العدد 4076 - الأحد 03 نوفمبر 2013م الموافق 30 ذي الحجة 1434هـ

عصر مغلق لا مفاتيح له... و«تختين السنانير»!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

مثل يطلق على من لا شُغْل يشْغله: «يختّن السنانير». على رغم أن الختان للبشر، وضمن اعتقادات وأديان محدّدة؛ تظل أقلية ضمن أتباع الاعتقادات والأديان الأخرى. المشكلة أن المسئولين عن السياسات وتقرير مصائر 7 مليارات إنسان، الغالب منهم لا شُغْل له سوى إشغال الناس بالتفاهات زيادةً على التفاهات التي يعيشون تفاصيلها بشكل لحْظي؛ بفعل الفراغ والمناورات والخَتَل في لعبة السياسة التي يمكن لأي مخلوق أن يتوكّل على الله ويصفها بالقذارة وله أجران؛ وإن أخطأ فله أجر!

أدونيس يحصر الكلام على «النهضة» عربياً في مئتي عام، نهضة أكلت الأخضر واليابس، وأصابت الأمة بعجز كلي وشلل لا يخطئه صاحب نبض متهالك! حدث ذلك قبل قرون أو تزيد. لا نهضة تحضر وتبرز في ظل هيمنة مطلقة وميراث من أب لابنه لا في السلطات والدور الذي يطلع به؛ بل في ما يرث من البشر علاوةً على وراثة العرش والموارد والحدود.

ما علاقة عنوان الموضوع بالنهضة؟ في الختان «نهوض» بحسب بعض الأبحاث؛ علاوة على تجنّب أمراض. تجنّب الأمراض يسمح للإنسان بالحركة والانتشار والتأمل ومن ثم يبدأ بالتقليد مروراً بتطوير ذلك التقليد وصولاً إلى الاستقلال في الابتكار. تلك هي النهضة. أن تكون مستقلاً في حركتك وحراً في تفكيرك، ومضيفاً لعقل العالم من حولك، يتطلّب كل ذلك انشغالاً دائماً، وحركة حرَّة في النظر والتفكير وعدم الخوف من المحاولة. الانشغال يضيف إليك قبل أن يضيف إلى العالم. الفراغ الذي تعيشه وتحياه وأنت منسجم ومندمج مع حال «التنْبَلَة» يدفعك دفعاً إلى البحث عن التفاهات. من ضمن تلك التفاهات ترصّد «السنانير» لإجراء عملية «ختان» لها؛ وترى في ذلك ذروة الاكتشاف. اكتشاف التفاهة!

السياسة العربية اليوم، وأداء السياسيين لعب في الوقت الضائع. هذا التراكم في الكوارث والمآسي والخراب لا يمكن لعاقل أن ينسبه إلى عمق في الأداء ومسئولية تتوخّى أداءها بضمير. كأنني أخطأت بإقحام الضمير هنا. السياسة اليوم من دون ضمير أساساً، وذلك ما يبرر صنع مزيد من الكوارث والمآسي والخراب!

وبالعودة إلى «تختين السنانير». الختان في إجرائه نموذج مُكرّر في التفاصيل؛ لكنه يتفاوت في الأثر والنتائج؛ تبعاً لظروف ومحصّلات وبيئة أيضاً. وهو من حيث الإجراء نموذج مكرور. في اللعب فراغاً بمصائر الناس؛ أو تشفياً أو انتقاماً، السياسة من وراء كل ذلك لا تقدّم نماذج لشعوب مختلفة. تقدّم شعوباً من عُقَد، منكسرة، مُسْتَلَبة، محتواة، مُكررة في بطالتها، وعملت آلة الرعب عملها في تعطيل أو إتلاف إمكاناتها وقدراتها وإبداعاتها. ذلك في الغالب؛ إلا ما رحم ربك.

وفي «تختين السنانير» الاشتغال على الوهم بإغراق الناس بوعود من خطابات؛ أو خطابات من وعود، لا فرق. التغنّي لهم بالحريات فيما الوطن يضيق بنملة! التغنّي بالإنجازات فيما البؤس والخراب يطل بوجهه أينما ولّيت وجهَكَ! التغنّي بالحقوق، فيما الحيوان أكثر ثقة بجهات ترعاه وتتعهّده وتقيم له حيّزات إقامته واستقراره؛ وإن اضطرت تلك الجهات إلى تعقيمه فلتجنّب أذى يطوله يصل إلى الموت؛ باعتباره حيواناً ضالاً. بتلك السياسات يتم التعامل مع الإنسان باعتباره ضالاً ومُضِلاً؛ لذا لزم تعقيمه وتخليصه من كرامته وقيمته ومعناه وجدواه وأثره!

مثل تلك السياسات لم تفعل شيئاً سوى الفراغ والعبث. السياسة التي لا تُخرج الإنسان من ضيقه إلى سعَتِه هي محْض فراغ، وفراغ قاتل ومستنزف لما تبقّى فيه من إمكانات وطاقة. السياسات التي تحمي القائمين عليها، تفصيلاً لقانون ينجون منه، ليكونوا بعيداً من مساءلته واستجوابه وإدانته لا شيء فيها غير استدراج الإنسان الذي هو تحت رحمتها إلى مزيد من تغييبها له، ومواراته التراب حياً!

يبدو العصر الذي نعيشه أجساماً وإحصاءات فحسب، بالسياسات التي نشهد، لا مفاتيح له. عصر مغلق بفعل أقفال تلك السياسات. كل في حجْزه الانفرادي؛ وإن سرح ومرح في الأماكن التي تبدو مفتوحة؛ ولكنها مُحْكَمَة الإغلاق على حركة الإنسان، بتحديدها وتحديد خياراته وقناعاته وصوت تلك الخيارات والقناعات.

في المحصلة: «ختان السنانير» لن يفيد العالم شيئاً بالتحصّن والتوالد. ما تقدمه السياسة العربية عموماً من فوضى تعاطٍ مع معضلات وحاجات وضرورات الشعوب هو بمثابة تعقيم لحيويتها وقدرتها على الخلق والإبداع ومواجهة التحديات، والخروج من دوائر التبعية والعبودية المحلية والدولية، إلى مزيدٍ من حشْرها في الدوائر المغلقة التي هي في حقيقتها معتقلات رأي وسجون للإرادة ومراقبة لأنفاسها ووضع أكثر من جحيم بمقامع لو فكّرت أن ترفع رأسها، والأدهى صوتها احتجاجاً على هذا الإمعان في الخسْف والجحيم الذي يتوهّمون ألاّ نهاية له. نهايته حتمية ولو كره الواثقون من وهمهم!

وفي المحصّلة النهائية: لسنا «سنانير» كي تجرب السياسات فراغها وإفلاسها من خلالنا. أنهينا الخِتان بجدارة ولضرورة ومن قبل عارفين؛ وليسوا هواة أو يعانون الفراغ. أنجبنا. تعلّمنا. ضمائرنا يقظة من دون منبّه توقّته جهة أو نوقّته نحن. العالم وظيفته الحركة والتمرد أيضاً ونحن جزء من ذلك العالم. والذين يعانون من الفراغ والنبْذ تلك مشكلتهم! وليظلوا منشغلين بـ «ختانهم»!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4076 - الأحد 03 نوفمبر 2013م الموافق 30 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:27 ص

      ماكو سنانير في الديره

      بسبب مسيل الدموع قتلت جميع السنانير . والآن جاء الدور على الوزغ ....ههههه

    • زائر 2 | 2:22 ص

      العقل

      ما العمل إذا العقل معطل

    • زائر 1 | 12:02 ص

      مقال اكثر من روعة

      بديع اخي العزيز ان اقرء لك مع قهوة الصباح يبني فيني الامل امل اليقظة والحلم الجميل فهل لنا من رغف بئرك غدقا اكثر

اقرأ ايضاً