العدد 4079 - الأربعاء 06 نوفمبر 2013م الموافق 02 محرم 1435هـ

الزلازل بتحوُّل الطبيعة... زلازل البشر المصطنعة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

للطبيعة تحوّلاتها... غضبها واستقرارها. الزلازل لا تمزح. بحسب قوتها يكون النسف والخراب وإعادة الحياة والإنجاز البشري إلى سيرته الأولى. إلى الصفر. البشر لا ينشغلون بتوقيت دقيق لوقوع الزلازل. كل عبقريتهم اليوم، مع كل ما توصّل إليه الإنسان من رصْد للأنفاس وفبْركة خرائط للنوايا إلا أنه يظل عاجزاً عن تحديد ترصّد الزلازل له. ربما لأنه مطمئن من جهة أن تحولات الطبيعة لا تأتمر بسياسي أو زعيم حزب؛ بغضّ النظر عمّا إذا كان حقيقياً في دفاعه ومطالباته ومواجهته لأساليب القهر أو هو من فصيلة «الغونغو» تلك التي لا خليّة خيار في تكوينها. وجدت لتنفذ لا لتستلّ المطالب من عين الذي اغتصبها. الزلازل لا تخضع لمنظومة التحكّم البشري في الإنسان وتفاصيله.

هناك زلازل اليوم يتوقعها الإنسان في صحْوه ونومه. في استقراره واضطرابه. في سعادته وشقائه. في غناه وفقره. في عافيته وسُقْمه. في ثباته وانهزامه. في موالاته الزائفة في كثير من الأحيان وخروجه واحتجاجه. زلازل تضع الإنسان مواضع اختبار. اختبار عبثي ومزاجي. اختبار للاطمئنان على مستقبل الذين يقرّرون مثل ذلك الاختبار؛ لا الاطمئنان على موضوعه (الإنسان).

زلازل من الأنانية والغدْر والفتْك والتلاعب بالمصير البشري. الإنسان عدو الإنسان. الزلازل لا أعداء لها. لا تتقصّد إنساناً أو شعباً بعينه. لا تتقصّد جغرافية محدّدة لأنها تكره شعبها، بسبب ألوانهم أو دينهم أو مذهبهم أو بسبب قبحهم المفرط؛ أو وسامتهم في الحدود القصوى من الفتنة. ظواهر الطبيعة لا تمييز عنصرياً لديها. لا تتقصّد ذوي البَشَرَة السمراء؛ مجاملةً لذوي البشرة البيضاء. نداء تحولها وغضبها بمعايير ونُظُم وقوانين. تدمّر هنا لحكمة بالغة لن نحيط بها. وتستثني في ذلك التحول المدمّر والتغيّر الناسف أمكنة أخرى للحكمة البالغة نفسها؛ إذا كل شيء لدى مسيّرها بمقدار.

ذلك المقدار هو الحكمة البالغة. لكن؛ تعالوا بفحص سريع وعابر، لمن نصّبوا أنفسهم آلهة على الأرض. آلهة لا تجيد من ألوهيتها المُتخيّلة والمُصْطنعة إلا احتراف تعميم الآلام والفساد والجوْر والطغيان والمصادرات والحجْز والحجْر، وإدخال كل ما لا يوافق هواها ولا يمتثل للطقوس والممارسات التي تفرضها ضمن دائرة إرْثها.

تلك الآلهة الواهمة المتُوهّمة المُصْطنعة لا تجيد شيئاً غير الزلازل؛ بل كل زمنها زلازل متعاقبة. وهي زلازل ذات فرز عجيب. تدكّ بيت معارض لها هنا - بغضّ النظر عن ماهية ذلك الدكّ - وتنسف وجود «متطاول» على «الذات» هناك، وتُدخل «مسيئاً» لـ «العرْش» في مجهول هنالك، لن تستطيع معه أجهزة «الآلهة» الحليفة من كشف موقعه والغيابات التي إليها انتهى!

الإنسان اليوم يعرض في سوق سوداء. سُوق زلازل يساق إليها سَوْقاً. بعض يذهب إليها بخياره، بعض آخر يطالب بالتوسّع فيها وفتح فروع في كل زاوية ومنعطف في الأوطان المُنتجة لها! في القيمة المُهانة، والتغييب الذي تلعب في تفاصيله وتفسيره نشرات الأخبار الرسمية، والإعلام الذي لا يمكن تصنيفه إلا ضمن الرَخَويات بهذا التهدّل والميوعة و»الانسداح» والتمدّد كالسرطان في وعي الأمة.

زلازل الآلهة الأرضيين سرطان جماعي. يطول الجميع. من التاجر الفاسد الذي يَمْكر ليحيل ملايينه العشرة إلى مئة، إلى المتسوّل الذي ضاقت به سبل العيش أو هُدَّ من شيخوخة وعجز. ثمة دورة فساد ومسالك لها تصب في نهاية المطاف تحت عناوين شتّى في جيوب الآلهة الأرضيين!

زلازل لا يخطئها حس وشيء من انتباهة ضمير، في صور فقر لن تجدها لدى القبائل البدائية في مجاهل الأرض، تلك التي لا تنام على محيطات من ثروات طبيعية بل محبّطات من فقر يتمدّد ويستشري في الطبيعة والبشر. فقر في دول تتمظهر بالمدنية وجزء من شعوبها خارج سياق العصر في نمط حاجاته واتساع الفجوة بين الذين لا يكفّون عن النهب والسرقة وامتصاص دم الفقراء، هو ثروتهم الوحيدة التي تعينهم على السعي في الأرض ولو للحاق بما تبقّى من نفايات يتركها اللصوص في أطراف المدن!

الطبيعة تتحوّل بمقدار وحكمة. الزلازل لا تأتي ولا تُقرّر بالمزاج تخريب طمأنينة واستقرار الأشياء عدا البشر. الزلازل التي مصدرها ممارسات البشر تكاد لا تنتهي ولا تتوقف عن فعل وممارسة ذلك المزاج المَرَضي. يمكن رؤية ذلك في البيئة التي يتم الترخيص لما يدمّر بشرها ويميتهم ببطء، لتذهب مداخيل منشآت في جيوب أصحاب الذمم المنعدمة، ليُعْدم البشر بمباركة براءات مدفوعة الأجر تطلع بها تقارير الجهات المسئولة عن البيئة والصحة!

يمكن رؤية ذلك في الاقتصاد. اقتصاد مجموعات وأفراد تحت اسم حرَكي: الدولة! لا العكس! يمكن رؤية ذلك أيضاً بزلازل إطلاق يد المعتوهين والمرضى والأميين والمنحرفين والشاذّين الذين لا يهجعون الليل إلا قليلاً، لا سهراً على الروح ومحاولة لتلمّس طرق خلاص للبشر؛ بل للبحث عن مزيد مما يُضيّق الخناق عليهم، ويستلب قيمتهم وكرامتهم ويوردهم المهالك المُعَدَّة سلفاً!

بزلازل الذين قُدَّتْ قلوبهم من غياب وتشفٍّ، ويرون عذابات سواهم نعيماً يقيمون فيه، وتراكم قتلاهم عُمُراً يضاف إلى أعمارهم، واضطراب حيواتهم ومعيشتهم استقراراً وبذخاً يستحقونه، والتطاول عليهم وتحريف وجودهم وتاريخهم تأسيساً لمستقبل وإنجازاً لا صنوَ له.

تلك هي الزلازل التي لا تُبقي ولا تذر، وتتعمّد الترصّد وبها وعندها من العبث الحديث عن أن هذا الكوكب إلى الآن صالح لعيش الكائن البشري عليه بوجود أشباه بشر منتجين لزلازل لا تبقي ولا تذر.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4079 - الأربعاء 06 نوفمبر 2013م الموافق 02 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً