العدد 3884 - الخميس 25 أبريل 2013م الموافق 14 جمادى الآخرة 1434هـ

استقالة فياض وارتباك الخطاب الفلسطيني

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الصخب الذي أثير حول استقالة رئيس حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، سلام فياض، وقبول الرئيس الفلسطيني محمود عباس لها، تثير تساؤلات كبيرة حول الأهداف التي تقف خلفه، فقد بدا نموذجاً كاريكاتورياً للمراوحة بين تراجع واندفاع، غاب عن صناعة القرار الفلسطيني، منذ عقود عدة.

قيل إن استقالة فياض، هي احتجاج على محاولة الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، إقناع وزير المالية، نبيل قسيس بالتراجع عن استقالته، التي قبلها رئيس الحكومة، ما أثار غضب الأخير، ودفع به إلى تقديم استقالته.

الاستقالة ذاتها لم تكن موضوع الصخب كذلك، ولكنها تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، التي طالبت ببقاء فياض في منصبه. فقد أثارت هذه التصريحات حفيظة الرئيس الفلسطيني، وطاقمه في الحكم. فالقيادي في فتح، عزام الأحمد، وصفها بالإهانة المخجلة، وشاطره كبير المفاوضين، صائب عريقات الغضب فقال إنها تدخل سافر في قضية فلسطينية بامتياز، من غير المسموح لأحد التدخل فيها. والتحقت حركة حماس، بقافلة الغاضبين، فكرّر المتحدث باسمها، سامي أبو زهري، ما قاله عريقات، إن استقالة فياض، هي شأن داخلي لا يجوز لأحد التدخل فيه.

مطلب كيري، لم يذهب في النهاية، في مهب الرياح. فسلام فياض سيواصل مهمته كرئيس لحكومة تصريف أعمال. وليس هناك ما يؤكد مغادرته لموقعه في الأيام أو الأسابيع أو حتى الشهور القليلة المقبلة، بما يعني في نتيجته خضوع السلطة الفلسطينية للاملاءات الأميركية، التي أثارت الضجة، بما يجعل المراقب يصل حد الجزم، بأن هناك أسباباً أخرى، غير معلنة للزوبعة المثارة.

الحديث عن التدخل الأميركي سواء في الشئون الداخلية الفلسطينية، أو في دول الطوق يبدو أمراً مستهجناً، بعد أن وضع قادة هذه الدول جل أوراقهم في السلة الأميركية، وقالوا إن 100% من أوراق الحل هي بيد الإدارة الأميركية. ولم تكن تلك سياسة عابرة، بل أمر واقع، حكم الصراع العربي- الصهيوني منذ حرب أكتوبر 1973، حتى يومنا هذا.

في أول لقاء بين الرئيس المصري الراحل، أنور السادات بمستشار الرئيس نيكسون لشئون الأمن القومي، هنري كيسنجر، أبلغ الرئيس السادات المسئول الأميركي بالانتقال الاستراتيجي في السياسة المصرية، الذي استند إلى ثلاثة عناصر: حرب أكتوبر هي آخر الحروب، وأن بلاده ترى أن كل أوراق الحل بيد أميركا، وانتقال علاقات مصر الاستراتيجية من الاتحاد السوفياتي، إلى الولايات المتحدة الأميركية.

حدث الفصل بين القوات على الجبهتين المصرية والسورية، بعد حرب أكتوبر مباشرة، برعاية أميركية. وتعهد كيسنجر للكيان الغاصب، أن لا مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، قبل رفعها الراية البيضاء والتخلي عن الكفاح المسلح، والاعتراف بالكيان الصهيوني. وبناء على هذا التعهد، رفضت الإدارة الأميركية أي دور للفلسطينيين في مفاوضات التسوية. وتمسك الرئيس كارتر بذلك التعهد، فرفض مشاركة الفلسطينيين، في مباحثات السلام التي أدت إلى عقد معاهدة كامب ديفيد بين الحكومة المصرية والإسرائيلية.

أجبرت المقاومة الفلسطينية، على الرحيل عن بيروت، إلى مناطق بعيدة عن هدفها. واندلعت انتفاضة أطفال الحجارة، لتنقل مركز الجاذبية في الصراع الفلسطيني، من المخيمات في الخارج إلى الأراضي المحتلة .

ورغم بسالة الانتفاضة، والصدى الإيجابي الذي حققته على الصعيدين العربي والعالمي، وإبقائها جذوة الكفاح الفلسطيني حية وقوية، فإن الرئيس الفلسطيني الراحل، نفذ حرفياً ما تعهد به كيسنجر، وألقى خطاباً من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، تعهد فيه بالتوقف نهائياً عن الكفاح المسلح، وكرّر عدة مرات في ذات الخطاب نبذه للعنف. بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فأزيلت من الميثاق الوطني، كل المواد التي تؤكد مطلب تحرير فلسطين، من النهر إلى البحر، وتلك المواد التي تعلي من شأن الكفاح المسلح، ووافق على الاعتراف بشرعية قيام دولتين، على أرض فلسطين التاريخية.

أتاحت تلك التحولات المجال لفتح باب حوار أميركي، في تونس، لم يتعد مستوى السفير، استمر شهوراً قليلة، ثم أعيد غلق الأبواب الأميركية أمام منظمة التحرير، تحت ذرائع بائسة.

ومرة أخرى، تدخل الأميركيون برضا فلسطيني، في مؤتمر مدريد، بعد حرب الخليج الثانية، وحدّدوا شروط التفاوض، وعدد الأعضاء المتفاوضين، ونوعية الملابس التي يرتدونها، حيث منعوا من لبس الكوفية الفلسطينية، وذكر المناطق التي ينتمون إليها وأسمائها.

عقدت مفاوضات سرية لاحقاً في أوسلو، بإشراف نرويجي بين منظمة التحرير ومندوبين عن الكيان الغاصب، لكن حديقة البيت الأبيض، هي التي رعت توقيع تلك الاتفاقية، بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون. وفي المباحثات الماراثونية، لتطبيق مواد اتفاق أوسلو برعاية الرئيس كلينتون، أبدى عرفات امتعاضه من التحيز الأميركي لمصلحة «إسرائيل»، فما كان من كلينتون سوى إبلاغه أنه إذا لم يكن سعيداً بالرعاية الأميركية لهذه المفاوضات، فعليه اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لانتزاع مطالبه. وكانت ردة فعل عرفات هي العدول عن الاحتجاج، والقبول بالتحيز الأميركي.

وقائمة التدخلات الأميركية بالشأن الفلسطيني طويلة، وقائمة المطالبات بالتدخل الأميركي من قبل قادة منظمة التحرير، وعلى رأسهم أبومازن، طويلة أيضاً. واقع الحال، أن هذه القيادة، كانت تشكو حتى أيام قريبة، من زيارة كيري للمنطقة، من تجاهل إدارة الرئيس أوباما للقضية الفلسطينية، وتطالبه بالتدخل فيها. وقام كيري مؤخراً بزيارة للأراضي المحتلة ولتل أبيب. بالتأكيد لم تكن تلك الزيارة للاستجمام، وهي أيضاً لن تكون تماهياً مع تطلعات الشعب الفلسطيني، بل عمل استباقي بهدف لجم أي احتمال لانتفاضة فلسطينية ثالثة، وهو احتمال توقعه كثير من المراقبين والمتابعين لمسيرة الكفاح الفلسطيني.

الخطاب الفلسطيني، جاء مرتبكاً ومتناقضاً، بين مطلب وإلحاح فلسطيني مستمر على الإدارة الأميركية للتدخل في أصغر صغيرة من الشأن الفلسطيني، إلى احتجاج على مناشدة بإبقاء رئيس حكومة السلطة الفلسطينية في منصبه. وهو ارتباك يعكس حالة العجز عن صياغة استراتيجية عملية لتحقيق صبوات الفلسطينيين. وهو في نتيجته انعكاس للعجز عن المزاوجة في النضال بين حمل راية المقاومة، بكل أدواتها، والتفاوض من موقع القوة. وما لم تتحقق هذه المزواجة فليس أمام الخطاب الفلسطيني سوى المزيد من القلق والارتباك.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3884 - الخميس 25 أبريل 2013م الموافق 14 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً