العدد 3405 - الإثنين 02 يناير 2012م الموافق 08 صفر 1433هـ

دعـوا السياسة لأهلها

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

تعلمنا أن السياسة ثقافةٌ وفِكرٌ ومَعرِفةٌ وحِكمةٌ ودهاء، أي بمعنى أن من يريد أن يلِجَ عالم السياسة يجب أن يكون مثقفاً ذا فكرٍ تتجلى فيه المعرفة بقواعد السياسة وفنونها، وأن يكون حكيماً، وأن يمتلك عناصر الدهاء الذي لا يمس الفضيلة أو يتنكب عنها، أي ما يسمى «الدبلوماسية السياسية».

وعندما نقول بـ «الفكر السياسي»، أو «المعرفة السياسية»، إنما نعني المعرفة القائمة على ركنين، لابد أن يكمل بعضهما الآخر، الركن الأول هو وجوب أن يكون السياسي مثقفاً ومفكراً سياسيّاً، أي بمعنى أن يكون ملمّاً بقواعد وأصول السياسة عن دراسة علمية واطلاع واسع، أو عن فطنة ذاتية خارقة تؤهله لأن يكون سياسيّاً، لا أن يكون ولوجه في عالم السياسة لمجرد رغبة جامحة في نفسه، أو عن فضول، أو لحب في الظهور والشهرة. وأن يكون قادراً على التعبير، لأن في السياسة تحاوراً وعِظَة، والمـُحاور أو الواعظ يجب أن يكون متحدثاً فصيح اللسان. وأن يكون كذلك موضوعيّاً ثابت الرأي، لأن السياسي دليله يقينه، ومن لا يكون دليله يقينه يصبح كالسفينة بلا شراع تجره الرياح أينما ذهبت، فلا يصلح أن يكون سياسيّاً.

أما الركن الثاني: فهو المعرفة بالواقع، أي الاطلاع على الواقع المعايش (موضوع الحدث السياسي) عن معرفة مباشرة، لا عن معرفة سمعية. بل لا يكفي هذا الاطلاع المباشر، إنما يجب فوق ذلك الاطلاع على مكنون وخفايا هذا الواقع، لا أن يكون اطلاعه سطحيّاً، كمن يُخَطِّئ فئةً أو يتهمها بالجرم أو بالضلال قبل أن يقف على مضمون هذا الجرم ويتعرف على وجهة نظر هذه الفئة في حوار هادئ وجدي بعيداً عن العصبية.

أما «الحكمة السياسية» فهي المميزات التي يجب أن يتحلى بها السياسي، مثال ذلك:

1) أن يكون قادراً على التوازن بين الأخلاق والمصلحة.

2) أن يكون حاذقاً يدرك المخاطر وينأى عنها.

3) أن يكون قادراً على اتخاذ القرار السليم والصائب.

4) أن يكون صبوراً على مضض السياسة.

5) أن يتبع الحق ولا يكون أسير العواطف والشهوة والعصبية، لأن «الحكمة لا تسكن قلباً مع شهوة أو عصبية» (قولٌ لسيدنا الامام علي ابن أبي طالب (ع)).

أما الدهاء السياسي، فلا يقصد به هنا المكر والخداع، إنما هو «الدبلوماسية السياسية» التي تقوم على الأسلوب الفني من المناورة والتكتيك، وعلى قاعدة حسن المجاملة وآداب الكلام، شرط أن يكون هذا الدهاء شريفاً طاهراً لا يمس الفضيلة.

فإذا ما اجتمعت تلك الصفات والعناصر السابقة في شخص ما، جاز أن نقول عنه أو ننعته بالسياسي، وإلاَّ فلا.

بيد أننا نلحظ أن الساحة أمست اليوم تعجُّ بمن يطلق عليهم «رجال السياسة»، حتى المهجنين وأشباه الأميين (الذين خلت ملفاتهم من صحيفة السيرة الذاتية كي لا تنكشف هويتهم ومنزلتهم العلمية الهابطة). ولجوا السياسية وتقمصوا رداءها، فكان هذا الواقع بحق من سخرية القدر وعجائب الدهر.

ويا ليت هؤلاء اكتفوا بالمقعد السياسي وحسب، إنما ذهب بعضهم إلى حد توظيف مقاعدهم في زرع بذور الفتنة الطائفية وخلق الكراهية بين الناس، وفي ذم هذا وتخوين ذاك، وكأن مقاعدهم السياسية ليست لها وظيفة سوى هذا الغرض.

فلا ندري هل أن العُقم الفكري والسياسي لدى أولئك قد أنساهم أن في سلوكهم هذا تقطيع النسيج الاجتماعي وحرق الوطن... أم أن عقول هؤلاء هوت إلى حد الانصرام!؟

وفي نافلة القول أقول لمن يهوى السياسة؛ تعلَّم أولاً كيف تحب الوطن، ثم تعلَّم البلاغة وآداب الكلام، ثم تعلَّم كيف تكون حكيماً، ثم تأكد هل أنت حاذق وصبور، وإلاّ فاترك السياسة لأهلها

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3405 - الإثنين 02 يناير 2012م الموافق 08 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:41 ص

      جيفري

      تعرييف السياسي ومميزاتها وغيره لا يصلح للبحرينين

      نحن في البحرين غنيون لمعرفة من السياسي
      بسبب الذي نعانية من الظلم والتفرقة والتمييز وغيرها من الاشياء التي تتكرر لنا كل يوم المضايقات

      فأن أصغر مواطن بحريني سياسي

    • زائر 6 | 6:45 ص

      برلماناتنا

      ياسيدي يعتبر النائب سياسى ومعظم البرلمانيون من يمسكون البرلمانات العربيه ويشرعون لصالح شعوبها لايمتلكون حتى %1 من الشروط الموجوده بمقالتك وينسون العمل بما اقسمو عليه ويصبحون تابعين للطائفه والقبيله وينسى الوطن

    • زائر 5 | 2:58 ص

      رحم الله والديك

      ألف شكر ا. علي الورقاء على هذا المقال الرائع .. يا الله كم كنا بحاجة إليه منذ بداية البداية .. على ايه حال شكرا لك

    • زائر 3 | 1:55 ص

      لولم يكن للوسط الا هذه المقالة لكفى

      شكرا علي الورقاء فعلا كلام أتيت به في الصميم وتلك والله هي قاصمة الظهر حينما يتسنم سياسة الدولة من لا حظ له في التعليم والتثقيف فكيف به يكون منظراً وسائس ومحلل وواضعاً للحلول ومشرعاً ومنفذاً وتلك طامة الدول الاسلامية كلها . نعم لولم يكن للوسط الا هذه المقالة لكفى .

    • زائر 1 | 9:58 م

      الزرع المتطفل ما هو ؟؟؟؟

      في عالم الزراعة هناك زرع ونبات متطفل يعتاش على غيره فيتصدى له الفلاح أو المزارع باجتثاثه من الجذور لانه يؤدي الزرع الصالح ويستحود على غذائه

      وهكذا هم المتطفلون في كل جوانب الحياة لاهم لهم سوى أنفسهم وتدمير غيرهم ما استطاعوا الى ذلك ....

اقرأ ايضاً