العدد 3482 - الإثنين 19 مارس 2012م الموافق 26 ربيع الثاني 1433هـ

«المكتبة الأممية لحقوق الإنسان» في مدارسنا

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

عندما نتصفح بيان اليونسكو الخاص بالمكتبات المدرسية نجده يؤكد على توفير المعلومات والأفكار التي تعدُّ عاملاً أساسياً للنجاح في العمل بالمجتمع المعاصر القائم على المعلومات والمعارف، فهي التي تزوِّد الطلبة بمهارات التعلُّم مدى الحياة وتنمِّي الحس الخيالي والإنساني النقدي لديهم، والذي يمكِّنهم من العيش كمواطنين مسئولين في مجتمعاتهم.

هذا البيان يحدِّد مستويات أساسية ثلاثة للمكتبة المدرسية، وهي:

المستوى الأول (مستوى المعاملة): يتمثل بالخصوص في معاملة التلاميذ وفق مرجعيات ومعاهدات حقوق الإنسان، وانطلاقاً من حق المساواة.

المستوى الثاني (مستوى الخدمات): ويتمثل في الدعوة إلى أن تعمل المكتبة المدرسية على توفير كل ما من شأنه أن يخدم عمليات التعلّم من وثائق وكتب وغير ذلك.

المستوى الثالث (مستوى المساعدة): دعوة المسئولين والقائمين على إدارة شئون المكتبة المدرسية بأن يكونوا رهن إشارة التلميذ من أجل تقديم المساعدة.

وتأسيساً على بيان اليونسكو، فإن تصوّرنا لهوية «المكتبة الأممية لحقوق الإنسان» بالمدارس هنا يعني وجود مركز إشعاع ثقافي في ضفة أو زاوية من مركز مصادر التعلم بالمدرسة، تُعنى بشئون التربية على ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع المدرسي، وتُدار من قبل لجنة تضم نخبة من طلبة المدرسة ممن لديهم الاستعداد الفطري والتكوين التربوي والثقافة الأممية في مجال حقوق الإنسان.

على المدى البعيد، فإن الهدف العام من إنشاء «المكتبة الأممية لحقوق الإنسان» هو خلق جيل متعلم مثقف واعٍ ومنفتح على ما يدور حوله من حراك علمي وثقافي وأكاديمي وحقوقي للمبادئ الأممية لحقوق الإنسان.

ربما لاتزال وظيفة المكتبة المدرسية في كثير من مدارسنا تقليدية في إعارة الكتب، ولكن ثمة قناعة راسخة لدى العاملين في الحقل التربوي أن تطوير النظام التعليمي لا يتم إلا من خلال دعم المناهج الدراسية بمصادر إثرائية تضمن لهذا الجيل العيش في الألفية الثالثة بأدواتها المعرفية القائمة على الجمع بين التفكير والعمل الناقدين وفهم الثقافات الأخرى والانفتاح عليها والاعتماد على النفس، فوظيفة هذه المكتبة هي منح طرف إيجابي وفعال في العملية التربوية (الطالب أو الطالبة) حق الحصول على المعلومات وتمكينهما منها، فالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان تكفل للأفراد الحق في تلقي المعلومات والبحث عنها والحصول عليها والاحتفاظ بها، والحصول على المعلومات المحلية أو الوطنية والإقليمية والدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، إذ إن حق الطلبة في الحصول على المعلومات سيساهم في التشجيع على الفكر النقدي لديهم، وبالتالي تزويدهم بمهارة التعلُّم الذاتي وتشجيعهم على المبادرة الفردية، لكي تنتقل المكتبة المدرسية من دورها في خدمة المنتسبين للمجتمع المدرسي لتكون في خدمة المجتمع المحلي.

إن وجود استراتيجية واضحة المعالم تحقق الكفايات الأساسية من منظومة الحقوق لهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لدور «المكتبة الأممية لحقوق الإنسان»، فهي من أجل الطلبة أولاً وأخيراً، إذ لا يقع على عاتقها فقط تدريب الطلبة على المنهجية العلمية للوصول إلى المعلومات، وإنما في تحليلها وتفسيرها ونقدها والمفاضلة بين منظومة الحقوق؛ لأن بناء الطالب الباحث على ثقافة التربية على حقوق الإنسان يعني تحديد مجالات العمل، وعدم ترك الأمور إلى الصدف والارتجال، وذلك لن يتأتى إلا إذا توافرت عند الطالب الأدوات المعرفية الإجرائية بالاعتماد على النفس، وإقامة علاقات تعاون وتشارك قائمة على تقبل اقتسام الوثائق والمعلومات مع غيره من أقرانه.

الاستفادة المثلى من الوسائل والأنواع المتعددة من مركز مصادر التعلم تعزز فرص التعلم الذاتي ومهارات البحث والاستكشاف، ودعم المنهج الدراسي بمصادر معلومات متطورة ذات صلة بتعلُّم مبادئ حقوق الإنسان بالمدارس، وتزويد المتعلم بالمهارات التي تجعله قادراً على مواكبة التطورات المتلاحقة في أنظمة المعلومات، كما تعين المعلمين في تنويع استراتيجيات تدريسهم لحقوق الإنسان، والابتعاد قدر الإمكان عن الأساليب التقليدية كالتلقين أو الحفظ، ومراعاة الفروق الفردية بين الطلبة في معرفتهم بالحقوق.

هذه المكتبة الأممية ينبغي أن تفعّل وتوظف بالشكل الصحيح والمدروس ضمن الخطة التشغيلية للأقسام بالمدارس، بأن يستفاد من الكتب والمجلدات والكتيبات والملصقات والدوريات والمطبوعات والمنشورات والقرطاسيات والأقلام... إلخ ـ إلى جانب توفير وسائل عرض متنوعة وحديثة كالأقراص المدمجة، أو تخصيص قاعة صغيرة لعرض المسرحيات وإبراز الطاقات والإبداعات الطلابية واكتشاف الموهوبين منهم، وعرض الأفلام القصيرة ذات المضامين الحقوقية في المناسبات السنوية كيوم العمال ويوم حرية الصحافة ويوم المرأة وغير ذلك، وإقامة المحاضرات والندوات والمؤتمرات والمعارض والمسابقات والمنتديات والرحلات الثقافية بقصد تنمية الوعي بثقافة حقوق الإنسان، بحيث يمتد هذا الموج الثقافي/الحقوقي ليتجاوز الأطر التقليدية لهذه المكتبة ليصل إلى ضفاف المجتمع المحلي المحيط ـ والذي سبق وأن تحدثنا عن أهميته ـ من أندية وجمعيات ومراكز شبابية وثقافية ودور عبادة وما إلى ذلك.

من دون شك، فإن المكتبات بيئة تعليمية يمكن استثمارها لفهم أفضل لمسألة الحقوق، فعندما نتحدث على سبيل المثال عن الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات (IFLA)، فإنه ينظر إلى المكتبات بوصفها رافداً من روافد حق التعليم للجميع، وذلك بتأكيده على مبدأ «تكافؤ الفرص التعليمية» في تقديم خدمات مركز مصادر التعلم بصورة متكافئة لكل منتسبي المدرسة، بغض النظر عن العمر والعرق والجنس والدين والجنسية واللغة والحالة الاجتماعية والمهنية، وبالأخص لغير القادرين ـ أي الأشخاص من ذوي الإعاقة ـ على استخدام المكتبة، والوصول إلى خدماتها ومصادرها، وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعدم تبعيتها أو إخضاعها لأي توجه فكري أو سياسي أو ديني أو مذهبي أو تجاري أو إعلامي وما شابه ذلك.

في واقع الأمر، نجد أن مقترح «المكتبة الأممية لحقوق الإنسان» بالمدارس سيساهم في إيجاد نوع من التكامل في معرفة الطلبة بمبادئ حقوق الإنسان من خلالها تمثلها في الحقل التربوي، فها هي منظمة العفو الدولية تطرح ضمن منهج التربية على حقوق الإنسان الذي يتخطى أطر وحواجز الصفوف الدراسية ليصل إلى جميع مناحي وفضاءات الحياة المدرسية مفهوم «المنهج المدرسي الكلي»، وهو منهج تكاملي، أو المنهج الذي يقوم على الحقوق، بحيث يشارك جميع أفراد المجتمع المدرسي في خلق بيئة يتم فيها تعلّم حقوق الإنسان وتعليمها وممارستها واحترامها والدفاع عنها وتعزيزها.

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3482 - الإثنين 19 مارس 2012م الموافق 26 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:57 ص

      طابت أوقاتك يا أستاذ فاضل

      منظومات أُممّية إنسانيّة حُقوقية ....
      تسير وفق مزاج "السياسة" الدُوليّة.
      و الذي يتحكّم في السياسة هو "المال".

اقرأ ايضاً