عينُ الإنسان التي لا تنام. تلك هي الكاميرا التي أضحت كالهواء، في كل مكان. بدءًاً من الهاتف المحمول، مروراً بالشوارع، والمحلات، والمكاتب، والمساجد، والمجمعات التجارية، والمطارات، إلى المتاحف، والمنازل والمرافق العامة... إذ باتت الكاميرا الجهاز الأكثر مراقبةً لحياة الفرد، والأكثر شراسةً في اقتحام خصوصياته. والكاميرا كأية آلةٍ، أو كأية ظاهرة لا تخلو من الإيجابيات والسلبيات، وسنتناول علاقتها بخصوصية الفرد باعتبارها تهديداً لأمن الفرد الشخصي.
بمجرد الالتفات عن يمينك أو شمالك ستجد كاميرا تراقبك، تراقب تصرفاتك، وحركاتك وسكناتك، والبعض منها باستطاعته مراقبة كلامك، وأنت بدورك كمراقَب ستحاول الظهور بقناع المثالية «الذي يجرد الواقع من قيمته ومن معناه ومن حقيقته» أمام هذا الجهاز الدائم النظر إليك كما يقول نيتشه.
ومن الناحية السلوكية تؤثر الكاميرا بشكل شعوري أو لا شعوري على سلوكياتك؛ ففي العمل لا تود أن ترتكب أية زلة باستطاعة الكاميرا رصدها، أو أنك ستنتبه لكل تصرفاتك السلبية منها والإيجابية، الصادرة عنك. هذا ما ينعكس للوهلة الأولى على سلوكك عند انتهاء العمل، فما أن تعود إلى منزلك حتى تشعر بأن الكاميرا لا تزال تراقبك، وأنك تتصرف على أساس وجود الكاميرا التي راقبتك طوال ساعات العمل دون أن يرف لها جفن!
ليس من أحدٍ يمتلك خصوصيةً أمام الكاميرا، إذ بالإضافة إلى مراقبة الكاميرا؛ هنالك إنسان خلف الشاشة لا يخلو من غريزة التلصص على الآخرين، ومن ذا الذي لا يمتلك أو يندفع أو يكبح مثل هذه الغرائز الفضولية فيه؟
في رواية (1984) للروائي جورج أورويل كان الحزب «يحصي على الناس أنفاسهم ويحول العلاقات الإنسانية والحب والزواج والعمل والأسرة إلى علاقات مراقَبَة تجرد الناس من أي تفرد «فلم يكن للإنسان أية خصوصية، حتى في أكثر العلاقات حميمية، كانت عينُ الأخ الأكبر تراقب».
يمكن اعتبار الأخ الأكبر بمثابة الكاميرا، فالحياة اليومية لنا مسجلة على عشرات إن لم يكن مئات الكاميرات المنتشرة في الشوارع والمرافق والمجمعات وكل مكان، كاميرات المطاعم تراقب طريقة أكلك، كاميرات المرافق العامة تتابع خطواتك، كاميرات المنازل تتابع دخولك وخروجك، كاميرات المجمعات التجارية تراقب اختياراتك، كاميرات العمل تتابع سلوكياتك...
وأنت أمام هذا الكم الهائل من الكاميرات مطالب بأمرين؛ فإما التجاهل ومتابعة الحياة بسجيتك، أو ارتداء الأقنعة ونزعها عنك حينما تجدُ مأمناً آمناً من هذا الكم الهائل من الرقابة. وفي الحالة الأولى ستجدُ نفسك تستغربُ من نفسك! وستكرر قول رولان بارت: «أنا الذي لا يتطابق أبداً مع صورتي» وإذا التجأت للخيار الثاني، وارتديت الأقنعة ستتعب من فعل ذلك، فالكاميرات لا تتعب من التصوير!
هذا الانتهاك لخصوصياتك باستطاعة السلطات استثماره في كل صغيرةٍ وكبيرة تصدر عنك، كما أن الكاميرا من أهم أدوات التجسس على صعيد الجاسوسية، ولهذا لم يتوقف عقل الإنسان عن ابتكار كل الأشكال الدقيقة لهذه الآلة، ولم يتوقف عن الاجتهاد لخلق كاميرا لا يمكن اكتشافها، أو بأحجام لا يمكن تصورها!
العدد 3570 - الجمعة 15 يونيو 2012م الموافق 25 رجب 1433هـ
احد اصدقائك
مقال حلو وجميل\\r\\nبالتوفيق انشالله في مقالات قادمة
احد اصدقائك
مقال حلو وجميل
بالتوفيق انشالله في مقالات قادمة
الجنون فعلاً... أمر صحيح!
في الحقيقة المسألة تجلبُ الجنون بالفعل.. عن نفسي، لا أستوعب كاميرا تراقبني طوال ساعات العمل، أو في المرافق العامة.. أو في أي مكان،، بتُ أخافُ من الكاميرا، وأبحثُ عنها دائماً حتى عند دخولي للحمامات العامة، أو الأماكن الخاصة!! لا أعتقد بأننا بمأمن، حتى الأمن الذي تعتقد بأمانه وخلوه من الكاميرات، أصبح من المحتمل أن تجد فيه كاميرا!! وهذا ما اتضح لنا في الأونة الأخيرة!!!
تحياتي
شكرا جريدة الوسط موضوع رائع .. و شي يشعرني بلجنون
موضوع رائع و اعجبني, بصراحة يحس الواحد كانه محسوب علية جرة النفس لا يستطيع الانسان ان يعيش و حتى في منزلة يشعر بلقلق يحس ان مراقب من كثر ما ان في الخارج في العمل او في المجمعات و غيرها من الاماكن يحس الانسان بلجنون حتى في منزلة يعتقد انه مراقب , لكن عندي شي يحيرني و اريد من جريدة الوسط ان تكتب موضوع عن الكامرات هل يستطيع شخص ان يراني و مثلا من وراء حديد ؟؟؟ لا تستغربون اريد جواب سوف اجن