العدد 3371 - الثلثاء 29 نوفمبر 2011م الموافق 04 محرم 1433هـ

تصحيح الأخطاء انتصار للإصلاح

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

للأسف ان تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق الذي سُلم إلى عاهل البلاد بتاريخ 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، بدأ يقرأ من قبل معارضي الإصلاح وفق مقاساتهم وأهوائهم، فينتقون منه العبارات التي تؤيد نظرتهم للحوادث التي وقعت في فبراير/ شباط ومارس/ آذار الماضيين، وبعد أن كانوا حتى وقت قريب يطالبون بالأخذ بالتوصيات وتطبيقها بحذافيرها، راحوا يوجهون انتقادات حادة إلى اللجنة وأسلوب عملها، على رغم أنهم أول من اعترف بحيادية أعضائها ونزاهتهم وشهرتهم على المستوى الدولي والعالمي.

اللجنة أوجدت من أجل البحث عن الحقيقة وتتبع مصدرها، بعد تضارب الروايات وكثرة الحديث عن قصص مختلفة بين جميع الأطراف الرسمية والمعارضة، فكل جهة راحت تدافع عن رأيها وطريقة تعاملها مع المواقف على أرض الواقع، فيما الرأي العام العالمي كان يضغط على الأمم المتحدة لإرسال فريق لتقصي الحقيقة، فحسم جلالة الملك الموقف باختياره هذا الفريق المشهود له بالحرفية والمهنية على الصعيد الدولي.

الآن نحن أمام معلومات تمثل نتاج عمل مضني امتد على مدى 5 أشهر هو عمر تأسيس اللجنة، تم التوصل إليها بعد لقاءات مع مختلف الجهات المعنية في الحكومة والمعارضة ومؤسسات المجتمع المدني، وإفادات من أفراد ينتمون إلى كل طوائف وملل الشعب البحريني ممن تعرضوا للانتهاكات والتعديات على سلامتهم الشخصية والتعذيب والفصل من الأعمال في القطاعين العام والخاص، فهل يعقل بعد كل هذا الجهد أن نكب هذه النتائج في سلة المهملات ونبدأ من نقطة الصفر، لمجرد أن هناك أناسا معدودين يرون أن تطبيق التوصيات تتعارض مع مصالحهم وتهدد مستقبل وجودهم في توتير الساحة وإشعالها؟

التحريض والتحشيد ضد لجنة «تقصي الحقائق» في هذا الوقت لثني الدولة عن تنفيذ التوصيات، يدخل البلاد في دوامة أخرى، فلا تستقيم الحياة إلا بإرجاع الحق إلى أصحابه مهما كان لونهم وعرقهم وجنسهم وانتماؤهم، أما محاولة ترسيخ رؤية محددة وجعلها الرواية الوحيدة الصادقة التي يجب على الجميع أن يقتنع بها دون غيرها، فهذا فرض وصاية على العقول ومحاولة يائسة من فئة ما فتئت تزرع القطيعة والفرقة بين أبناء الوطن.

البحرين أكبر من جماعة وفئة وحزب وأفراد، ومحاولة حصرها في زاوية لتتحكم في مصيرها فئات تسعى إلى المزيد من سلب الحريات واستخدام القوة ضد المواطنين والاستمرار في قطع أرزاقهم، هو تفريط في الأمانة التي تحتم علينا صون كرامة الإنسان والامتناع عن مصادرة حريته في إبداء الرأي والتعبير والمشاركة في الحياة العامة.

الحقيقة لا يمكن أن تحاك بمقاسات يراها البعض أنها صحيحة، بل تستند على براهين وقرائن وأدلة، لا على تحزبات طائفية أو خوف من فقدان مكاسب آنية تحققت لمريديها في ظل أزمة استغلوها للانتقام والتشفي وتصفية الحسابات.

كل الأقطار تتجه أنظارها في هذه اللحظة إلى البحرين، وتراقب عن كثب الالتزام بتنفيذ بنود التوصيات التي أدرجتها لجنة «تقصي الحقائق» في تقريرها، وتأمل أن يحقق ذلك استقراراً دائماً على المدى البعيد في هذا البلد الصغير بمساحته، العظيم بأهله، وأن يكون هذا التنفيذ بمثابة خطوة أولى على طريق المصالحة الوطنية ورأب الصدع الطائفي ولمِّ شمل البحرينيين في بوتقة واحدة لبناء الدولة الحديثة بثبات وإصرار، وتغليب المصلحة الوطنية على أية اعتبارات أخرى.

التحليلات والقراءات والتأويلات لن تتوقف أبداً، فكل يرى التقرير من زاويته ويقدمه لاستمالة الناس لصالحه، ولكن المنتصر حقاً للبحرين هو من يقرأه من زاوية وطنية بحتة، ويعمل على ترجمته بمقتضى المصلحة الوطنية، حتى وإن خالف ذلك معتقده أو توجهه أو خطه السياسي، فالوقوف إلى جانب الحق ليس هزيمة أو ضعفا، بل هو ذروة الجرأة والمقدرة على تغليب العقل في موازاة استمالات العاطفة والارتهان للجماعة أو الانتماء الفئوي.

لم يكن خافياً على أحد مدى إصرار كثير من الكتاب ووسائل الإعلام على تصدير أفكارهم وتصوراتهم عن المشهد البحريني في خضم الأزمة إلى لجنة «تقصي الحقائق»، فكثير من الدعوات والخطابات العلنية وجهت إلى رئيس اللجنة مباشرة لحثه على السير في اتجاه محدد يؤدي إلى تثبيت القناعة التي يسعون إليها هم كحقيقة دامغة، غير أن ما حدث خالف توقعاتهم وأصابهم بصدمة لم يتوقعوها، لأنه ببساطة شديدة اعتمد المواثيق والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتي صدقت عليها مملكة البحرين، منهجاً يتلمس من خلاله الظروف التي عايشها كل من انتهكت حقوقه من دون تحيز أو مواربة.

هذه الحرفية في التعامل مع الشكاوى والبحث في صدقيتها وتثبيتها في حيثيات التقرير، جعلت دعاة التطرف يفقدون صوابهم، ويبحثون عن ثغرات يصلون من خلالها إلى ترسيخ فكرة الخطأ في التقدير من قبل أعضاء اللجنة، باستخدام عبارات «التستر» و «القراءة غير المتأنية للمشهد البحريني» و «التعجل في إطلاق الأحكام» و «الدفاع عن المتظاهرين»، وذلك كله لا يضيع الحقوق بل يرسخها ويثبتها، ومن واجب الدولة أن تحققها عبر تنفيذها للتوصيات، فالعجلة لا يمكن أن تسير إلى الوراء، وعقارب الساعة لن تتوقف، وبقاء البحرين على الطريق الذي رسمته خريطة الإصلاح مرهون بتصحيح الأخطاء أينما وجدت

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3371 - الثلثاء 29 نوفمبر 2011م الموافق 04 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:16 ص

      الناس عبيد الدنيا

      الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون

    • زائر 2 | 1:39 ص

      هناك فئات ربيّت وأنشأت من أجل هذه الظروف

      من اجل ان لا يحصل الشعب على شيء هناك فئات قرّبت ودللّت على حساب الآخرين وهؤلاء لن يقبلوا بأي مطالب للاصلاح لأن الاصلاح اول ما يمسّ مصالحهم الفردية لذلك هم مستميتون في الدفاع عن الاخطاء
      مهما اعترفت بها كل منظمات العالم وألف تقرير من أمثال تقرير بسيوني سوف لن تغير من وجهة نظرهم
      لأنها الاعتراف بالحقيقة يمس جوهر مصالح هذه الفئة
      فهي المتمصلح الاول والمستفيد الاول من تردي الاوضاع وعرقلة الاصلاح هؤلا هم لب المشكلة
      ان اردتم وضع النقاط على الحروف

    • زائر 1 | 12:35 ص

      غالية يا البحرين

      و ما اكثر هذه الصحف الصفراء في بلادي .. ما انقول غير الله يهديهم و اكفون شرهم !

اقرأ ايضاً