العدد 3681 - الخميس 04 أكتوبر 2012م الموافق 18 ذي القعدة 1433هـ

الروح والحسد

نهاد نبيل الشيراوي comments [at] alwasatnews.com

استشارية العناية المركزة والأمراض الصدرية

علوم الطب قديمة قدم الإنسان نفسه، فلا حياة بلا علة أو مرض لم يستطع - حتى الإنسان البدائي البسيط - أن يقف مكتوف الأيدي أمامها بغير أن يحاول التفكير والاستنباط واختراع حلول وطرق لمواجهة هذا (البعبع) الذي اعتبره (روحاً شريرة) حيناً أو (شيطاناً) يتلبسه أحياناً أخرى.

كانت المجتمعات القديمة تنظر للمرض نظرة مختلفة كل الاختلاف عما نراه نحن الآن في عصر الطب الحديث المبني على الأدلة والبراهين (Evidence-based Medicine). هذه النظرة الروحانية جعلت من المرض اما روحاً شريرة، أو سوء نية، أو سحر كهنة وعرافين، أو تدخلا إلهيا بالخير أو الشر. ولأن المرض في ذلك الوقت اعتبر عرضاً جسدياً لاعتلال الروح، كان المريض يؤخذ للمشعوذ أو (الشامان) الذي قد يكون ساحراً أو عرافاً أو كاهناً، ويعتبر وسيطاً بين عالم الجسد وعالم الروح، فيعالج المريض عن طريق الرقية والتعويذات والتمائم التي تدخله عالم النشوة الروحانية منفصلاً عن عالم الجسد الفاني، والهدف من هذا كله هو إبعاد الأرواح الشريرة أو استرضاء الالهة التي يعتقد بأنها المسئولة عن السقم والمرض.

أظهرت الرسومات القديمة على جدران الكهوف صوراً لرجال ذوي شعور طويلة يلبسون أقنعة حيوانات ويقومون بشعائر دينية تشمل رقصات مميزة بهدف طرد الأرواح الشريرة أو طلب رضاء الالهة وهم في الغالب كهنة أومشعوذون ويطلق على أحدهم (الشامان). لكن (الشامانات) اكتسبوا - بالإضافة إلى دورهم كوسطاء روحيين - مهارة تعديل العظام المكسورة واستخدام العلاجات العشبية، ويبدو هذا جلياً في كتب الطب القديمة الخاصة بقدماء المصريين وبلاد الرافدين والإغريق.

لاتزال تقاليد الطب الشامانية تمارس حتى يومنا الحاضر في كثير من البقاع حول العالم، من التيبت ومنغوليا وكوريا والصين، إلى الإسكيمو وسكان أميركا الجنوبية الأصليين، حتى القبائل المنتشرة في قارة افريقيا. وعلى رغم أن الكنيسة المسيحية اعتبرت العرافة من الأعمال الشيطانية، وشجبتها عاملة على تدميرها وإنهاء طقوسها، إلا أن بعض القبائل في الأميركيتين مازالت تمارس طقوساً تجمع بين الكهانة والمعالجة بالأعشاب والتي غالباً ما تكون مبنية على الطقوس والتقاليد الروحانية الشامانية القديمة. كما لاتزال بعض مناطق التيبت مثل (لاداك)، يمارس فيها هذا النوع من العلاجات عن طريق كهنة بوذيين أغلبهم من النساء. لا يعتمد هذا النوع من التداوي على أساس علمي بقدر ما يعتمد على جعل المريض يعتقد اعتقاداً راسخاً بالقدرة على الشفاء عن طريق خلق اتصال بين الروح والجسد، وهو ما يسميه الطب الحديث (تأثير الدواء الوهمي) أو (Placebo Effect).

مما سبق نرى انه ومنذ عصور الطب الأولى هناك ارتباط وثيق بين الروح بما تحمله من قيم وأخلاق وخير وشر وبين الجسد بما يمثله من مادة ملموسة محسوسة. كما ان الأطباء الأوائل كانوا يمثلون أعلى الهرم المجتمعي وخاصة عند الفراعنة حيث كان كبير الأطباء هو الكاهن الذي أصبحت المقامات المقدسة المصاحبة لعبادته مراكز للعلاج والمداواة. من كل هذا نرى العلاقة الوثيقة بين الطب والأخلاق والمبادئ الروحانية منذ قديم الزمان، واننا لسنا وحدنا من أدرك أهمية الالتزام بضوابط روحانية معينة في ممارسة التداوي، بل امتد هذا الإدراك لأجدادنا الأولين. إذاً، فالاتصال بين الروح والجسد، وبين الأخلاق والطب يبدو متوغلاً في القدم وكل ما فعلنا نحن اننا طورنا وجددنا المفاهيم القديمة بما يتناسب مع التطورات العلمية الحديثة في مجال الطب.

مثل كثير من الأمور في حياتنا، تحتاج الأخلاق الطبية إلى قوانين ومعاهدات تحكمها وتشرحها وتحللها ليلتزم بها الجميع، وإن كانت الأخلاق شيئا من الفطرة، إلا أن الفطرة البشرية لا تتساوى في خيرها وشرها، لذا وجدت القوانين لتلزم كل البشر جيدهم وسيئهم باحترام تلك العلاقة الفريدة بين الطبيب والمريض.

إقرأ أيضا لـ "نهاد نبيل الشيراوي"

العدد 3681 - الخميس 04 أكتوبر 2012م الموافق 18 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:12 ص

      مبرك دكتوره

      مبروك محبة الناس دكتوره وهذي أكبر نعمه الكل احبش دكتوره وانه اشوف انش تستاهلين هالمحبه وأكثر

    • زائر 4 | 12:36 م

      Nice talk

      Nice talk dr jehad, I really enjoy it

    • زائر 3 | 12:28 م

      نهاد

      دكتورة نهاد واجد حلوة

    • زائر 2 | 2:48 ص

      موضوع في غاية الأهمية

      تشكرات مصحوبة بوردات للدكتورة نهاد على هذا الموضوع، وللأسف دكتورة هالعادات السيئة التي ذكرتينها باتت منتشرة حتى في وطننا هنا تحت مسميات مختلفة ولإهداف معينة منها المال والتعدي الجنسي وغيرها الكثير.

    • زائر 1 | 1:41 ص

      للامام دوما

      صباحج ورد يا دكتورة و موضوع جداً حلو و مفيد سلمت اناملچ و الله يخليج دوم لنا و رفعتِ راس البحرين فوق يا اشرف الناس و حسافة اللي صادج انتي مع الطاقم الطبي ياريت نشوف مكانكم في السلمانيه مثل قبل و سلمتِ يابنت ديرتي

اقرأ ايضاً