العدد 3719 - الأحد 11 نوفمبر 2012م الموافق 26 ذي الحجة 1433هـ

الحراك الكويتي ومدلولاته خليجياً

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

الحراك الكويتي الجاري ليس نبتة شيطانية، وليس مؤامرةً إيرانية بالتأكيد، فقد عرف عن الكويتيين اعتدادهم بأنفسهم ووطنهم وتجربتهم الديمقراطية على علاتها.

ثم ان الشيعة في الكويت هم أقلية نسبية، ولا يُمارس التمييز ضدهم من قبل الدولة، نذكر هنا أن رئيس الأركان السابق اللواء المؤمن ووزير النفط الكاظمي ثم البغلي، هم وغيرهم من كبار المسئولين العسكريين والأمنيين والمدنيين والنواب شيعة، ولذا فهم متهمون تاريخياً بموالاة الحكم وآل الصباح، في مواجهة حملات ضارية ضدهم من قبل تيار السلف والاخوان وقيادات قبلية.

الحراك في الكويت اليوم هو امتداد لنضال شعب الكويت من أجل الديمقراطية والمشاركة الحقيقية في السلطة والثروة منذ حركة المجلس التشريعية في 1938 في عهد أحمد الجابر، وتواصلت في مسار حركة التحرر الخليجية والعربية، ووصلت إلى محطة مهمة بإصدار الدستور في 1962 أو قيام مجلس الأمة في فبراير/ شباط 1963 في عهد أب الديمقراطية الكويتية المرحوم عبدالله السالم الصباح. لكن الجميع يعرف أن المسار انحدر مع وفاة مؤسس التجربة الديمقراطية الكويتية عبدالله السالم في 1965، ليدشن صراع مستمر بين الحكم الذي عمد دائماً إلى العمل لتعديل الدستور العقدي، وتحجيم مجلس الأمة، واحتواء الديمقراطية الناشئة والشعب الذي يسعى للحفاظ على الدستور وتطوير الديمقراطية وتعزيز مكتسباتها. وفي هذا المسار المتعرج جرى تزوير الانتخابات في فبراير 1967.

وتغيير نظام الدوائر الانتخابية مراراً والتحكّم فيها وفي مكوناتها البشرية، وضرب مكونات المجتمع، الحضر ضد البدو، والمناطق الخارجية ضد المناطق الداخلية، والكويتيين الأصليين مقابل المتكوتين، والكويتيين ضد البدون. وجرى حل مجلس الأمة تكراراً عندما يستعصي على الحكم.

وجاء الربيع العربي لينهض الشباب الكويتي الذي سبق أن خاض معارك ناجحة في (نبيها خمسة)، أي التحول من نظام الدوائر الخمس والعشرين إلى نظام الدوائر الخمس، ومنح المرأة حقوقها السياسية، وفرض حق التظاهر والاعتصام والاحتجاج كأمر واقع. وكانت ساحة الإرادة مثلها مثل بعض الدوارات والميادين في بعض البلدان العربية، مركز الحراك خلال العامين الماضيين. وقد نجح هذا الحراك في جعل الأمير يحل وزارة الشيخ ناصر الصباح. وحلّ مجلس الأمة 2009 لتورط عدد من أعضائه في قضية الفساد الكبرى، وتم إجراء انتخابات نزيهة وحرة وشفافة وتنافسية في 1 فبراير 2011، ترتب عليها أغلبية معارضة لكنها عقلانية، طرحت الإصلاح الجذري وتطوير الدستور في إطار نظام الإمارة والتمسك بآل الصباح.

جماهير الخليج تفاءلت بالانتخابات الكويتية، وبالفعل فقد شارك العديد من النشطاء الديمقراطيين وجمعياتهم الخليجية في حضور الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات، وكانت بمثابة عرس ديمقراطي تعتز به الكويت، كما ساهمنا في مراجعة الانتخابات الكويتية التي كانت فخراً للكويت حكومةً ومعارضةً وشعباً. لكن يبدو أن هناك في الأسرة من يقدّم النصائح المسمومة لأمير دولة الكويت المعروف بحنكته واعتداله. كما أن هناك من الخليجيين من استشعر الخطر بنجاح التجربة الديمقراطية الكويتية، فقام بالتحريض ضد المعارضة الكويتية بمختلف تلاوينها والحراك الكويتي الشعبي. وللأسف فقد اندفع الحكم في الاتجاه الخطأ وذلك بحلّ المجلس المنتخب وتعديل قانون الانتخابات منفرداً في وجه معارضة شعبية واسعة. ودخلت البلاد في مواجهة لا سابق لها بين الحكم والشعب، في بلدٍ عرف عنه تاريخياً تلاحم الحكم والشعب، وكان الكويتيون يحسدون لما يتمتعون به من احترام من قبل حكومتهم بمن فيهم المعارضة.

مدلولات الحراك الكويتي كثيرة، لكن أهمها هو أنه مقابل اتجاه الحكومات في قمع واحتواء الحراك الجماهيري في بلدانهم، فإنّ هناك حراكاً خليجياً شعبياً بدرجاتٍ متفاوتةٍ، يطالب بالديمقراطية والإصلاحات الشاملة، والمشاركة في السلطة والثروة، نظام الملكية والسلطة أو الإمارة الدستورية الديمقراطية، واستطراداً إعادة بناء مجلس التعاون الخليجي ليعكس الإرادة والمصالح الشعبية، وعلى أسس ديمقراطية على غرار الاتحاد الأوروبي.

إنها فرصة لتعيد الكويت تنظيم بيتها الداخلي، ولم يفت الأوان للاستجابة للمطالب الشعبية والالتزام بروح الدستور الكويتي، وإلغاء التعديلات على قانون الانتخابات وإجرائها بحسب القانون القائم، وابتعاد العائلة عن الصراعات السياسية اليومية، مادام الشعب مجمعاً على قبولها كحكام وحكم. كما أنها فرصة للأنظمة في المنطقة لإعادة تقييم سياساتها القائمة على إنكار الواقع ومعاملة الشعوب كرعايا يجودون عليها بالمكرمات وليست شعوباً تمثل مصدر السلطات كما تنص الدساتير، وتربطها بهم علاقات تقوم على الاحترام المتبادل.

شعوب الخليج ليست جائعة للأكل ولكنها جائعة للكرامة والحرية. لقد استيقظت الشعوب العربية عامةً بعد الربيع العربي، ولم يفت الأوان بعد لمصالحة تاريخية وعقد اجتماعي جديد بين الشعوب والحكام.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3719 - الأحد 11 نوفمبر 2012م الموافق 26 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:29 ص

      مقال رائع ....تابع

      احيلك الي كلمة الاخ ابراهيم شريف التي تمت قرائتها امام المؤتمر العام وفيها نقد صريح للوفاق بالنسبه للموضوع السوري. وعليه فان عتابي عليكم هنا كما هو عتابي علي الاخ ابراهيم شريف والتجمع والمنبر لماذا هذا التحالف مع الوفاق اذا.
      اتباع الوفاق والوفاق نفسها وهذا مالمسته في المنديات وفي تعليقاتهم في الوسط (احيلك فقط علي تعليقاتهم علي الاستاذ محمد عبالله. يتبع

    • زائر 5 | 5:26 ص

      مقال رائع .... تابع

      استطيع ان اجزم ان معظم من نادا بالديمقراطيه والحريه وبمحاربة الفساد ومن ادعي ابتعاده عن الطائفيه في البحرين سقطو في اول امتحان وكان ذلك في موضوع سوريا وما ادراك بسوريا. سوريا الجريحه والمظلومه من قبلهم لاسباب طائفيه بغيضه في معضمها طائفيه مذهبيه وبعضها ذات مذهبيه سياسيه ومذهبية المصلحه وبعيده عن ابسط حقوق الانسان (هنا انا اتكلم عن الوفاق بالاخص) ثم اتي موضوع الكويت لتصبح السقطه الثانيه ولعلي احيلك الي كلمة الاخ ابراهيم شريف التي تمت قرائتها امام المؤتمر العام وفيها نقد صريح للوفاق. يتبع

    • زائر 4 | 5:22 ص

      مقال رائع جدا ولكن اين من يفقه

      استاذي الفاضل اشكرك علي المقال الرائع والحيادي وهويعبر عن بعد الكاتب عن الطائفيه السياسيه (انا متاكد عن بعده عن الطائفيه المذهبيه) والمجال هنا ليس بيان تاريخ ونضال الكاتب ومدحه فهو ليس في حاجه الي ذلك.
      الا انني اريد ان اتكلم عن شقين الاول يتعلق بتفكير ورويه الكاتب ومقارنة افكاره مع افكار من تحالف معهم او لتقل مع من وقف في صفهم في البحرين والثاني متعلق بفكر اتباع المعارضه او معظهمهم. يتبع اخوكم بوهاشم

    • زائر 3 | 4:29 ص

      هي مصالح الحكام يوما تجعلك خائنا لوطنك ويوما تجعلك وطنيا لا يختلف الكويتي عن البحريني

      من يطالب الحكام بحقه فلا بد ان يكون منبوذا والنبذ لا يأتي بلا قذف وشتم واخراج من الملّة والوطنية.
      الأهم من كل هذا وذاك ان تتوعى المجتمعات ولا تكون امعة في ايدي المتمصلحين
      والا فمن وقف ودافع عن الكويت ابان الغزو؟ وقف الشيعي مع السني صفا واحد ومن دون تفريق ولكنهم اليوم طرفان متناقضان لماذا ؟
      هنا ايضا نحتاج لقضية كبرى تهزّ وجدان الوطن باكمله حتى تعرف الحكومة ويعرف الاخوة السنة الذي يقفون ضد مطالب اخوتهم والحقيقة المطالب للجميع سيعرف الجميع ان الشيعة مع السنة صفا ضد اي خطر

    • زائر 2 | 2:24 ص

      كل شعوب العالم

      انشاالله كما ذكر صاحب التعليق رقم واحد بان الله يساعدنا على الوصول الى نيل الحريه على دم الشهدا وهوالقادر على ذلك.

    • زائر 1 | 12:06 ص

      شعوب الخليج

      شعوب الخليج ليست جائعة للأكل ... لسنا نتكلم عن قطيع اغنام لنهتم بما ناكل او نلبس ... ان الحرية فطرة من رب العباد ... ولن يفهم معناها الا شخص احب الحرية ..العبودية انواع ... ولكن الحرية نوع واحد لمن يعرفها

اقرأ ايضاً