العدد 3371 - الثلثاء 29 نوفمبر 2011م الموافق 04 محرم 1433هـ

هل تستطيع تركيا إلهام تونس؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

قدّمت تونس كونها البادئة في الربيع العربي، مثالاً رائداً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بعد إطلاق شرارة ثورات هذه المنطقة، انتقلت تونس إلى مرحلة ما بعد الثورة بسرعة من خلال تنظيم أول انتخابات ديمقراطية في المنطقة. إضافة إلى ذلك، حصلت الأحزاب السياسية الإسلامية والناشطون في تونس والذين استُخدموا منذ فترة طويلة لتبرير الأنظمة الدكتاتورية في دول أخرى، على السلطة بشكل ديمقراطي. وتماماً كما أثبتت الثورة التونسية أنها معدية للمنطقة، فإن نتائج الانتخابات التونسية الأخيرة ستؤثر على الأرجح على الانتخابات المقبلة في مصر والمغرب.

هناك الكثير مما تستطيع تونس أن تتعلمه في هذه المرحلة الحاسمة من تركيا، التي قدمت نموذجاً ناجحاً يربط الديمقراطية مع الأحزاب السياسية الإسلامية.

تنتظر تونس ثلاثة أنواع من التحديات في هذه المرحلة الانتقالية: تحديات ديمقراطية واقتصادية وديموغرافية (سكانية). في البداية، سيتوجب على القيادة الجديدة بناء ديمقراطية قوية مع مؤسسات تعددية لضمان مستقبل مستقر، وإلا فهناك خطورة الوقوع في السلطوية، وهو مصير واجهته في الماضي مجتمعات أخرى كانت في المرحلة الانتقالية. بقي أن نرى ما إذا كانت أحزاب تونس الإسلامية السياسية ستتمكن من إصلاح الدولة حسب المبادئ العالمية لتجنب هذا الاحتمال.

تشكل تجربة تركيا، حيث توجد نخبة سياسية حاكمة مبنية على الإسلام في دولة علمانية، إثباتاً على التوافق المتبادل بين الديمقراطية والأحزاب السياسية الإسلامية. إلا أن الآراء السائدة بين التونسيين منقسمة بشأن ما إذا كان يجب اعتبار التجربة التركية مصدراً للإلهام. بالنسبة لهؤلاء الذين يحملون قيماً علمانية ويخافون من ضياعها نتيجة فوز حزب النهضة، وهو الحزب الإسلامي السياسي الرئيسي في تونس، قد تبدو الظروف التركية والتونسية مختلفة بشكل كبير.

وعلى رغم أنه من الصحيح أن العلمانية محمية دستورياً في تركيا وليس في تونس، إلا أنه من الأرجح أن يدعم المجتمع التونسي القانون العلماني بدلاً من تبني القوانين الدينية كما يخاف المراقبون. في الوقت نفسه، وبينما يتبنى الشعبان دساتير جديدة، هناك مساحة لتبادل الأفكار والتعاون. على سبيل المثال، يتوجب على الطرفين الأخذ بعين الاعتبار أفضل طريقة لوضع أسس حكومة فاعلة وهيئة قضائية عادلة، وكيفية حماية الحقوق والحريات الأساسية ونموذج اللامركزية الذي يجب تبنيه. كعضو في المجلس الأوروبي ودولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، راكمت تركيا معرفة مهمة في مجال بناء الديمقراطية في مجتمع غالبيته من المسلمين، تستطيع التشارك فيها مع تونس.

من ناحية أخرى، وبما أن الضغوطات الاجتماعية الاقتصادية هي التي شكّلت عاملاً مساعداً على الثورة، فإن تعافي تونس الاقتصادي سيشكّل على الأرجح الاختبار الرئيسي للحكومة. وستعني النسب العالية التي حققها حزب النهضة في الانتخابات كذلك أن الشعب التونسي ستكون له توقعات كبيرة بشأن التحسين السريع والملموس في مستوى المعيشة، والذي سيشكل في نهاية المطاف حملاً كبيراً من المسئولية على القادة.

برأيي أن مثال تركيا سيوفر هنا بالذات بعض الدروس من داخل المنطقة، إذا أخذنا بالاعتبار أن تركيا تطورت من اقتصاد متداعٍ إلى حجم النمو الحالي. ففي نهاية المطاف، يعود النجاح المستمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات خلال العقد الماضي وبشكل كبير إلى تقدّمه في الأمور الاقتصادية. إذا نجحت حكومة ذات خلفية إسلامية في توجيه السوق في تركيا، فمن يستطيع القول إن شيئاً مماثلاً لا يمكن أن يحدث في مكان آخر؟

بالمثل، يتوجّب على تونس التعامل مع الفساد، والعمل على إيجاد بنية شفافة ومواتية للاستثمارات الأجنبية، ودعم السياحة والتجارة الحرة. تستطيع تونس، من خلال برامج كهذه أن تصبح البوابة الشمالية للتجارة في إفريقيا.

أخيراً، كان الشباب هم الذين سطّروا قصة الربيع العربي وهم في وسط ما أطلق عليه «الزلزال الشبابي» عبر المنطقة. لهذا السبب، من المؤسف أنه لم يتم تمثيلهم بشكل صحيح في أول مجلس ديمقراطي تونسي انتخب بشكل ديمقراطي. في الوقت نفسه، يجب على الشباب أن يحاولوا ضمان أن تكون أصواتهم جزءاً من هذا التحول، وأن يستمروا كذلك بالضغط على الأحزاب السياسية ليكن لهم تمثيل في مؤسسات صنع القرار.

ومن الأمثلة الملهمة لهذا النوع من الجهود حركة المدنيين الشباب في تركيا، والتي تستخدم أحياناً الفكاهة لتركيز الاهتمام الشعبي على الحاجة لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

من المأمول أن يستفيد الشباب في السنة المقبلة بصورة أفضل من فرص جديدة تطرح نفسها في الانتخابات الوطنية والمحلية. ففي نهاية المطاف، كان النجاح في السياسات البلدية هو الذي دفع النخبة السياسية الحالية في تركيا إلى الحكومة الوطنية.

وقد تثبت المشاركة على المستوى المحلي في تونس كذلك، وهي أولى مستويات الحكم الديمقراطي، أنها أرض جيدة للتدريب للمشاركة السياسية للجيل الأصغر عمراً. إذا تم استغلال جميع هذه الفرص، ربما تستطيع تونس الاستمرار في إلهام دول أخرى لتمهيد الطريق قدماً في المنطقة

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3371 - الثلثاء 29 نوفمبر 2011م الموافق 04 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً