العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ

خلافات بوش - شيراك على إدارة الصراعات الدولية

الأمم المتحدة في دورتها الـ 85

أحمد عباس الخزاعي comments [at] alwasatnews.com

أزمة الأمم المتحدة الحالية تتمثل في تدهور الوضع الأمني وتهديد السلم والأمن الدوليين وخلافات الدول الكبرى (فرنسا وألمانيا وروسيا) من جهة (وأميركا وبريطانيا من جهة أخرى) على إدارة الصراعات الدولية، وشرعية السياسة الأميركية لتطبيق استراتيجية الضربات الاجهاضية أو الوقائية ضد بلدان العالم الضعيفة. هذا الموضوع تطلب بحثا ملحا وجادا من المجتمع الدولي في الدورة الـ 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت منذ الأسبوعين الأول والثاني من سبتمبر/ أيلول. المشكلة تكمن في كيفية الحفاظ على السلام والأمن الدوليين في بيئة أمنية.

ادرج على جدول أعمال الدورة بصفة مبدئية 861 موضوعا يمكن اجمالها في خمسة مجالات رئيسية هي: السلام والأمن، التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الاصلاح ودور الأمم المتحدة، مسألة افريقيا، والشرق الاوسط وقضية فلسطين.

غيرت الهجمات الارهابية في 11 سبتمبر العام الماضي الوضع الأمني الدولي ومفهوم الأمن، واصبح الارهاب بفضل الجهود الأميركية موضوعا رئيسيا على جدول الأعمال إذ اعتبرته كثير من الدول تهديدا كبيرا للسلام والأمن الدوليين، وظهر مفهوم الأمن الجماعي بزعامة فرنسا وألمانيا وبلجيكا، ليرتبط أمن كل دولة برباط اوثق بالأمن الجماعي. ومن المتوقع ان يحصد الكفاح ضد الارهاب - على رغم عدم تضمينه كنقطة محددة في جدول الأعمال - الكثير من الاهتمام خلال المناقشة العامة التي ستدوم ثمانية ايام من تسعة. غير ان استراتيجية الضربات الاجهاضية التي اعلنها الرئيس بوش في يونيو/ حزيران هذا العام ستكون أكثر الموضوعات اثارة للجدل وتعرضا للانتقاد من دول العالم من بين القضايا المختلفة المرتبطة بالسلام والأمن. ذلك ان الولايات المتحدة في اعقاب انتصارها في الحملة العسكرية أفغانستان جعلت العراق هدفها الثاني في حربها ضد الارهاب. وتتهم إدارة بوش العراق بامتلاك أو السعي لامتلاك اسلحة الدمار الشامل قائلة انها تشكل تهديدا للأمن القومي للولايات المتحدة والدول الأخرى.

وتؤكد الولايات المتحدة ان مثل هذا التهديد لا يمكن ردعه، وبذلك فإن ضربة اجهاضية أو وقائية عسكرية ضد العراق تعد امرا لازما، ولكن هذه الاستراتيجية عارضتها كل الدول الأخرى تقريبا. ويرى كثيرون ان الولايات المتحدة لا تملك دليلا على تورط العراق في هجمات 11 سبتمبر، ولا تستطيع ان تثبت ان العراق يمتلك فعلا اسلحة دمار شامل. وحتى لو اثبتت انه يمتلك مثل هذه الاسلحة فإن الأمر يعود إلى مجلس الأمن الدولي ليقرر الاجراء الذي يجب اتخاذه. وتعتقد كثير من الدول ان استراتيجية الولايات المتحدة تتحدى مبدأ الدفاع عن النفس الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة وتهدد بالحاق الضرر بنظام الأمن الجماعي وهو أمر غير مقبول. ولكن الولايات المتحدة على رغم عزلتها في هذا الموضوع تعهدت بالمضي قدما في طريقها حتى إن تعين عليها ان تكون وحدها. وتشمل القضايا الأخرى التي تحظى بالتركيز في مجال السلام والأمن كيفية قيام الأمم المتحدة بالإدارة الفعالة لمهمات السلام التي تتولاها قوات متعددة الجنسيات.

ففي السنوات القليلة الماضية زادت قوات حفظ السلام المتعددة الجنسية بتفويض من مجلس الأمن الدولي، واصبحت جزءا ضروريا من الحفاظ على السلام الدولي. إلا أنه بسبب ما ثبت من عجز مجلس الأمن الدولي عن السيطرة الفعالة على كل مهمات حفظ السلام الدولية كان من الطبيعي ان تولد مثل هذه المهمات سببا للقلق. وبالتأكيد ستحظى كيفية حل هذه المشكلة باهتمام أكبر من مندوبي مختلف الدول. ومن المتوقع أيضا ان تواصل الدول النامية تركيز اهتمامها على القضايا المرتبطة بالتنمية. وقد أولى المجتمع اهتماما أكبر للتنمية خلال الـ 21 شهرا الماضية. وتعهدت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بزيادة مساعدات التنمية الرسمية في السنوات القليلة المقبلة. وعلى رغم ان هامش الزيادة يقصر عن توقعات الدول النامية فانه يمثل خطوة إلى الامام في الاتجاه الصحيح. ومن المحتمل ان تواصل الدول النامية اثناء الجمعية العامة للأمم المتحدة حث الدول المتقدمة على مساعدتها في تعزيز قدراتها وطاقاتها على التنمية الذاتية عن طريق عدد من الإجراءات إلى جانب الدعوة إلى زيادة مساعدات التنمية الرسمية بعد فشل مؤتمر منظمة التجارة العالمية في كانكون. وتشمل تلك الإجراءات انفتاحا أكبر للأسواق امام منتجات الدول النامية فضلا عن زيادة الاستثمارات المباشرة فيها والاسراع بنقل التكنولوجيا إلى الدول النامية.

ويبدو ان المزيد والمزيد من الدول المتقدمة تفضل الآن ما يطلق عليه خطط مساعدات «الشراكة» التي تلعب المشروعات الخاصة دورا كبيرا فيها. وبينما تقبل الدول النامية مثل هذه الخطط بوجه عام فانها تعرب عن قلقها من ان تنكص حكومات الدول المتقدمة عن واجباتها، ومن ألا تتطابق مثل هذه الخطط مع احتياجاتها التنموية الملحة. وتشتكى الدول النامية أيضا من الممارسة التي تربط بمقتضاها الدول المتقدمة مساعدات التنمية بشروط متعسفة، ولكن شكواها ظلت محل تجاهل حتى الآن. من المحتمل ان يصبح الاختلاف بين الدول النامية والدول المتقدمة على قضية التنمية موضوعا مهما آخر للمناقشة. ومن غير المحتمل إلى حد بعيد ان تكون النتائج ملائمة للدول النامية إذ ضعف دور الدول النامية ككل في الشئون الدولية إلى حد ما في الاعوام القليلة الماضية.

الأمين العام كوفي عنان في خطاب الافتتاح حاول الخروج من جلبات التأثير الأميركي بانتقاد سياسة الضربات العسكرية الوقائية التي تمارسها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، وطالب باجراء تغييرات في هيكل الأمم المتحدة للتمكن من مواجهة التهديد الارهابي العالمي واسلحة الدمار الشامل وانتشار الاسلحة النووية. الأمم المتحدة لم تشهد أي تغيير منذ تأسيسها في العام 5491، ولابد من وضع خطط لتشكيل هيئة تضم في عضويتها شخصيات بارزة تتولى اعداد فحص شامل لدور الأمم المتحدة في مواجهة تحديات الأمن والسلام. عنان يعتقد ان من واجب البلدان الكبرى احترام القرارات التي يتعين على الجمعية العامة اتخاذها.

«الهجمات الاستباقية» التي يشنها جورج بوش الابن في حربه على ما يصفه بالارهاب الدولي. «تشكل سابقة نجم عنها انتشار الاستخدام الاحادي وغير القانوني للقوة، سواء كان لذلك مبرر مقبول أم لا». عنان «لم يكتف بالتنديد بالإجراءات الاحادية الجانب، بل اخذ في الاعتبار المخاوف التي تدفع بعض الدول إلى الشعور بانها مستهدفة لوحدها، وبالتالي تتخذ قرارات احادية». من هنا لابد ان يدرك الجميع انه «بالامكان، بل يتعين مواجهة تلك المخاوف بشكل فعال من خلال الإجراءات الجماعية». مع ذلك يتعين على أعضاء المجلس ان يبدأوا في مناقشة مقتضيات قرار دولي يرخص للقيام بضربات جماعية استباقية لمخاطر من قبيل تلك التي تشكلها الجماعات الارهابية التي بحوزتها اسلحة دمار شامل. ويقول: الحقيقة ان مثل هذا الاجراء سيشكل خروجا على ميثاق المنظمة الدولية التي ظلت حتى الآن تواجه المخاطر المحدقة باعتماد سياسة الردع. ونستشف من خطاب عنان ان الهيئة الجديدة التي سترفع نتائج أعمالها قبل انعقاد الدورة المقبلة للجمعية العامة، ستناط بها أربع مهمات وهي:

- دراسة التحديات التي تواجه السلم والأمن حاليا.

- النظر في المساهمات الجماعية التي يمكن اتخاذها لمواجهة هذه التحديات.

- مراجعة كيفية سير المنظمات الاساسية في الأمم المتحدة والعلاقات القائمة فيما بينها.

- تقديم توصيات عن السبل الكفيلة بتقوية الأمم المتحدة واصلاح مؤسساتها وكيفية عملها، وقال عنان ان في مقدمة اولويات الهيئة السلم والأمن، ولكن يجب عليها أيضا النظر في تحديات كونية أخرى.

وعلى النقيض من ذلك طرح بوش في خطابه امام الجمعية العامة وجهات نظر أميركية متعنتة تتوقع من العالم اطاعة الاوامر التي يصدرها بوش من منبر الأمم المتحدة. بوش استخدم كلمات غامضة وغير مفهومة بقوله: ان الدول الداعمة للارهاب متقاعسة في الحرب على الحضارة، وهو يقصد بذلك ان الحضارة الانسانية منشؤها الحالي أميركا. بوش اوضح انه أقصى وتخلص من نظام طالبان السابق في أفغانستان لانه تحدى الرأي العام العالمي، وعلى المنوال نفسه جاءت ازاحة نظام حكم صدام حسين لفتح الباب امام الشعب العراقي لبناء مجتمع حر كما يدعي، ولكن بوش ادرك حاجته إلى الأمم المتحدة لمساعدتها في الخروج من المستنقع العراقي الذي تورط به بسبب جهل مستشاريه من اقصى اليمين بتاريخ وحضارة العراق والثقافة الاسلامية التي اصبحت عدو أميركا رقم واحد. وللمرة الاولى استرجى بوش دول العالم «للمساعدة في جعل العراق آمنا ومستقرا»، ولكنه تكلم بلغة الأمر بقوله: ان على الأمم المتحدة المساعدة في وضع صيغة للدستور العراقي، وتدريب موظفي الخدمات المدنية العامة في هذا البلد. وان النجاح في العراق يجب ان يُظهر للملايين ان الازدهار والاستقرار ممكن في الشرق الاوسط، ولكن بوش لم يغير موقفه من القضية الفلسطينية التي اعتبرها تتعرض للتدمير بسبب السياسيين القدماء الذي يصرون على التشبت بالسلطة ويقصد ياسر عرفات، وان الفلسطينيين يحتاجون إلى الوقوف مع قادة جدد ملتزمين بتحقيق السلام وهو يقصد رئيس وزراء فلسطيني يستمع للاوامر الأميركية والاسرائيلية.

محاولة الرئيس الفرنسي الخروج بالأمم المتحدة من «عنق الزجاجة» اصطدمت بالتعنت الأميركي المصر على الاحتفاظ بالأرض في العراق على رغم الورطة السياسية التي وقع فيها بوش وستكلفه خسارة إعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة. شيراك في كلمته مازال متمسكا بثوابت فرنسا السياسية وهي: اعطاء دور رئيسي للأمم المتحدة لاعمار العراق وخفض الأمن والالتزام بحق العراقيين في تقرير مصيرهم بأنفسهم وانهاء الاحتلال الأميركي المخالف للقانون الدولي. وفي كلمته أمام الجمعية العامة قال الرئيس الفرنسي جاك شيراك ان الحرب على العراق وضعت المنظمة الدولية في مواجهة واحدة من اخطر الازمات التي تشهدها في تاريخها. لا بديل للأمم المتحدة في عالم اليوم، ولا تستطيع أية دولة التصرف بمعزل عن الاجماع الدولي. كما ان أمر اصدار تفويض بإرسال قوات دولية لحفظ السلام وللمساعدة في اعمار العراق مرهون بالأمم المتحدة وحدها. وقال ان نقل السلطة إلى العراقيين يعتبر امرا حيويا لأجل الاستقرار وإعادة اعمار ما خلفته الحروب من دمار.

بدأت علامات سيطرة أميركا على الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة عندما دبرت مؤامرة اغتيال الأمين العام السابق داغ همرشلد عندما حاول مساعدة لومبا لنيل استقلال الكونغو، إلى تعيين أمناء عامين للأمم المتحدة امثال: دي كويلار وبطرس غالي وكوفي عنان، كما ظهرت سيطرتها بعد أن تفردت بوضع شروطها لانضمام دول مهمة كالصين والسعودية وروسيا إلى منظمة التجارة العالمية (واتو). المؤكد أن عقد الدورة السابعة والثلاثين سيكون مختلفا تماما سواء في جدول الأعمال أو في المناقشات العامة في الأمم المتحدة، وقد يجد الكثير صدقية في انتقادات بن لادن للأمم المتحدة وامينها العام الذي اعتبرته بعض الدول مجرد موظف عادي في الوفد الأميركي. الواقع المرير ان الامتين العربية والاسلامية تأخرت قضاياهما كثيرا وفقدت التأييد العارم السابق، وخصوصا قضايا فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان والصومال، بالاضافة إلى قضايا حركات التحرر الاسلامية في الفلبين والشيشان وكشمير التي الصقت أميركا بها تهمة الارهاب.

الحقيقة ان الهدف من تقليد انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في النصف الثاني من شهر سبتمبر من كل عام هو استمرار أكبر تجمع أممي تشهده الأرض، يجمع الكثير من سياسيي وزعماء العالم لمناقشة قضايا العالم، ولكن هل حقق هذا التجمع العالمي طموحات شعوب الأرض؟ الجواب هو ان القوى الاقتصادية الكبرى مازالت تكرس هيمنتها على البلدان الفقيرة كما حدث فعليا في قمة الأرض الثانية في جوهانسبرغ. هذه الدول بلاشك تملك مفاتيح اللعبة السياسية في العالم وتستطيع حل مشكلات العالم، ولكن هل يستطيع جدول أعمال الدورة الـ 85 العمل على تضييق الفوارق بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، وحل أكثر المشكلات الحاحا في العالم: كاتساع الفقر في العالم الثالث ومشكلات العولمة، وحل النزاعات الاقليمية، والسيطرة على الأمراض الفتاكة، بالاضافة إلى قضايا التنمية المستدامة في العالم الثالث.

هذا التحدي سيبقى قائما فعلا على رغم ان شعوب العالم تنظر إلى الأمم المتحدة كانها معجزة الحكومة الدولية، طبعا ستتحرر من السيطرة الأميركية اذا استطاعت تقليص نسبة الفقر إلى النصف قبل حلول العام 5102، وايصال الغذاء والدواء إلى كل فرد يحتاج اليه في البلدان الفقيرة. وفي الوقت الذي نجحت فيه البلدان المتقدمة في وقف انتشار فيروس الايدز، لم تحضَ البلدان الفقيرة وخصوصا البلدان الافريقية بالحصول على العقاقير أو الامصال الخاصة بمعالجة المرض، بينما يموت فيها الآلاف من ابنائها لعدم توافر امكانات معالجة المرض لديها. لذلك كيف يستطيع المجتمع الدولي القضاء على المرض بحلول العام 0102 في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية غير المستقرة في هذه البلدان، وظهور مرض بيولوجي جديد يسمي الانثراكس أو الجمرة الخبيثة وخطر انتشاره عالميا.

من ناحية أخرى فان دعم عمليات حفظ السلام في الاماكن المضطربة من العالم يعاني من مشكلات عدة على رغم نجاح عملية تحرير الكويت وتيمور الشرقية، وفشل الأمم المتحدة في الشرق الاوسط والصومال ورواندا وسيراليون وافريقيا الوسطى. هذا الملف الساخن التهب جدا بعد ان ركنت دول حلف الناتو الأمم المتحدة جانبا، وباشرت عمليات قتالية في كوسوفو من دون اللجوء إلى الأمم المتحدة أو انتظار الاجماع الدولي أو استصدار قرار من مجلس الأمن. وأميركا تعاود الكرة هذه السنة بمحاولة اقناع بلدان بالاشتراك معها بقوات تسمى «حفظ سلام» بقيادة أميركية، ولكنها في الواقع مساندة لقوات الاحتلال من دون موافقة الأمم المتحدة أو قرار من مجلس الأمن.

ليس هناك مجال للشك في ان العالم مقبل على ازمة انفجار سكاني حقيقية، ويتعين على قادة العالم ايجاد حلول عملية ناجعة لخفض عدد السكان في العالم إلى النصف، هذا التحدي يبقى قائما مادام هنالك أكثر من بليون نسمة يعيشون على اقل من دولار في اليوم، وآخرون لا يتوافر لهم ماء نظيف ولا طعام للاكل، ما ينذر بحدوث ازمة غذائية وبطالة وازمة اقتصادية خانقة بالاضافة إلى انتشار الجريمة ومسبباتها وفقا للدراسات التي وضعها مؤتمر كوبنهاغن للتنمية الاجتماعية.

كما يتعين عليهم اتاحة الفرصة لدول العالم الثالث للتعليم الاساسي للذكور والاناث. وعلى رغم التطور العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم فمازال نصف سكان العالم يرزحون تحت وطأة الجهل، ومازال دور المرأة في التنمية مهمشا لافتقارها إلى التعليم في الكثير من دول العالم.

في الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة إلى دعم خطتها للقرن الواحد والعشرين، لا يبدو ان أعضاء مجلس الأمن الدائمين متحمسون لتوسيع صلاحيات الأمم المتحدة أو تحديدها أو إعادة هيكلة وظائفها. واذا كانت ألمانيا واليابان الدولتان المنبوذتان سابقا من قبل المجتمع الدولي تسعيان للحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن، فان الدول النامية التي تشكل غالبية في الأمم المتحدة تسعى إلى إعادة هيكلة المنظمة، بحيث يتم إعادة توزيع الصلاحيات بين مجلس الأمن والجمعية العامة والغاء حق التصويت أو توسيع عدد أعضاء مجلس الأمن أو ان يقيد حق النقض (الفيتو). لذلك يجب تركيز جهود الأمم المتحدة على تقديم الدعم اللازم لاغراض التنمية. ربما يتفق الجميع على مسألة تقليص النفقات لانها ستقلص جهازها البيروقراطي الذي تجاوزت ضخامته كل الحدود، وحل ازمة ديون الولايات المتحدة المستحقة للأمم المتحدة والتي تصل إلى مليارات الدولارات.

ولايجاد حل عادل لمشكلة مجلس الأمن، لابد من الانصاف في تمثيل الدول في مجلس الأمن وفق التوزيع الجغرافي. وتبقي مسألة حق النقض التي يتمتع بها أعضاء مجلس الأمن الدائمين الخمسة، إذ من الصعب تصور اداء مجلس الأمن لمهماته بحرمان الأعضاء الدائمين من حق الفيتو. ربما البديل ايجاد مجلس أمن يعمل على اساس الاجماع، واذا تحقق ذلك فان مسألة الالزامية تبقي من دون فعالية، الاقتراح الآخر هو اعتماد غالبية الاصوات، وهذا يتيح لدولتين صغيرتين باصواتهما المشتركة الغاء مشروعات قرارات الدول الكبرى، وهدا يعني استغناء تلك الدول عن مجلس الأمن أو حتى الانسحاب من الأمم المتحدة. ويقول الخبير في شئون الأمم المتحدة بمدرسة نيويورك للقانون ادوارد لوك: «ان هناك صراعا حقيقيا على جوهر وروح المنظمة، وان اولئك الذين يسعون لابطاء سير وتيرة العولمة يتركون فعلا آثارا سلبية على فعالية المنظمة». نظرية لوك لعولمة واحتواء الأمم المتحدة شرع كوفي عنان بتطبيقها وفقا للنهج الأميركي. نظرة عنان لعولمة الأمم المتحدة تسببت في انقسام الجمعية العامة في العام الماضي، حين تحدث عنان بصراحة قائلا انه حين تغرق دولة ما في آفة أو حرب أو صراع فان على المجتمع الدولي التدخل، وحينها لا ينبغي ان تكون الحدود حائلا دون تحقيق ذلك، وعندها لا تستطيع الحكومات استخدم السيادة كدرع في اضطهادها ومحاربتها لشعوبها. تأثر عنان بالمفردات السياسية الأميركية يتناقض مع مواد ميثاق الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان، اللذين ينصان صراحة على حق الدول في السيادة على اراضيها وعدم التدخل في شئونها الداخلية.

عارضت الصين وروسيا هدا النهج العالمي للأمم المتحدة، ولكنهما أيدتا الضربات الأميركية ضد أفغانستان لانها تتوافق مع مصالحهما. واقترحت الصين ابقاء القضايا الداخلية للدول بعيدة عن مناقشاتها. روسيا أيضا عارضت التوجه الأميركي بتدخل الامم المتحدة في القضايا الداخلية للدول يدفعها إلى ذلك عدم رغبتها في التدخل في اسلوبها العسكري للقضاء على المعارضة الشيشانية. والأمر ذاته ينطبق على الهند بشأن كشمير، وحتى استراليا ضد التدخل في الشئون الداخلية للدول، وأعلنت انها ستحد من تعاونها مع مندوبي الأمم المتحدة الذين يتابعون التحقيقات في قضايا التمييز العنصري ضد السكان الاصليين الاستراليين. عولمة الأمم المتحدة سياسيا تتضح جليا في عملياتها العسكرية في الكثير من دول العالم. الأمم المتحدة اعدت لحملتها العسكرية ضد العراق في حرب الخليج، وحملة تيمور الشرقية وغيرها من الحملات العسكرية في افريقيا وآسيا. كما ان القاء القبض على الجنرال التشيلي بينوشيه، ورئيس يوغسلافيا كارزيتش، يشكلان مظهرا من مظاهر العولمة السياسية. وهذا يعني ان تدخل الأمم المتحدة في شئون الدول الداخلية لا تمنعه مطالبات الدول بعدم المساس بسيادتها الاقليمية. جميع هذه الحوادث اقنعتني بان الأمم المتحدة تعيش عصرا جديدا، وان عولمة الأمم المتحدة حقيقة قائمة فرضتها أميركا وحليفاتها الغربيات. قد تكون العولمة ذات فائدة للبعض، ويمكن ان يستفيد منها الجميع، فقط عندما تعمل الدول سويا لوضع فوائد العولمة في متناول شعوبها كافة إلا أن البعض الآخر يرى فيها تدخلا سافرا في شئون الدول والشعوب وثقافاتها، وسيبقى البلايين يعيشون في فقر مدقع حتى تتحقق العدالة الاقتصادية. البلدان التي بدأت بتحسين اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية ستصبح تحت رحمة المتغيرات الاقتصادية المفاجئة.

الأمم المتحدة قد تكون المحفل الدولي لمعالجة تأثير العولمة على اقتصادات الدول النامية، وبإمكانها احداث تغييرات هيكلية في الاقتصاد العالمي ووضع خطط للتنمية. الأمم المتحدة روجت لافكار العولمة في منظمة التجارة العالمية وهي تشهد تحولا في المنظمات الأخرى التابعة لها نحو العولمة. وقد ايد بيان الامين العام للأمم المتحدة في دورة 65 المعروف بـ «قمة العمل لا الاحتفال»، عولمة الأمم المتحدة، وأكد البيان ان الازمة الاقتصادية الآسيوية كانت لها آثار اقتصادية على دول العالم، وان أي تغيير اقتصادي في أي مكان من العالم يمكن الشعور به في كل مكان، ولكن بصورة غير متساوية أو عادلة. كما اظهرت الاحتجاجات اثناء اجتماعات مؤتمر منظمة التجارة العالمية في سياتل وقطر وإيطاليا وكانكون - الذي انهار هذا العام بسبب تعنت البلدان الغنية - ان الكثير من الناس ليسوا سعداء بالعولمة أو طريقة تعاملها مع حقوق الطبقات الفقيرة. ويشعرون بان المصالح التجارية تلقى الكثير من الاهتمام، بينما لم تلق المصالح الاجتماعية أو الثقافية أو البيئية الاهتمام الكافي كما اوضحت قمة الأرض الثانية التي اطلق عليها رئيس جنوب افريقيا موبنبيكي «قمة إنهاء الفصل الاقتصادي بين الشمال والجنوب». يرى عنان ان العالم يواجه تحديات كونية تجبر دول العالم على العمل سويا، واذا ما صدقت هذه المقولة فان العمل المشترك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، سينطبق عليه العمل المشترك للتدخل الدولي لحل النزاعات والحروب الاقليمية والدولية ما يهدد وجود الأمم المتحدة نفسها.

غريزة التضامن البشري التي تدفع بعض الدول إلى مساعدة مواطني بعضها الآخر أو توجيه الاتهام إلى الطغاة السابقين لدى بعضها عن مسئولياتهم وسلطاتهم الخاصة، فإن هذا النهج سيجلب خطر الفوضى السياسية في العالم. ربما ان العالم سيصبح أكثر امانا وعدلا عندما تحاكم محكمة جنائية دولية القتلة والسفاحين (وهذه المحكمة الدولية مازالت أميركا و«إسرائيل» لا تعترفان بها)، الذين ارتكبوا جرائم مشينة في حق الانسانية، والذين لا تستطيع المحاكم الوطنية في بلدانهم محاكمتهم أو لا ترغب في ذلك كما حدث مع مجرمي حربي البوسنة وكوسوفو وربما جرائم أميركا في أفغانستان والعراق. الحقيقة ان الناس لن يثقوا بالأمم المتحدة إلا عندما تتصرف لصالحهم في حال شعورهم بالتهديد والتدمير الشامل. والأمر الأكثر بداهة هو اننا بحاجة إلى العمل معا للحفاظ على الموارد وثروات الأرض الطبيعية التي يعتمد عليها سكان الأرض جميعا. وإلا سنكون مسئولين امام احفادنا الذين سيوجهون اصابع الاتهام الينا وسيلومونا لتركنا كوكب الأرض غير صالح للعيش فيه إلى حد كبير أو غير قادر على توفير استمرار للحياة البشرية.

الواقع ان هناك امكانا لوقوع كارثة بيئية شاملة بسبب تصاعد المستوى العالمي لتلوث الطبيعة بعوادم الصناعات المتنوعة في الدول الصناعية الكبرى، وتأثير النفايات النووية الخطير على البيئة والعيش الآدمي، بالاضافة إلى الغازات المختلفة ولاسيما عوادم السيارات ما يؤثر على التغير المناخي، وإحداث شرخ عميق في طبقة الاوزون بسبب الاحتباس الحراري.

الصراع الدائر بين الاقتصادات الكبرى بزعامة أميركا، للهيمنة على الأسواق والتجارة العالمية، قد يحدث ازمات اقتصادية ومالية شاملة على شاكلة ما حدث في بلدان جنوب شرق آسيا، ويسبب نقصا حادا في الطاقة والمواد الغذائية وانهيارا للنظام المالي العالمي.

احتمال وقوع كارثة نووية بعد أن شهد العالم انفلاتا نوويا في تشرنويل واليابان وغرق الغواصة النووية الروسية، ورفض دول كثيرة الانضمام إلى معاهدة وقف التجارب النووية حتى لا تخضع منشآتها النووية لعمليات التفتيش، وامكان تفشي وباء شامل وجارف لا احد يستطيع تحديد عدد ضحاياه وعواقبه سيكون بمثابة اطلاق عدة قنابل نووية حسب مصادر المؤسسات العلمية العالمية المتخصصة في الوضع الايكولوجي العالمي.

الإجراءات الوقائية التي ستتخذها الأمم المتحدة لمواجهة تلك المخاطر يجب ان تكون فعالة، بحيث تضمن المحافظة على الحضارة البشرية، ولكن كيف يمكن للمجتمع الدولي توحيد الجهود لانقاذ البشرية من تلك الاخطار؟ انني اعتقد انه على الأمم المتحدة في ظل عصر العولمة تسخير القدرة العلمية والتكنولوجية وتوظيف جميع القدرات البشرية، والتعاون بين البلدان الأعضاء وترسيخ مبدأ العمل المشترك لتجنب حدوث تلك الكوارث.

إذا لا يمكن تحرر الأمم المتحدة من السيطرة الأميركية من دون تفعيل دور الأمم المتحدة لخدمة شعوب العالم كافة، ومن دون ان تعمل دول العالم نفسها على تحرير نفسها من السيطرة القطبية الواحدة باقامة نظام عالمي جديد قائم على التعاون الاقتصادي فيما بين الدول. اذا كان فعلا هدف الأمم المتحدة هو: مواصلة العمل المضني لتخليص البشرية من مآسي الحروب والنزاعات الاقليمية والقومية والدينية والأمراض الفتاكة، والمساعدة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، واصلاح وإعادة هيكلة وظائف الأمم المتحدة بمشاركة الدول التي لم يسمح لها بالمشاركة في وضع ميثاق الأمم المتحدة، فإن جميع دول وشعوب العالم ستؤيد وتدعم عولمة الأمم المتحدة.

العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً