العدد 3531 - الإثنين 07 مايو 2012م الموافق 16 جمادى الآخرة 1433هـ

رحيل المؤسس الأول للمكتبات العامة في البحرين

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

فقدت البحرين برحيل المغفور له الأستاذ محمد حسن صنقور أحد رجالاتها الذين بذلوا عطاء مميزاً في حياتهم. ويعد الفقيد المؤسس الأول لحركة المكتبات العامة في البحرين وإن كان قد سبقه في هذا المجال الأستاذ عبدالكريم العليوات والأستاذ أحمد السني، إلا أنهما خدما في مجال المكتبات لفترة محدودة لا تقاس بالفترة التي عمل فيها الفقيد على مدى أكثر من أربعين عاماً أي من العام 1947م حتى منتصف العام 1988م.

لقد تعرفت علية لأول مرة في العام 1973م حين كنت مدرساً للغة الانجليزية بمدرسة مدينة عيسى الثانوية حين استدعاني مدير المدرسة آنذاك مصطفى جعفر وعرض عليّ وظيفة أمين مكتبة المنامة العامة باعتبار الشروط المطلوبة لتلك الوظيفة تنطبق عليّ ومنها أن يكون بحريني الجنسية، ويحمل مؤهلاً جامعياً، ويتقن اللغة الانجليزية ولديه إلمام لا بأس به من الثقافة، وقال لي: غداً ستقابل محمد صنقور مراقب المكتبات العامة حينذاك، مدير إدارة المكتبات العامة فيما بعد.

كانت المقابلة مع صنقور أكثر من ممتازة فبعد أن طرح عليّ العديد من الأسئلة قال: أنت خير من يتولى هذا المنصب، وقد تم نقلي للعمل بالمكتبة العامة اعتباراً من العام 1973م. ولقد جنيت الكثير من وراء عملي برفقته فقد كان رحمه الله معروفاً لدى الجميع في البحرين ومنهم الوزراء والمسئولون وكبار موظفي الدولة والكتاب والمثقفون، ما جعلني ارتبط بصداقات مع أولئك المسئولين والأدباء والكتاب حتى يومنا هذا.

كان دمث الخلق، متواضعاً، على درجة كبيرة من العلم والثقافة، وكان حاضر البديهة، محباً للقراءة والاطلاع، لدرجة أنه كان يقضي الكثير من وقته في القراءة والبحث، ما جعله أحد أكبر المثقفين في البحرين. وكان يتردد على زيارته في مكتبه وبصورة مستمرة مجموعة من رجالات البحرين أتذكر منهم: علي محمد فخرو، حسن جواد الجشي، محمود المردي، محمد قاسم الشيراوي، إبراهيم العريض، جليل إبراهيم العريض، وخليل المريخي، والكثير من الأدباء وكتاب الحداثة آنذاك ومنهم: علوي الهاشمي، وقاسم حداد الذي عمل بالمكتبة العامة، وخلف أحمد خلف، ومحمد الماجد وغيرهم، إضافة إلى صلته مع الكثيرين من البسطاء من عامة الناس.

عمل رحمه الله في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين على إدخال مشاريع تصويرية لخدمة الثقافة، وكانت ثقته بي جعلتني أتولى تنفيذ الكثير من المشاريع التي تصب في تطوير الخدمات المكتبية، وبخاصة أنه اختارني رئيساً لأمناء المكتبات العامة وهي الوظيفة التي تلي المدير مباشرة. وكانت مشاريعه في عقدي السبعينيات والثمانينيات هي سبب بروزي شخصياً على الساحة الثقافية، ما يعني أنني مدان له في هذا المجال.

ومن بين مشاريعه التطويرية افتتاح مكتبة فرعية للمكتبة العامة بالمنامة وهي مكتبة المحرق العامة العام 1969م، وتأسيس مكتبة مدينة عيسى العامة العام 1971م. وفي العام 1971م أسس رحمه الله المكتبة المتنقلة للتطواف على مدن البحرين وقراها لإعارة الكتب فاستمرت هذه التجربة حتى العام 1976م حيت تم افتتاح أربع مكتبات عامة في أربع مناطق مختلفة من البلاد هي: سترة، الرفاع الشرقي، جدحفص، والحد، ما أدى إلى الاستغناء عن المكتبة المتنقلة. وأكمل مشاريعه بتأسيس مكتبة عراد العام 1979م.

وجد في أواسط السبعينيات من القرن العشرين افتقار المدارس إلى مكتبات مدرسية فطلب مني أن أضع خطة لإدخال خدمة المكتبة المدرسية المتنقلة على غرار المكتبة العامة المتنقلة. وتم تدشين المكتبة المدرسية المتنقلة العام 1975م لتقوم بالتطواف على المدارس التي لا توجد بها مكتبات مدرسية. واستمرت هذه الخدمة حتى العام 1981م حيث تم تحديث وتأسيس المكتبات بجميع المدارس على يدي وزير التربية والتعليم آنذاك علي محمد فخرو.

كانت له تجربة فريدة من نوعها تتمثل في إعداد عربات صغيرة (ترولي) توضع عليها الكتب وتطوف الأحياء بمدينة المنامة لإعارة الكتب على الأهالي وذلك في العام 1976م رغبة منه في إيصال الكتاب إلى المواطن البحريني بمختلف السبل. وقد دشن هذه التجربة وزير التربية والتعليم آنذاك الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة، إلا أن هذه التجربة مع ما تحمله من أهداف ثقافية رائدة لم تنجح، فتوقفت خدمات العربات المتنقلة في العام نفسه 1976م. كما عمل على افتتاح فرع لمكتبة المنامة العامة بمجمع السلمانية الطبي يقدم خدماته للمرضى والعاملين بالمستشفى من أطباء وممرضين وموظفين وعاملين. وقد استمر هذا الفرع في تقديم خدماته قرابة خمسة أعوام متتالية اعتباراً من أوائل ثمانينيات القرن العشرين.

عرضت عليه رحمه الله فكرة تنظيم معارض الكتب فتحمس للفكرة وعملنا معاً على تنظيم أول معرض كتاب بمفهومه الحديث في تاريخ البحرين الثقافي وذلك في العام 1976م، وأطلقنا عليه معرض الكتاب العربي الأول حيث نظم في قاعة القسم الداخلي المجاورة للمكتبة العامة بالمنامة. ثم تطورت هذه الفكرة بدءاً من العام 1978م حيث تم تنظيم معرض البحرين الدولي الأول للكتاب، وهو المعرض الذي تحملت مسئوليته بعد إحالته على التقاعد.

لم تقتصر خدماته على تطوير المكتبات العامة فقط، وإنما أخذ يتطلع إلى نشر مفهوم الثقافة بكل أبعادها، فاتجه إلى تأسيس أول جمعية للموسيقى كان مقرها مبنى مكتبة المنامة العامة، وانضم إلى هذه الجمعية أبان تأسيسها الكثير من محبي فن الموسيقى. وبعد أن قوي عود الجمعية تركها ليتولاها مجموعة من الموسيقيين والمهتمين بالشأن الموسيقي.

ويعد صنقور المؤسس الأول لجمعية (بيت الحكمة) للمتقاعدين، حيث عرض الفكرة على مجموعة من المسئولين بالدولة، وتمكن مع رفاقه من تأسيس أول جمعية للمتقاعدين في المنطقة.

لقد كان مبدعاً بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وكان من طلائع رواد نشر الثقافة في البحرين، وقدم جهوداً مضنية في فترة كان فيها كأنه ينحت في الصخر، إلا أنه على رغم ذلك لم ينل التكريم الذي يناسب عطاءه وجهوده التي بذلها في حياته بدءاً من عمله مترجماً للأخبار التي تذيعها «البحرين اللاسلكية» آنذاك حيث يترجم أخبار محطة الـ «بي بي سي» من الانجليزية إلى العربية، إلى عمله مدرساً، ومديراً للمكتبات العامة، ومؤسساً لبعض جمعيات المجتمع المدني، ما يجعل المطالبة بتكريمه من قبل الجهات الرسمية والأهلية من الأمور التي تجعلنا جميعاً نشعر برد الجميل لمن أحب وطنه وخدمه بأمانة وإخلاص، وتلك هي الشيم والقيم العربية الأصيلة.

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 3531 - الإثنين 07 مايو 2012م الموافق 16 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:14 م

      ناس بنت وناس أكلت الثمرة

      ناس تبني وناس تأكل الثمرة هذا دأب الباني وهذا دأب الجاني

    • زائر 4 | 7:45 ص

      R.I.P grandpa

      Great individual. We will always remember you

    • زائر 3 | 2:24 ص

      الى رحمة الله أبا خالد

      قد فجعنا برحيله اللهم ارحمه واغفر له وانزل على اهله الصبر والسلوان

اقرأ ايضاً