العدد 3873 - الأحد 14 أبريل 2013م الموافق 03 جمادى الآخرة 1434هـ

أجراس مستقبل النفط والغاز تقرع

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

يجمع الكثيرون على أن إنتاج النفط والغاز على المستوى العالمي قد وصل إلى ذروته منذ نحو ستٍّ سنوات. وهذا يعني أن إنتاج المادتين في دول مجلس التعاون الخليجي هو الآخر قد وصل إلى ذروته. وبالطبع لا يمكن الحديث عن الوصول إلى الذروة من دون أن يعقبه الحديث عن التراجع والهبوط، ومن ثمَّ عن النفاد. هذا موضوع السَّاعة في كثير من الأوساط الذي تتناوله الكثير من التقارير والندوات.

وحتى لو وجدت مصادر إنتاج جديدة، كاستخراج البترول الحجري المبالغ بشأنه في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها، أو كاكتشاف مكامن جديدة من الغاز، فإن ذلك لن يكون أكثر من تعويض جزئي عن التراجع في إنتاج آبار البترول والغاز الكبيرة الهرمة القديمة، وعن استجابةٍ جزئيةٍ لنهم الآلة الاقتصادية العالمية، وخصوصاً في دول آسيا الكبيرة الصاعدة مثل الصين والهند. من هنا فإن العالم يريد أن يعرف عن مقدار التراجع في الإنتاج وطول ما بقي من عمر حقبة البترول والغاز.

من جهتنا، في دول مجلس التعاون، يجب عدم تنصيب أنفسنا كمسئولين عن حلّ إشكالية توفّر البترول والغاز للنشاطات الحياتية في مجتمعات الهيمنة والنفوذ الاقتصادي في الغرب والشرق، فهذا شأنٌ يخصُّهم، وهم قادرون على التكيّف مع الظروف ومهيَّأون للانتقال عبر الحقب التاريخية بكثير من الاستعداد والمرونة والبحث عن المخارج من الأزمات.

لكنَّنا يجب أن نكون معنيّين بجديَّةٍ وتركيزٍ شديد، بمقدار استعداد دول البترول والغاز العربية، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، للتعامل مع هذا الموضوع المصيري الخطير. وفي اعتقادي أننا نحتاج أن نولي اهتماماً كبيراً للجوانب التالية:

أولاً: من الضروري التعامل مع ثروة البترول والغاز من منطلق أن نوع وكفاءة استعمال الثروة لا يقلُّ أهمية عن توليدها وإنمائها. من هنا فإن هوس البعض بالدفع نحو زيادة الإنتاج أو رعب البعض من أي تناقص في الإنتاج، من دون أن يصاحبه تفكير عقلاني وموضوعي بشأن استعمال عوائد الثروة الحالية استعمالاً يبعده عن التبذير السَّفيه والمغامرات العبثيَّة في العقار والأسهم وغيرها من الاستعمالات الفاسدة أو الخادمة لمصالح مجموعات أنانية من المسئولين والمتنفذين، فإنهما، الهوس والخوف، لن يكونا أكثر من عواطف ساذجة لن تفيد في مواجهة مشاكل مستقبل هذه الثروة العربية الناضبة.

إن ما سمّاه البعض بلعنة ثروات البترول والغاز سيحتاج إلى تغييرات جذرية في فكر وضمائر وإخلاص ومنهجيّة كلّ متخذي القرارات بشأن استعمالات ريع تلك الثروات لتولٍّد ثروات إضافية تصبُّ في خانة التنمية المستدامة، وليس لحرق تلك الثروات في أتون المظاهر والبطر والتّرف.

ثانياً: في قلب معركة الاستعمال الصحيح لثروات البترول والغاز الهائلة، الانتقال من الاقتصاد الرّيعي إلى اقتصاد إنتاجي – معرفي، وهو الأمر المفصلي الذي يتطلب تنشئة إنسان ومواطن عربي قادر على المساهمة الفعَّالة في إدارة وقيادة ذلك الانتقال.

وحتى نكون صريحين مع أنفسنا، فإن الاقتصاد الريعي، القائم على توزيع ريع البترول والغاز بحسب مقاييس الولاء والزبونية، قد أنتج إنساناً اتكالياً انتهازياً يعتمد على تسلم الفتات من الفوائض في شكل من العطايا والمكرمات، ويتسابق في سوق الولاءات القبلية والمذهبية والعائلية، ويستهلك بنهمٍ من دون تفكير في المستقبل ولا في ممارسة الادخار.

ولم يكن دور النظام السياسي غير الديمقراطي أفضل، إذ أنشأ إنساناً غير مبالٍ بالمصلحة العامة، ولا ملتزماً بقضايا المجتمع والأمة، ولا مشاركاً في صنع القرار. وكذا الأمر بالنسبة لنظامي الثقافة والتربية، فقد ساهما في بناء إنسان مفرَغٍ من ملكات التحليل والنقد والاستقلالية والتمرُّد على الواقع المشوّه.

هذا الإنسان المواطن المصاب بألف علّة وعلّة، يحتاج إلى عملية تغيير جذرية كبرى ليستطيع مواجهة ما ينتظر مجتمعاته إبّان فترة ما بقي من عمر ثروات البترول والغاز في أرضه وبالطبع لما ستأتي به فترة ما بعد ثروة البترول والغاز.

نكتفي بذكر مدخلين رئيسّيين نعتبرهما مفصليّين لمواجهة فترة ما بقي من عمر البترول والغاز وفترة ما بعد ذلك، ولاشكّ في أن هناك مداخل فرعية كثيرة أخرى. فمن الضروري أن يعي المسئولون في دول اليسر المؤقت أن أيّة محاولة للالتفاف حول هذين المدخلين ستنتج كارثةً مستقبلية. ولوج المدخلين سيحتاج إلى قرارات مؤلمة وتنازلات صعبة، لكنّ جرس الإنذار الصاخب، وهو يعلن وصول إنتاج البترول والغاز إلى ذروته وقرب البدء بتراجعه، هذا الجرس لن يترك أحداً يغطُّ في نوم عميق، ولن تنفع الحبوب المخدّرة أو المنوّمة.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3873 - الأحد 14 أبريل 2013م الموافق 03 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:22 ص

      غير صحيح

      الاحتياطي بحسب منظمة البترول تقول انه يكفى لمدة ثمانين عام قادمة ..واعتقد ان الدول العربية البترولية تفكر ببدائل لا تقل عن تفكير الغرب فلسنا اقل منهم ..وكفى تحبيطا للدول العربية والخليجية .هذا رأيي الشخصي .

    • زائر 5 زائر 4 | 10:35 ص

      آل ..تفكر..آل. علي قول الاخوة المصريين باه الحقني...

      ياخي إعتقادك ان الدول العربية تفكر في بدائل هي اضغاث احلام وليس له اي مصداقية علي ارض الواقع. الدول العربية حالها من سىئ الي أسوأ والشيئ الوحيد اللي تفكر فيه قيادات العرب هي كيفية ملئ بطونها و تكديس ثرواتها واشباع فروجها وكفي الله المؤمنين شر القتال

    • زائر 1 | 10:46 م

      أرجو أن تتذكر يا دكتور على

      فى عام 1978 حضرت معنا محاضرة لوزير النفط الليبى فى فندق الخليج تمنى بأن تتمكن الدول النفطية العبور الى مرحلة متطورة آمنة مع الدول المتطورة عند إنتهاء النفط أو الإستغناء عنه. هل تغير شيئا ما؟ هل أخذنا الحيطة منذ 35 عاما؟ سنرجع نعيش فى العراء و نركب الجمال عند الإستغناء عن النفط خلال أعوام قليلة. و إن غدا لناظره بقريب. أما الذى بيده الأمر فليس ناظرا إن لم يكن فاقد البصر و البصيرة.

اقرأ ايضاً