العدد 3787 - الجمعة 18 يناير 2013م الموافق 06 ربيع الاول 1434هـ

ستة أشهر للحمار فقط

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يحكى في إحدى السلطنات القديمة أن السلطان كان شديد الحساسية تجاه الإزعاج وخصوصاً عند النوم، وكانت فترات نومه قصيرة بسبب مشاغل السلطنة الكثيرة ولاسيما ليلاً، ما جعله يسن قانوناً يمنع كل الباعة وأصحاب الخدمات العامة من المرور بقرب قصره. وحدث أن دخل عاصمة السلطنة بائع متجول يبيع الأقمشة بين المدن وهو راكب حماره، وصادف أن مر بقصر الحاكم وقت الظهيرة والأخير كان يأخذ قيلولته المعتادة. وكان الحمار قد شعر بالجوع والعطش لطول طريق الرحلة، فلم يصبر وأخذ ينهق بشكل أزعج من في القصر. فأمر الحاكم حرّاسه بالقبض على صاحب النهيق، أي الحمار ومن معه. فجيء بالرجل البائع المتجول وحماره الذي مازال ينهق من الجوع والعطش، فازداد السلطان انزعاجاً وأمر بسجن البائع وحماره في زنزانة واحدة. ولكن الحمار واصل نهيقه لأنه لم يعِ أو يفهم شيئاً مما حدث ومازال جائعاً. حتى توسل البائع أن يعطوا حماره شيئاً من الماء والطعام، وحدث ذلك على يد الحراس. إلا أن الحاكم قرّر أن يعاقب البائع وحماره على الإزعاج الذي سبباه له وحرماه من متعة قيلولة الظهيرة.

وفعلاً أصدر القاضي الحكم المعد سلفاً في ملفات مثل هذا الفعل غير المرخص والخارج عن القانون في تلك السلطنة. وكان الحكم يقضي بسجن البائع شهرين وترحيله عن الديرة، وسجن الحمار ستة أشهر عقاباً له على استعمال صوته المزعج في إقلاق راحة الناس. فنظر الحمار إلى القاضي ملياً وهو يسمع الحكم، ولأنه حمار فقد مُنع من التعليق على هذا الحكم. وبعد انقضاء مدة عقوبة البائع صاحب الحمار خرج وهو حزين، وما زاد في حزنه أنه أُبعد عن السلطنة التي يدخلها للمرة الأولى من دون حماره الذي عاش معه سنين طويلة. وعندما طالب البائع بالحمار قالوا له: عُد بعد أربعة أشهر وتسلم حمارك بعد أن يقضي عقوبته كاملة، لأن العدل هو أساس الحكم الرشيد هنا. وأضافوا: سوف يحصل على هدية مع الحمار بعد الإفراج عنه عبارة عن لجام كاتم للصوت حتى لا يعود المدعو حماره لإزعاج الناس الأشراف في أي مكان وزمان، وليتعلم الحمار أنه لم يخلق لإزعاج الناس. وبقي الحمار محبوساً وهو ينظر يومياً لنافذة السجن عله يسمع صوت صاحبه يناديه من وراء القضبان التي زُج فيها بسبب جرم لم يسمع عنه طوال حياته عبر كل أفراد سلالته الماضين.

هنا اعترض الولد الصغير على هذه الحكاية التي كان يرويها والده له قبل النوم قائلاً: أنا أشارك الحمار في صرخته ضد هذا الحكم القضائي الجائر. فقال الوالد: ولماذا يا عزيزي؟ فردّ الولد الصغير: لأن الحمار ليس هو المسئول عن وجوده في تلك السلطنة، ومع ذلك حصل على حكمٍ بالسجن أكثر من صاحب الحمار. ألم يعلم قاضي السلطنة الإنسان أن المحكوم عليه وهو الحمار ليس له ذنب؟ على الأقل لو كانوا منصفين، على رغم أني لا أؤيد قوانينهم، لسجنوا صاحب الحمار ستة أشهر وأطلقوا سراح الحمار لأنه لا يفهم سبب وجوده أساساً أمام قصر السلطنة. فردّ عليه والده: وهذا يا صغيري ما لم أكمله في القصة بعد، إذ إن صاحب الحمار عندما سألهم قبل إطلاق سراحه عن سبب هذا الحكم، قال القاضي إنهم لو سجنوا صاحب الحمار ستة أشهر وأطلقوا سراح الحمار أو سجنوه لشهرين مثلاً لحدثت مشكلة، وهي من سيهتم بأمور الحمار وتغذيته وتنظيفه خلال فترة حبس صاحبه. ولكن إذا أخذ الحمار المدة الأطول في السجن وخرج صاحبه قبله ستحلّ المشكلة لأن هناك من سيأتي لتسلم الحمار بعد إطلاق سراحه. وهنا ضحك الولد الصغير في وجه أبيه قائلاً: ولكن بهذا الحكم تكلفت خزينة السلطنة أموالاً أكثر مما لو أطلقت سراح الحمار من البداية لأنه بريء ولن يحرّك ساكناً ضد أي شخص، أي بفعل القاضي هذا صارت السلطنة هي المسئولة عن سكن الحمار وتغذيته طوال فترة ستة أشهر. فنظر الوالد لساعة يده وقال: حسناً يا بني! لقد انتهت لحظات الحكاية اليوم وجاء موعد النوم، تصبح على خير. وتمتم الوالد بضع كلمات وهو يخرج من غرفة ولده: يجب أن أعيد صياغة هذه الحكاية من جديد، فالولد قد كُبر وبدأ يفهم!

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3787 - الجمعة 18 يناير 2013م الموافق 06 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 11:38 ص

      عساك علي القوه

      مقال جميل

    • زائر 5 | 2:31 ص

      للأسف يا عزيزي حتى الحمير انقرضت من هالبلد

      تصدق هالكلام انه فعلا هذا ماحصل واتو ليحل مكان الحمير يقولون من جنس البني ادم ولكن اكثر أطاعه من الحمير لان ما ينهقون ويزعجون من استبدالهم بالحمير ولكن يضربون ويعدبون ابنا الشعب

    • زائر 1 | 9:37 م

      صبحك الله بالخير .. استاذي

      مع أني في الـ60 من عمري إلا ان القصة أعجبتني وواصلت النوم من الساعة 6 صباحاً مع أني خلصت نوم الليل .. شكراً لك وإلى قصة أخرى .. واتمنى ان تكون من كليلة ودمنة . لانني لا أستطيع قرائتها حالياً.

    • زائر 3 زائر 1 | 2:19 ص

      الله يعطيك طولت العمر عمي

      وفعلا اوافقك الرأي قصة ممتعة وذات مغزى.. شكرا للكاتب

اقرأ ايضاً