العدد 4063 - الإثنين 21 أكتوبر 2013م الموافق 16 ذي الحجة 1434هـ

الذاكرة الانتقائية

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تعتبر الذاكرة الانتقائية ظاهرة من الظواهر المعروفة في علم النفس، وتتمثل في رفض العقل الباطن حفظ التفاصيل المتعلقة بشخص أو حدث ما وخصوصاً هؤلاء الذين يمثلون مصدراً للإزعاج والضيق، فيكون رد فعل اللاشعور الداخلي هو رفض هؤلاء الأشخاص أو الأحداث ورفض كل التفاصيل المرتبطة بهم بشكل لا إرادي.

تكمن أهمية إلقاء الضوء على هذه الظاهرة النفسية في كونها تلعب دوراً مهماً في عرقلة عملية المصالحة أو التفاوض على الصعيد السياسي، ناهيك عن دورها الأساسي في النزاعات الشخصية، وهي تعمل على وقف أي تقدم في عملية فض النزاعات، ذلك أن كل طرف يحتفظ في ذاكرته التي تحولت لا شعورياً إلى ذاكرة تنتقي من الأحداث ما يعزّز موقفها ومطالبها، وهو ما يصبح معه الوصول إلى حلٍّ مقبول من الطرفين أمراً مستحيلاً.

ما يحدث اليوم في عدة دول تعتمد منهجية التفاوض أو ما تفضل السلطات أن تطلق عليه الحوار الوطني جزء من عدم الوصول من خلاله إلى حل أو توافق بين الأطراف المتنازعة هو طرح كل طرف الأحداث والوقائع التي تدعم موقفه في حين لا يعطي للصورة الكاملة حقها من التحليل والتفهم، ولا تدرك الأطراف المتنازعة ضرورة الوقوف في منطقة جامعة.

نحتاج اليوم نحن وغيرنا من دول تمر بذات المخاض، إلى تغليب العقل والمصلحة الوطنية على ديكتاتورية العقل الباطن الذي يختار أن يحيل ما لا يرغبه إلى النسيان القهري، والعمل على مستوى المنطقة المقبولة وما يحيطها من مختلفات يمكن العمل على مناقشتها إلى حدّ ما دون أن يوصل ذلك النقاش إلى طريق مسدود كما في حالة مناقشة المختلفات التامة.

إن التطور والنمو السياسي هي عملية تراكم لا يمكن أن تحدث فجأةً، لكنها تحدث بعملية تلقائية عبر تراكم الأهداف السياسية التي تتحقق عبر فترات زمنية محددة.

المطالب العليا والإصرار عليها جيّد، لكنه قد لا يفضي إلى جدوى في ظل هذا الخلاف القائم والاختلاف بين الفرقاء السياسيين، وفي الناحية الأخرى طرفٌ يمارس انتقاءً لما تمثله حقوق الإنسان في نظره، فيدافع عن حقوق الجاليات بينما يمارس في الوقت ذاته ضد خصومه انتهاكاً واسعاً لحقوق الإنسان، وإقصاءً وتهميشاً واعتداءً لا تستقيم معه قيم حقوق الإنسان.

لنبدأ بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة، لنتفق أن المواطنين متساوو الكرامة، ونقر ذلك ثم نبني على ذلك استحقاقات سياسية تحدّد بأهداف زمنية محددة. فهذا الوطن لا يمكنه المضي دون جناحيه، ولا يمكن لهذه الخصومة السياسية التي تكاد تصبح إنسانية، أن تستمر إلى الأبد. لنستفِد من تجارب الآخرين، ولسنا بحاجةٍ إلى العبور في أنفاق الكراهية قبل أن ندرك أن قدرنا العيش معاً.

علينا الإيمان أن التغيير سمة الكون، والتقدّم للوراء لن يحدث أبداً، ولهذا لا يجب مراكمة هذه الفاتورة الإنسانية الباهظة من أجل استحقاقات سيقدّمها التاريخ شاء من شاء وأبى من أبى.

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 4063 - الإثنين 21 أكتوبر 2013م الموافق 16 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً