العدد 3417 - السبت 14 يناير 2012م الموافق 20 صفر 1433هـ

تطوير المناهج الدراسية وفق «المعايير الدولية»... مسئولية من ؟

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

لنبدأ مقالنا بسؤالين كبيرين، هما: ما الجهة المسئولة عن تحديد بوصلة التوجهات المستقبلية لسياسة النظام التعليمي؟

ويا تُرى... من المسئول عن تطوير المناهج الدراسية؟

قبل الإجابة عن السؤالين، ربما نواجه بأسئلة فرعية أخرى، من قبيل: هل هم المسئولون في وزارة التربية والتعليم، أم رجال التعليم من المربين والمديرين والموجهين والخبراء في شئون التعليم وأساتذة الجامعات والمسئولون السياسيون وعلماء الدين والنخب الثقافية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني وأولياء الأمور ومؤسسات التنشئة الاجتماعية ووسائل الإعلام والاتصال وغيرهم؟

تابعنا في الأسبوع الماضي خبرين يصبان في الاتجاه ذاته، الأول: توجيه وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي إلى تشكيل فريق عمل من الخبراء والمختصين من الوزارة ومن بيوت الخبرة المختصة لتولِّي مهمة تقييم ومراجعة المناهج الدراسية في ضوء المتغيرات والتوصيات المتعلقة بتطوير الفكر الناقد والتسامح والقدرة على الحوار وحل المشكلات واحترام الرأي الآخر، وفق المعايير الدولية.

أما الخبر الآخر: فهو تأكيد اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق أهمية أن تعمل الحكومة على وضع برامج تعليمية وتربوية في المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية لتشجيع التسامح الديني والسياسي والأشكال الأخرى من التسامح، علاوة على تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون، عملاً بالبند (أ) من الفقرة (1725) من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وتطبيقها بدءاً من العام الدراسي المقبل 2012/2013م، وإعادة النظر في مناهج المواطنة والتربية الاجتماعية في المراحل التعليمية كافة، وتكليف خبرات تربوية وطنية كفوءة وعربية ودولية لوضع وإصدار المناهج التربوية الصحيحة القائمة على المواطنة الصالحة الناضجة، بهدف زرع نهج القبول بالآخر، ونبذ الذهنية القائمة على رفض التنوع الطائفي والإثني والثقافي في البحرين على مر التاريخ، وتفعيل مجالس الآباء والأمهات في المدارس وعقد فعاليات واجتماعات دورية للأهالي لتقريب العوائل من خلال البيئة المدرسية، ووضع برامج تأهيلية للمدرسين والعاملين في قطاع التربية والتعليم وفق المعايير الدولية، للتقيد بروح التسامح والقبول بالآخر والعيش المشترك بين الفئات المختلفة، وإصدار مدونة سلوك بحسب المعايير الدولية.

ليس هذا فحسب، بل واقترحت اللجنة الوطنية تكليف المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم بإعادة صياغة مناهج التربية الإسلامية في المراحل الأساسية الثلاث بحيث تكون المناهج الدراسية حاوية المشتركات العامة بين أبناء البحرين كافة، ومراعاة قيم التعددية والعيش المشترك في مناهج التعليم في المعاهد الدينية والحوزات.

ما يهمنا ونحن نقرأ الخبرين (خبر وزارة التربية واللجنة الوطنية) تكرار عبارة «وفق المعايير الدولية» في أكثر من موضع.

لن نختلف أبداً في «المعايير الدولية» طالما لم تُذيَّل بعبارات، مثل: بما يتلاءم مع بيئتنا وخصوصيتنا المحلية، وثقافتنا وعاداتنا وأصالتنا الوطنية وإرثنا الثقافي وما شابه ذلك من مقولات موغلة في الإبهام والدلالة والمعنى؛ لأن من أكثر الأسئلة التي ربما لا نجد لها إجابة واضحة إلى حد الآن: هل نأخذ بمفهوم المواطنة العالمية، ونربط المتعلم بالعالم الخارجي باعتبار أن الوطن جزء من هذا العالم؟ وهل نهتم بدراسة ثقافات الشعوب والانفتاح عليها والتعاطي معها بإيجابية تحت مظلة حقوق الإنسان، وبالتالي نتبنى مفهوم «عالمية حقوق الإنسان»، أو نظل على ما نحن عليه من حالة الانغلاق والتحذير من التأثر بالفكر الآخر؟!

إذا كنا نتحدث عن «المعايير الدولية» في الدول المتقدمة في مجال التعليم، فإنها تؤكد وبشكل واضح لا لبس فيه الأساس العلمي والمنهجي الذي يستند إلى آراء المختصين والمسئولين عن تطوير التعليم، وعلى البعد الديمقراطي وحقوق الإنسان في السياسة التعليمية، لتحقيق آمال الرأي العام وطموحاته ورغباته.

هذه الرؤية ترتكز أساساً على أن تطوير التعليم وتحديثه ليس من مسئولية ومهمات وزير التربية أو وزارة التربية والتعليم أو القيادات التربوية والتعليمية فحسب، وإنما هو عمل وطني تشارك فيه جميع القطاعات والهيئات الرسمية وأساتذة الجامعات والمفكرين والنخب ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة.

لنكن صريحين مع بعضنا، كيف للمناهج الدراسية أن تتطور ونحن مازلنا نقدِّس الكتاب المدرسي؟! أين نحن من النشاط المدرسي والتطبيقات العملية والخبرات اليومية المباشرة التي تجعل من المناهج الدراسية مرآة عاكسة للحياة؟

لقد أسأنا كثيراً بحق أبنائنا وبناتنا الطلبة عندما أرسلنا لهم رسالة مفادها بأن أهداف التعليم تختزل في الجانب المعرفي، وأن التعليم للامتحان وليس للحياة، ولا داعي أصلاً أن يتعلم الطلبة المهارات والقدرات وحل المشكلات التي يواجهونها داخل البيئة التي يعيشون فيها مادامت ليست متضمنة في أسئلة الامتحانات، ما أثر بدوره على نظم التقويم والامتحانات في نهاية الفصل الدراسي، إذ تحتسب نسبة 70 في المئة من إجمالي الدرجة المئوية، موزعة على امتحان المنتصف (20 في المئة) والامتحان النهائي (50 في المئة)، بمعنى أن يومين فقط لا غير يحددان مستقبل الطلبة، بينما يكون نصيب الطالب/ة من درجات أعمال الفصل كاملة أقل من (30 في المئة)، وذلك بالنظر إلى الاختبارات الشهرية الاعتيادية.

ما نميل إليه هو أن تطوير المناهج الدراسية لا يتم إلا من خلال توفير بيئة ديمقراطية حرة، تشجع على التفاعل داخل الفصول الدراسية بوجه خاص وفي الفضاء المدرسي بوجه عام، واحترام حقوق كل من المعلم والمتعلم، وطرح جميع القضايا التربوية بحرية على طاولة الحوار والنقاش، في جو تسوده العلاقات الإنسانية الراقية.

مستقبل التعليم يكمن في «ديمقراطية التعليم» كما يرى أصحاب الفكر النقدي؛ لأن من حق جميع من يعيش في بلد ما بغض النظر عن أصوله الاجتماعية أو جنسيته أو عرقه أو معتقداته الدينية والمذهبية أو حتى أفكاره في تلقي التعليم الكافي الذي يضمن نمو شخصيته وتهيئته وإعداده للحياة، وتنشئة مجتمع مدني ينبذ أشكال التمييز كافة.

هذا التوجه لن يتحقق إلا من خلال شراكة وطنية حقيقية تدفع باتجاه إصلاح العملية التربوية والتعليمية، وإعطاء الوزن النسبي الأكبر لتطوير المناهج الدراسية وفق أحدث المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

الخلاصة... إن كانت الوزارة وجهت إلى تشكيل فريق متخصص لتطوير المناهج الدراسية، ومن جهة أخرى دعت اللجنة الوطنية المعنية بتوصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق إلى ضرورة إحداث التغييرات المطلوبة في المناهج، فما دور المعلم في هذا التطوير؟

يقول طه حسين: «التعليم كالماء والهواء حق لكل إنسان»

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3417 - السبت 14 يناير 2012م الموافق 20 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً