الجرَّافات تعبث في حقل لقيام كيان أسمنتي يخنق الأفق، أو أصوات استغاثات ألِفها تكاد لا تنقطع في عالمه الصغير.ماذا عن استغاثات العالم الكبير يا صديقي في العام 2011؟ إنها استغاثات من فرط وصول أظلاف ذلك التوحش إلى ما بعد العظم

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3351 - الخميس 10 نوفمبر 2011م الموافق 14 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:27 ص

      العلماء والأمراء مفتاح صلاح\\فساد كل رعية

      صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي... العلماء والأمراء

    • زائر 3 | 3:07 ص

      هل من جنود بواسل

      متى يكون لنا جنود بواسل يعيدون هذا التوحش او قتله فقد حد الصلف وضاقت الارض بما رحبت حتى على الطفل الرضيع بل تطاولوا حتى على الجنين وكالوا له التهم الواحدة تلو الاخرى اولها انك تستنزف خيرات الارض بوجودك ! وآخرها انت أرهابي بزرعك غصن الزيتون .

    • زائر 2 | 2:11 ص

      غياب القيم بسبب الابتعاد عن جوهر الدين

      متى ما ابتعد الناس عن الدين واصبح الدين لعق على السنتهم فإنهم بذلك يبتعدون عن القيم الانسانية والاخلاقية لا اقصد بذلك دين معين او مذهب معين هذا لا علاقة له لأن مضامين الاديان والمذاهب كلها واحدة كلها تدعو للخير والاخلاق الفاضلة وتمقت الشر والدنيء من الاخلاق.
      فقط هناك بعض المذاهب التي تتميز بنوع من الاقصاء وعدم القبول باختلاف الفكر والديانات وهؤلاء قلة
      إذا فالابتعاد عن التدين وعن الاخلاق الفاضلة هو السبب في الانغماس في قساوة النفوس وهو امر يؤدي الى نهاية سيئة

    • زائر 1 | 1:29 ص

      يا جمري الروح بطبيعتها وحشيه

      ترويض الروح وجعلها اليفه ومستائنسه يعتمد على حاملها وربنا ايقول ان النفس بطبيعتها اماره بلسوء ولاكن على الانسان ان يصقل هذه الروح التي وهبها اياه خالقه وهي خام عليه تنقيتها من الشوائب ويحررها من الاغلال يعني الجشع الحقد الظلم الانانيه يمنعها عن الاهواء يعني كما قال الله سبحانه ونهى النفس عن الهوى الهوى هو كل ماتشتهيه النفس ولو كان قمه الممنوع والمكروه كلحيوان اجلكم الله يحكمه هواه لا قانون ولا عرف انساني ولا اخلاقي

اقرأ ايضاً