العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ

الدبلوماسية السرية في «الشرق الأوسط»

تبادل الأسرى بين حزب الله و«إسرائيل»

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

منذ أشهر تجري بسرية تامة ووراء أبواب مغلقة في برلين وبيروت وتل أبيب مفاوضات يشاع أنها وضعت نبتة اتفاق. كل شيء يشير إلى حدوث عملية تبادل للأسرى في غضون الأيام المقبلة بين حزب الله و«اسرائيل».

وأوضحت تقارير صحافية أنه اتفق في الأيام القليلة الماضية على أسماء وهوية الرجال الذين ستضمنهم عملية تبادل الأسرى. وفقا لما أشيع في برلين سيفرج حزب الله عن رجل أعمال اسرائيلي يدعى إلهانان تانينباوم أسره مقاتلو الحزب حين شارك في عملية عسكرية اسرائيلية في جنوب لبنان في أكتوبر/تشرين الأول العام 0002 كما سيفرج حزب الله عن رفات ثلاثة جنود اسرائيليين هم بيني أفراهام وعمر سوفاد وأدي أفيتان تقول «اسرائيل» إنهم اختطفوا على الحدود وقتلوا لاحقا... في إطار الصفقة ستقوم «اسرائيل» في المقابل بالإفراج عن 004 معتقل عربي بينهم 002 من الفلسطينيين.

وتقول مصادر دبلوماسية مطلعة في برلين إنه في حال نجاح هذه الصفقة ستكون انتصارا مهما للديبلوماسية الألمانية في «الشرق الأوسط» منذ وقت. بالكاد هناك قضية تستأثر باهتمام الرأي العام في لبنان وفلسطين و«اسرائيل» مثل قضية الأسرى وتأمل ألمانيا في الحصول على سمعة طيبة عند الأطراف المعنية وخصوصا عند الاسرائيليين إذ تعبر ألمانيا من خلال التفاوض مع حزب الله الذي يخضع أتباعه في ألمانيا لمراقبة البوليس السري وتم وضعه على مستوى واحد مع حركة حماس والجهاد الإسلامي، إلا أن الحكومة الألمانية لم تفرض حظرا على هذا الحزب بسبب المفاوضات التي توسطت فيها ألمانيا بهدف حصول «اسرائيل» على أسراها ورفات جنودها.

وكانت الحكومة الألمانية الحالية قد ساعدت «اسرائيل» على التخلص من مجموعة كبيرة من أعضاء «جيش لبنان الجنوبي» وعائلاتهم بعد انسحاب «اسرائيل» من لبنان وقدمت ألمانيا لهم اللجوء السياسي بعد أن فروا إلى الأراضي الاسرائيلية خوفا من انتقام حزب الله ولم ترغب «اسرائيل» التي استخدمت اعوانها سنوات طويلة لحماية الاحتلال، أن تأوي المقاتلين الفارين وعائلاتهم وتحمل كلفة معيشتهم.

كما ترغب ألمانيا في تحسين سمعتها في العالم العربي وإيران وتعمل منذ أن شب خلاف بشأن البرنامج النووي الإيراني على فتح حوار مع القادة الإيرانيين. وحين تنطلق الحافلات وهي تقل المعتقلين ستحتفل برلين ابتهاجا بنجاح الجهود التي بذلتها في إتمام الصفقة. إنه النجاح الذي يعود إلى منسق شئون أجهزة الاستخبارات الألمانية في مقر المستشارية إرنست أورلاو ويأتي نجاح الصفقة ليساعد المستشار غيرهارد شرودر في محنته في الداخل ويخفف عنه الأعباء التي تواجه حكومته.

أورلاو الذي شغل في السابق منصب رئيس مكتب حماية الدستور في ولاية هامبورغ، تابع السياسة التي عمل بها سلفه في منصب منسق نشاطات أجهزة الاستخبارات، بيرند شميدباور الذي عمل في حكومة المستشار السابق هيلموت كول وكان أول من أقام صلات مع حزب الله عبر البوابة الإيرانية. وكان هذا في العام 7891 بعد اختطاف رجال أعمال ألمان في بيروت واعتقال شقيقين من أسرة حمادي ومحاكمتهما في ألمانيا حيث يقضيان عقوبة الحبس. فقد قام أورلاو بجولات مكوكية إلى منطقة «الشرق الأوسط» خلال الأشهر الماضية وأحيطت بسرية تامة.

وبعد مفاوضات مضنية استطاع أورلاو في أغسطس/آب الماضي أن يحصل على ثقة حزب الله وسمح له بزيارة الأسير الاسرائيلي إلهانان تانينباوم داخل سجنه في لبنان وقام المسئول الأمني الألماني على الفور بإخطار المسئولين في الحكومة الاسرائيلية أن الأسير الاسرائيلي يتمتع بصحة جيدة ويحصل على معاملة لائقة من قبل حزب الله وفهم أورلاو أن حزب الله جاهز من جانبه للتفاوض مع «اسرائيل» بشأن تبادل الأسرى. وبعد أن تأخرت «اسرائيل» في اتخاذ قرار بالتجاوب مع مطالب حزب الله أصبحت جهود المستشارية الألمانية على وشك أن تتكلل بالنجاح ووفقا لمعلومات نشرتها وسائل الإعلام الاسرائيلية لم يعد هناك ما من شأنه عرقلة عملية تبادل الأسرى التي تنتظرها ألمانيا أيضا بفارغ الصبر لتحقيق منافع سياسية في العالم العربي وتسمع عبارات الشكر من الاسرائيليين. وكانت ألمانيا نجحت في السابق في التوسط بين حزب الله و«اسرائيل» للقيام بتبادل أسرى ورفات المقاتلين. وتعلم برلين أنها إذا حظرت نشاطات حزب الله في ألمانيا فسيصبح من الصعب عليها في المستقبل مواصلة دور الوساطة. ويسعى حزب الله إلى إقامة فرع له في برلين غير أن احتجاجات بعض الجهات وبينها المجلس المركزي ليهود ألمانيا تعرقل هذه الخطوة. لكن هذا لم يمنع انصار حزب الله من تنظيم مسيرات وإقامة مهرجانات خطابية واستضافة أعضاء ينتمون للحزب في البرلمان اللبناني.

ينص مبدأ العسكرية الاسرائيلية على عدم ترك أي جندي في أرض المعركة وأنه ينبغي نقله إلى «اسرائيل» مهما بلغ الثمن. إنه المبدأ الذي استفاد منه حزب الله وأعداد كبيرة من المعتقلين العرب والفلسطينيين الذين افرج عنهم في عمليات تبادل الأسرى. والسؤال متى يكون موعد تنفيذ عملية تبادل الأسرى؟ حتى الساعة لم ينعقد مجلس الأمن القومي الاسرائيلي ليبت في القرار النهائي وتقول مراجع مطلعة إنه من المنتظر أن يجتمع هذا المجلس غدا (الاثنين) عند نهاية الاحتفال بالعام الجديد عند اليهود. من غير الواضح أيضا إذا كانت «اسرائيل» ستفرج عن المعتقلين الذين حصلت على أسمائهم عن طريق الوسيط الألماني ومن بينهم أعضاء ينتمون إلى حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«فتح» وفي صدارة الذين طلب حزب الله الإفراج عنهم: مروان برغوثي.

تستبعد أوساط إعلامية في ألمانيا أن تفرج «اسرائيل» عن برغوثي الذي يحاكم بوصفه زعيما لتنظيم شباب «فتح» أمام محكمة «اسرائيلية» ويتهمه المدعي العام بالتحريض على القيام بأعمال عنف في تل أبيب. وقد استبعد مستشارون قانونيون أن يجري العفو عن برغوثي قبل أن تبت المحكمة في مصيره. وكانت الحكومة الاسرائيلية عبرت عن موقفها بوضوح حين قال وزير الأمن الاسرائيلي إنه من غير المعقول أن تفرج «اسرائيل» عن برغوثي «لأي سبب من الأسباب كما ان هذا الموضوع ليس عرضة للنقاش».

لكن مراجع أمنية ألمانية ترى أن «اسرائيل» أصبحت مستعدة للتجاوب مع طلب حزب الله والإفراج عن قائدين بارزين في الحزب الأول الشيخ عبدالكريم عبيد والثاني مصطفى ديراني وكلاهما قامت «اسرائيل» بخطفهما من جنوب لبنان في عامي 8891 و4991، بينما تصر «اسرائيل» على الاحتفاظ بهما حتى تحصل على الطيار رون آراد الذي سقطت طائرته في العام 6891 نتيجة عطل فني في أجواء لبنان وأسرته قوات حركة «أمل» واختفت آثاره. وتمت في السابق مفاوضات في مقر المستشارية بين إيران و«اسرائيل» بشأن الطيار الاسرائيلي لكنها توقفت بعد الكشف عن هذه المفاوضات عبر إحدى الصحف الألمانية.

ويشاع أن الأسرى الفلسطينيين الذين ستفرج «اسرائيل» عنهم سيتوجهون إلى المنفى بعد وقت قصير على عملية تبادل الأسرى وهي خطوة أكدتها الحكومة الاسرائيلية لتحظى بتأييد الرأي العام الاسرائيلي وتجنب الاتهام بأنها أفرجت عن إرهابيين أيديهم ملوثة بدماء اليهود مثل نور جابر الذي ينتمي للجهاد الإسلامي الذي جاء اسمه في قائمة المطلوب الإفراج عنهم واعترف أمام محكمة اسرائيلية قبل أيام بأنه شارك في هجمات أودت بحياة خمسين اسرائيليا.

العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً