العدد 3553 - الثلثاء 29 مايو 2012م الموافق 08 رجب 1433هـ

أدب الكلمة

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في البدء جاءت الكلمة لتبدد الصمت البشري، فأصبحت وحدها لغة التواصل بالعالم من حولنا، لتبدأ معها قصتنا حتى تنتهي، بالكلمة وحدها نعبر عما نريد، نفصح عما نعاني وما نشعر به بل ما الذي نود أن نقوله للآخرين، نلجأ للكلمة حينما تستدعي الحاجة والموقف للنطق بها لتؤدي غرضها لا لتؤذي من حولنا وإلا فالصمت أجدى.

للكلمة أهميتها وتأثيرها المباشر في صيرورة العلاقات الإنسانية، لذا وردت لفظ كلمة في القرآن الكريم 21 مرة في 20 آية منها فعلى سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون» (آل عمران /64 ) و«ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء» (إبراهيم / 24 ) و«ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار» (إبراهيم/ 26 ) و«لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون» (سورة المؤمنون/ 100 ) لذا شدد سبحانه وتعالى على القول الحسن لقوله تعالى «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...» (الإسراء/ 53 ) وهذا يتضح جلياً في توصية الخالق جل وعلا لنبيه موسى وأخيه هارون عند دعوتهما لفرعون و أمر بمخاطبته باللين لان الدعوة الخيرة والبشارة لا يصلح معها إلا القول المهذب الراقي لذا وحدهم هم عباد الرحمن الذين لا يردون إساءة القول بمثله «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما» (الفرقان/ 63 ).

تقاس الكلمة بسموها ومفادها لذا جاء ترادفها بلفظ الأدب ليعطيها مدلولا للقياس الذي اختلف باختلاف الأمم والزمان، ففي العصر الإسلامي يرد فعل أدّب بمعنى «هذَّب وعلم»، وفقا لما جاء في حديث النبي (ص ) «أَدّبني ربي فأحسن تأديبي» وتدرجت في المفهوم وفقا لما يشير إليه شوقي ضيف: «كلمة «أدب» من الكلمات التي تطور معناها بتطور حياة الأمة العربية وانتقالها من دور البداوة إلى أدوار الحضارة، وقد اختلفت عليها معان متقاربة حتى أخذت معناها الذي يتبادر إلى أذهاننا اليوم وهو الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين سواء أكان من الشعر أم من النثر.

الكلمة تقرأ أحيانا وتكتب أحيانا أخرى وكلاهما سيان، فالقول فن والتعبير فن نابع من موهبة أصيلة، وثقافة رفيعة، وتفكير حصيف، وحسّ مرهف، وخيال مبدع، ولغة سليمة، وعبارة رشيقة، وأسلوب لبق راقٍ، فالناس تقرأ الكلمة لكي تستمتع في التعرف على آراء وتجارب وذوات الآخرين عن قرب. تقرأ لكي تتعرف على عوالم تجهلها، تقرأ من اجل أن تجد من يعبر عن ذاتها فيما لا تستطيع التعبير عنه، أو فهم مواقف تعجز عن فهمها. و تقرأ لكي تستنير بأفكار من تعتبرهم مثقفين ويدعون للإصلاح السياسي ويتصدون للنقد الاجتماعي، ناس يقرأون لا لكي تهان وتمس عقيدتهم مواقفهم في الحياة بأبشع النعوت والصفات. فمن يدعي نفسه صاحب قلم عليه أن يكون قادراً على التحكم في اختيار الألفاظ ولا يمعن في الأذى واختيار أقسى الكلمات وهو يعلم اشد العلم بأنه يحفر جرحاً؛ لان الكلمة القاسية اشد وقعا من حد السيف والسوط، لكننا نرى من حولنا من يتمادى ولا يزيده ذلك إلا سفها وشططاً على الآخرين كالذي تحكمت فيه الجاهلية وأخذته العزة بالإثم. فكفى فلستَ وحدك في الوطن.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 3553 - الثلثاء 29 مايو 2012م الموافق 08 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:54 ص

      ،

      و قال غابرييل غارسيا ماركيز:
      لنتعلم الكلمات بلا إهانات، ولنبذل جهداً كي يحترم أحدنا الآخر، لأننا سنفترق في الأخير.

اقرأ ايضاً