من المعروف أن العلاقات بين شرق شبه الجزيرة العربية أو ما كان يُطلق عليه إقليم البحرين سابقاً وبين جزر البحرين أو ما تُعرف بأوال سابقاً؛ قديمة جدّاً بقدم وجود الشعبين على ضفة الخليج الغربية وبين جزره. ولهذا نجد هنا تشابهاً غريباً في الجغرافيا والسكان بين المنطقتين، أضف إلى ذلك، وحدة العادات والتقاليد والتراث المشترك ناهيك عن العقيدة والدم.

وفي سياق تلك العلاقة المتجذرة تاريخيّاً تأتي العلاقات والمصالح التجارية المشتركة بين تجار المنطقتين رافداً طبيعيّاً.

وثيقة اليوم وهي من مجموعة الشهاب، تتحدث عن جزء معين من أنواع تلك المصالح التجارية بين (سيهات) بالمنطقة الشرقية و(الدراز) في البحرين. ويمثل المجتمع السيهاتي تاجر يدعي حسن (غير واضح الاسم الثاني من توقيعه)، ويمثل المجتمع الدرازي البحراني تاجر اللؤلؤ المشهور في البحرين والخليج والهند في زمن الوثيقة، الحاج عبدالمحسن بن الحاج متروك آل شهاب.

تاريخ الوثيقة هو 25 من جمادى الأولى العام 1338 هـ وهو يصادف تقريباً (14 فبراير العام 1920 م)، أي هناك ما يقارب 94 عاماً تفصلنا عن هذه الوثيقة، وتعتبر من وثائق المعاملات التجارية.

نص الوثيقة يقول:

«بسم الله تعالى

من سيهات إلى الدراز في 25 ج 1 سنة 1338

إلى جناب الأكرم المكرم الأحشم الأشيم الأخ الأفخم الحاج عبدالمحسن بن المرحوم الحاج متروك المحترم

سلمه الله تعالى، وحرسه آمين بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ومرضاته وأزكى وأشرف هباته على الدوام، وثم كتابكم المرسل المؤرخ في 16 الجاري وصل وما عرفتم فيه صحيح معلوم من خصوص مسألة (التنبو ؟؟) الذي أرسلناه لكم حد النهاية في النزول إلى أربعة آلاف (4000) ربية، والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى هذا ما لزم مما (؟؟).

تشرَّف وأبلغ سلامنا الأولاد العزاز كما من لدينا الأخ والأولاد يهدونكم السلام ودم سالماً محروساً والسلام المحب حسن ؟؟

نص الحاشية الجانبية وكتبت بخط مائل:

وإن شاء (الله) تاخذوا لنا سبع اغتر

شال من أبو حاشية وثلاث نصفيات

زري اللون بنظركم أما نلس (ربما نيلى) أو بيذانة

طيب والسلام».

- ملاحظات:

قراءة الوثائق الممزقة أو غير مكتملة النص أو المشوهة بالحبر أو غبار الزمن تحمل عدة تفسيرات مع مراعاة زمن الوثيقة، وسبب كتابتها، والمرسل والمستقبل ومدى علاقتهما الاجتماعية والتجارية في وضعية وثيقتنا المذكورة. وهنا تواجهنا محاولة قراءة أهم عبارتين في الرسالة التي جاءت عن طريق البحر من سيهات إلى الدراز، وهما (مسألة التنبو، هذا ما لزم مما (؟؟). فإذا كان الحديث بين تاجرين وهما، كما يبدو، صديقان أيضاً، فلا بد من وجود بضاعة قيمة الثمن بينهما. وبما أن الحاج عبدالمحسن بن شهاب معروف بأنه تاجر لؤلؤ كبير في البحرين حينها فإذن من يتعامل معه بالطبع سيكون من صنف ما يقوم به من عمل في أسواق اللؤلؤ والطواشة. وبالتالي يُحتمل أن تكون عبارة (مسألة التنبو..) يقصد بها بضاعة تتماشى مع سياق عمل الاثنين في ذاك الزمن. وهذه البضاعة ليست متداولة ضمن البضائع رخيصة الثمن لأن آخر رقم تمكن التاجر السيهاتي أن يصل فيه تنازلاً لصديقه البحريني الدرازي، كما أوضح في رسالته، هو (4000 روبية هندية) وختمها بعبارة تدل على قوة هذا التنازل وهي (والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى). كما يتضح من متن هذه الرسالة وغرضها أنها وصلت إلى يد عبدالمحسن بن متروك بن شهاب قبل سفره خارج البحرين ربما إلى الهند أو منطقة أخرى قريبة بها ما طلبه صديقه السيهاتي منه شراءه. وما يدعم هذا الرأي هو تلك الحاشية في نهاية الرسالة والتي كُتبت، من طريقة وموقع الكتابة وسط أسفل الرسالة، بعد تذكر شيء نُسي ضمن السياق العام للمتن. وتم فيها تدوين البضاعة المطلوبة بشكل خاص جداً وهي (سبع اغتر شال من أبو حاشية، وثلاث نصفيات زري اللون أما نيلي أو بيذانة).