العدد 3573 - الإثنين 18 يونيو 2012م الموافق 28 رجب 1433هـ

محاكمة صاحب العبوة القاتلة

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ذات صباح وأمام ملايين المتجمهرين من جميع أنحاء العالم عُقدت بكل شفافية ومهنية محاكمة أصحاب غاز عبوة مسيل الدموع. وقد اتضح بعد البحث والتحري الدقيق بأدلة جنائية موثقة (وليست ملفقة)؛ بأن المتهمين في هذه القضية، وبالمناسبة هي ليست كيدية، هما السيدان الأميركيان، كالعادة، (بن كورسون، وروغر ستوتون). وقد احتجّ المخترعين للغاز الذي تم إضافة شيء من التوابل والبهارات الملقية الشرقية، وليس الهندية، من أجل مزيد من النكهة الحومية ضد أعتى قوى المعارضة العربية؛ بأنهما غير مذنبان فيما اخترعا لأنهما أصحاب علم وليس جهل، والعهدة في سوء الاستخدام تكون على الجاهل فيما يفعل بعلم العالم.

بل إن المتهمين في محضر دفاعهما عن أنفسهما بحصانة دولية، وقررا رفع شكوى ضد جميع المتظاهرين الذين تضرروا من هذا الغاز ومنتجاته لأنهم، بحسب ادعاء المتهمين، بدأوا باختراع مضادات لتفادي ضرر الغازات ما عطل قوة المخترع الأصل وقلل من فعاليته فتدنى سعره قليلاً. وقد ضمنوا حيثيات شكواهم المضادة والكيدية، تبرير غريب وهو أن اختراع المتظاهرين هو غير شرعي وغير مسجل دولياً ولا عربياً. ومن تلك الاختراعات الشبابية، كما اعترف أحد الشباب الذين اخترعوا المادة، مادة بسيطة ترش على الوجه الذي استنشق الغاز المسيل للدموع فيشفى تماماً، أو أن يرشّ على أي كمامة من قماش أو ما شابه فتقوم هذه المادة بتفتيت ذرات الغاز الخانق والمسيل للدموع فلا يصل إلى العيون مباشرة أو الفم. وقدم المتهمان، بهدف تحويل محاكتهما إلى محاكمة للمتظاهرين، بتقديم بلاغ ضد الناس المتظاهرين متضمناً شرحاً وافياً للاختراع الشبابي المضاد للغاز القاتل. فقالا إن هذه المادة الشبابية مكونة من 5 في المئة خميرة بيرة، و95 في المئة ماء، ويتم وضع هذا الخليط فى زجاجة ويتم رجّها جيداً ومن ثم ترشّ على الوجه أو على الكمامة.

إلا أن دعوى هذين المتهمين الأميركيين تم الرد عليها من قبل محامي الدفاع العرب وبعض الأجانب الأصدقاء. فهذا الغاز الذي قام المدعوان (بن كورسون، و روغر ستوتون)، باختراعه العام 1928، يثبت بالدليل القاطع الذي أكداها على نفسيهما أنهما السبب فيما يجري للعالم اليوم من مآسٍ إنسانية نتيجة استخدامه المفرط في الربيع العربي. فالغاز اشتق اسمه (سي إس) من الحرفين الأولين من اسمي عائلتي المكتشفين. والدليل الثاني أنهما في البداية استخدما هذه الغازات السامة على الحيوانات كحقل تجارب، واليوم بعض البشر هنا صاروا حقل تجارب، فلم تؤثر فيها نظراً لقنواتها الدمعية الأقل تطوراً، ولأن الفراء كذلك يشكل نوعاً من الحماية لها. فقام أهل الشرّ بتطوير هذه المادة وأجريت عليها التجارب سرّاً في حقل تجارب في منطقة سرية بإنجلترا تابعة إلى الجيش البريطاني استُخدمت في تجربة الأسلحة الكيماوية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. كما أن الدليل الثالث والذي لا يقبل الشك، أن هذين الكيميائيين اللذين اكتشفا المادة، وصفا آثار المسحوق الجاف بأنها «كارثية»، وهذا تصريح من مكتشفيها وليس من بوق معارض كما يمكن أن يُدعى.

كما أضاف محامو الدفاع بأن الغاز المسيل للدموع أو الغاز المدمّع واسمه العلمي (غاز Malotrinilode Chlorobenzylidene) يعد من الوسائل القديمة المستخدمة في السيطرة على الاحتجاجات المدنية وفض التجمعات الاحتجاجية، مهما كانت مطالبها محقة وحضارية سلمية. ويتكون الغاز المدمّع من رذاذ الفلفل الأسود وثلاثة مواد كيميائية يرمز لها اختصاراًَ بالحروف (CN) و(CR) و(CS). قامت بصنعه شركة بريطانية في خمسينيات القرن العشرين وأضافته للغاز الأصل للمخترعين الأميركيين.

إلا أن رد المتهمين على هذه المعلومات العلمية المؤكدة أن المصادر التاريخية تُرجع استخدام الغاز المسيل للدموع إلى نحو ألف سنة خلت، وتشير إلى سبق الصينيين في هذا المجال بإفقاد أعدائهم الرؤية بقذفهم بالفلفل المطحون المغلف بأوراق قش الأرز. كما مثّل شيوع استعمال الشرطة والقوى الأمنية لقنابل الغازات المسيلة للدموع، في تفريق مظاهرات سياسية خلال السنوات الأخيرة، قاسماً مشتركاً بين دول توصف بالديمقراطية وأخرى تنعت بالدكتاتورية، فما ذنبنا نحن، أردف المتهمان.

وهنا لفت نظر الجميع في آخر صف من صفوف تلك الجماهير المحتشدة لمشاهدة محاكمة العصر؛ شاب يضع يديه على فمه وهو يسعل بشدة ويتنفس بصعوبة شديدة وعيناه جاحظتان وتبدو مصابة بشيء ما، يشاهده الحضور وهو يرفع يده بصعوبة ليشير إلى المتهمين الواقفين في قفص الاتهام ويدلي بشهادته فيما يرى ويسمع قائلاً: أنتم تحاكمون الجهة الخطأ، فهؤلاء قد اخترعوا وماتوا وأكلهم الدود كما سيأكل طُلاب المال والدنيا والكراسي؛ لكن المطلوب الآن هو المحاكمة والقصاص ممن يبيع هذا السلاح ومن يستخدمه ضد... وفجأة حدث خلل في جهاز التلفاز وثم التشويش عليه نهائياً فلم نُعد نسمع ما يقول رغم أنه ما زال يتكلم ومازالت المحاكمة مستمرة...

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3573 - الإثنين 18 يونيو 2012م الموافق 28 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:23 ص

      فلفل مطحون

      لا اعرف ماذا يضير الناس لو استنشقوا فلفل مطحون بنكهات محلية بزار وفلفا اسود ومسمار = معبوج هذا اصلا يفيد للنزلات الشتوية والمعوية _ ياجماعة العرب فى طريقهم للزوال من قاموس الحضارة

    • زائر 6 | 5:00 ص

      لا تحاتي اخي

      ستاتي المحاكمة
      و هل يضيع مع الله حق

    • زائر 5 | 3:59 ص

      الجديد؟

      شكرا للمعلومات القيمة ولكن ماهى الوسائل الجديدة للتصدى للاحتجاجات ؟ افدنا افادك الله

اقرأ ايضاً