العدد 3797 - الإثنين 28 يناير 2013م الموافق 16 ربيع الاول 1434هـ

يا مال الشام ومالي ومالهم

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«شرب من نفس الكأس»، هذا المثل لشد ما ينطبق ليوم على المتناقضات في الساحتين العربية والدولية. فها هو الرئيس الفرنسي يصرًح بأن فرنسا ستبقى في مالي «كل الوقت الضروري من أجل دحر الإرهاب».

الآن فقط صار ما يحدث في شمال مالي على يد الجماعات الإسلامية والتكفيرية، التي أشرنا لها في مقال سابق، هو الإرهاب ولهذا يجب دعم الحكومة المالية الصديقة جداً لفرنسا والغرب، والأهم أنها لا تعادي ولا تحارب الكيان الصهيوني وإن كانت ظالمة.

أما في الشام فيجب هناك فقط دعم الإرهاب ضد الحكومات العربية وخصوصاً من يعلن منها أو يجرؤ أن يعلن عداءه للكيان الصهيوني ولا يرحب بالتدخل السافر في شئونها أو بالاستثمارات الغربية في بلاده.

ليس معني هذا أن جماعات الإرهاب في مالي التي تعمل باسم الإسلام تتبع الطريق الصحيح في نشر مبادئها، فلا يجب أن ننسى أن هذه الجماعات هي نتاج وتفريخ لنظام طاغية عربي آخر ولي سريعاً في ليبيا، وقد قام بجلب هذه الجماعات المالية ومعظمها من نطاق طوارق الصحاري الكبرى وعملوا لديه كمرتزقة برواتب عالية لقمع الشعب الليبي الذي لم يعي بعضه الدرس القذافي حتى اللحظة فترك حبل راحلته لتجرها القوى التركية والأميركية للجهاد في سورية، بدل فلسطين، باسم النصرة.

فماذا ننتظر من جماعات مسلحة تربت على يد القذافي وتشربت من مبادئه في محاربة الشعوب؟ والغريب، ولانحراف البوصلة عند الجمعيات الإسلامية العربية، نجدهم بعد أن وقفوا مع ثوار ليبيا الذين حاربوا نظام القذافي، وكان هؤلاء الماليون جزءاً أساسياً منه بأسلحتهم الحديثة التي سرقوها من مخازنه؛ عادوا اليوم ليقفوا مع هؤلاء المرتزقة الفارين من معسكرات القذافي بعد انهيار نظامه وليبرروا فعلتهم في بلادهم وبلاد غيرهم.

هناك في شمال مالي تشرب المنظومة الغربية الإمبريالية من نفس الكأس الذي أرغمت الشعب العربي على شربه في الشام، بتأييدها سراً وعلناً لأية جماعة إرهابية تعمل على تفتيت الأوطان وتخريب الديار أمام ضحك وشماتة العدو الصهيوني الذي قرّر المتشددون فيه مؤخراً تفجير قبة الصخرة في الحرم القدسي من أجل بناء «الهيكل» المزعوم. والأغرب وسط هذه الأجواء وبدل أن تسارع جمعياتنا العربية والبحرينية الإسلامية على الأقل، كما تعودنا منهم، لشجب التطرف الصهيوني والقيام بمناهضة هذا التصريح بأي شكل ترتئيه؛ سارعت هذه الجمعيات الإسلامية لشجب التدخل الفرنسي العسكري ضد الإرهابيين هناك، بإشارة الإصبع، في مالي معتبرين أنه حلقة جديدة في مسلسل الكيل بمكيالين الذي تنتهجه القوى الغربية في التعامل مع القضايا ذات البعد الإسلامي! وهم أخالهم صادقين أخيراً في هذا، بل وأضافوا أن تدخل الجيش الفرنسي في مالي هو تدخل سافر في شأن دولة مستقلة، ومخالف لكافة المواثيق والأعراف الدولية، التي تجرم اعتداء دولة على سلامة وأراضي دولة أخرى.

ولكن ماذا تسمي هذه الجمعيات التدخل السافر في شئون دول الشام العربية، أليس هو اللعب بنفس الكأس ذات المياه العكرة؟ بل وتعتقد بعض هذه الجمعيات أن سياسة فرنسا، التي نرفضها جملة وتفصيلاً في مالي كما نرفضها في بلادنا العربية، هي سياسة الكيل بمكيالين التي تتبعها الدول الغربية في التعامل مع قضايا العالمين العربي والإسلامي، وسبب هذا الاعتقاد يتركز فقط، بحسب وجهة نظر الجمعيات، في وقوف فرنسا منذ نحو عامين مكتوفة الأيدي أمام المجازر التي يرتكبها نظام الشام ضد شعبه الأعزل! فهل فعلاً فرنسا وأميركا وغيرهما وقفوا منذ نحو عامين مكتوفي الأيدي هناك، ولم يتدخلوا وليس لهم علاقة بمنظومة الصواريخ المنصوبة في تركيا ضد الشام ولا في تهريب السلاح سراً لمن هم على نفس خطا إرهابيي مالي، فالخط واحد من مالي إلى الشام. ولا ندري من يتدخل اليوم إذن في هذه المناطق إن لم يكن الغرب والحركة الصهيونية بكل قوتها السرية والعلنية السافرة.

وكما أيد بعض العرب التدخل الغربي في الشام، فهنا أيد بعض العرب التدخل الفرنسي في مالي، وهذا ما لم يعجب تلك الجمعيات فراحت تندد بموقف الجزائر والمغرب وغيرهما من الدول العربية التي أيدت هذا العدوان وقدمت تسهيلات لتنفيذه أو ساهمت في دفع فاتورة تلك الحرب التي تستهدف أرواح المسلمين.

وسبحان ربك رب العزة كيف يكشف عن سرائر الناس سريعاً بما يضربه لهم من الأمثال والتي لا يستوعبها، وإن كان مسلماً غيوراً، من ليس على قلوبهم أقفال فيعوا ما يدور حولهم وما تقترفه أيديهم ضد إخوانهم في الدم والدين والعرق والأرض والمصالح المشتركة لصالح قوى الشر الأوروبية والأميركية، بينما هم يتباكون على مالي وفرنسا.

ومعظم المحللين السياسيين يعلمون بأن تدخل فرنسا العسكري المباشر وتأييد الأوروبيين وأميركا بل ومجلس الأمن لهذا العمل العسكري، هو من باب ترتيب حماية المصالح والذود عنها، أي الخوف على مالهم وصنائعهم هناك وليس أي شىء آخر.

ولو كان بالشام صنائع مثل أولئك لسارعت فرنسا للوقوف معها ضد الإرهابيين كما في مالي. ويا مال الشام....عفواً النشيد السياسي ممنوع البتة.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3797 - الإثنين 28 يناير 2013م الموافق 16 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:09 ص

      عمى البصيره

      هم مبتلون بعمى البصيره والتعصب فقط

    • زائر 1 | 2:14 ص

      العجب من هؤلاء المدعّون انهم مسلمون وهم العوبة في يد الظالمين

      البعض من المسلمين الجهلاء اصبحوا بجهلهم سلاحا يتقاذفه الظلمة في كل مكان.
      يا جماعة انتم مسلمون ودماؤكم مقدسة ومحترمة فلماذا تقبلون ان تراق
      هكذا في كل شبر بدون داع الا دواعي الحكام الظلمة في كل مكان يستغلون الجهل والتخلف لدى فئة معينة من المسلمين ليجعلوهم قنابل تتفجر هنا وهناك في كل مكان لقتل اخوتهم في الدين والعقيدة

اقرأ ايضاً