العدد 4097 - الأحد 24 نوفمبر 2013م الموافق 20 محرم 1435هـ

ماذا تغيَّر... مِن قتل ابن خبّاب إلى شواء الرؤوس؟

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الإنسان يدخل أطواراً من غربته... يدخل أطواراً على مبْعدة من حقيقته ودوره. يدخل أطواراً من «العدَمية» الجديدة، وما هي بجديدة في واقع الأمر، إذا ما تمّ تفحّص نشأتها الأولى وجذورها. تؤكد ذلك هذه الموجة الشرسة من الجنون الردئ، والهوَس بالخراب والدمار والقتل واستباحة الدماء، والرقص على الأشلاء وقطع الرؤوس وحفلات شوائها؛ مع الحرص على توثيق تلك اللحظات المرَضية الشاذة البائسة بأرشفتها على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً «يوتيوب»!

ماذا تغيّر منذ نشأة وتنظير جناح الخوارج من بعد التحكيم في معركة صفّين؟ أعني من حيث اتباع الأساليب والتقصّي والتكفير بالسهولة نفسها التي تحدث مع أحدهم في تلبية نداء الطبيعة؟!

ماذا تغيّر والإنسان يتبجّح بأنه اجتاز الألفية الثانية انتماء إلى الألفية الثالثة؟ لن يتجاوز المنحط من حيوانيته والرديء من جنونه، والتافه من أوهامه والرخْو من هذيانه؛ ولو اجتاز الألفية الأَلْف، أعني الذين أُقحموا إقحاماً في التصنيف ضمن الجنس البشري، وهم دون الأشياء والعدم بمراحل.

شواهد يمكن سرْدها ليست إحصاءات؛ لأن مثل ذلك ضرب من محاولة ملاحقة الشر والانحطاط فيما ينوي ويقعّد له.

بالرجوع إلى نصوص مثبّتة لدى الذين يقتِلون باسم الدّين ولدى الذين يُقتلُون. عن أبي سعيد الخدري قَال: بينما نحن عند رسول اللَّه وهو يَقْسم قسماً أَتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله، اعْدِلْ! فقال: «وَيْلك! ومنْ يعْدِل إذا لمْ أَعدِل، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِن لم أكنْ أَعْدِل». فَقال عُمر: يا رسولَ الله، ائْذنْ لي فيه فأَضْرب عنقَه. فقال: «دعْه، فإنَّ له أَصحاباً يَحْقِرُ أَحَدكم صلاتَه مع صلاتهمْ وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يُجاوز ترَاقِيَهم، يَمْرقون من الدِين كما يَمْرُقُ السهمُ من الرَّمية، يُنْظَر إلى نَصْلِه فلا يُوجَدُ فيه شَيْء، ثُم يُنْظر إلى رِصافه (عقب يُلوى فوق مدخل النصل في السهم) فما يوجَدُ فِيهِ شَيْء، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّه (قِدْحُهُ) فَلاَ يُوجَد فيه شَيْء، ثُم يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَد فيه شَيْء، قَد سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُم رجُلٌ أَسودُ إِحدى عَضُدَيْه مِثْلُ ثَدْيِ المرأَة أَو مِثْلُ البَضْعةِ تَدَرْدَرُ، وَيخرجون على حين فُرْقَة من النَّاس».

ابن الجوزي يعلّق على حديث: «وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ...»: أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة التميمي.

وفي لفظ روى البخاري في صحيحه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: إذا حدثتكم عن رسول الله حديثاً، فوالله لأن أَخِرّ من السماء أحبّ إليّ من أنْ أكذب عليه، وإني سمعت رسول الله يقول: سيخرج قومٌ في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قَتْلِهِم أجراً لِمَنْ قَتَلَهم يوم القيامة».

لنبدأ بعبدالله بن خبّاب بن الأرت. حين وقع بأيديهم بعد حديث طويل استشهد بحديث لرسول الله: «تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه، يمسي فيها مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح فيها مؤمناً ويمسي كافراً...».

قالوا لهذا الحديث سألناك.. فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما ثم عرض لرجل منهم خنزير، فلما قتله أقبل أصحابه الخوارج فلاموه. وقالوا له: هذا فساد في الأرض! وسألوه عن حكم عثمان فأثنى عليه وسألوه عن الإمام علي والتحكيم فأثنى عليه وقال عنه: إنه أعلم بكتاب الله منكم ومني، وأنفذ بصيرة، وأشد توقياً على دينه. قالوا له: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائهم لا على أفعالهم. والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً»!

فذبحوه، ثم ألحقوه بزوجه بأن بقروا بطنها. وتكمل الرواية، وعندما جاءت ثلاث من النسوة وحاولن إنقاذ المرأة قتلوهن أيضاً!

وقتها لم تكن هنالك وسائل إعلام. لم تكن هنالك سي إن إن، أو سي إن بي سي، أو فوكس نيوز. لم يكن هنالك دعاة فتنة ومحرّضون. لم تكن هنالك دول تدفع وتحرّض وتموّل وتمدّ لوجستياً بشتى أنواع الأسلحة والأموال الخوارج والتكفيريين. لم يكن وقتها جمهور يصفّق ويرقص ويتناقل صور الذبح والنحر!

كان القتل خالصاً للغلوّ والظلام الذي عليه القوم. اليوم القتل والذبح وشواء الرؤوس يتوزّع لكسب رضا دول كي لا يتوقف المدد في أرصدة المصارف، ولرضا جمهور على الجانب الآخر من المشهد يترقّب التفنّن في ذلك القتل كي يصفّق ويرقص ويتباهى بأكثر من أحدوثة في القتل.

في الألفية الثالثة في سورية، ضمن استكمال لمشروع «خوارجي» أكثر دموية وجهلاً وارتجالاً في سفك الدم الحرام: يتم قتل جريح ممن يسمون «أحرار الشام» على يد واحد من خوارج «داعش» وهو تحت تأثير التخدير بعد أصابته بجروح بالغة وظل يتمتم باسم حسين... علي (ابناه) هنا لم يحدث حوار أو استجواب أو استنطاق، ولن يحدث لأن الرجل تحت تأثير بقايا التخدير ومع ذلك قرّر شرعهم وضع حد لحياته اجتهاداً ولهم أجر! رئيس مجلسهم الشرعي برر الأمر بما يتسق وتلك العقيدة. التبرير وحده ما بعد الكارثة: ظنّوه شيعياً! إذاً يمكن للحدود أن تطبّق بالظن والشبهة! إذا كان يصح إطلاق مسمّى حدود عليها!

في الألفية الثالثة أيضاً: أقدم ثلاثة أشقاء ينتمون إلى تنظيم القاعدة في محافظة ديالى شرقي العراق على قتل أسرتهم بالكامل بعد حصولهم على فتوى بقتل حتى الطفل الرضيع.

وكشف الناطق باسم شرطة ديالى لوكالة أنباء «شينخوا»، المقدم غالب الكرخي، أن قصة الأشقاء الثلاثة تبدأ عندما اعتنق الشقيق الأكبر فكر القاعدة وانخرط في خلاياها المسلحة وأصبح أحد قيادات الجيل الثاني لها قبل أن يتم اعتقاله من قبل القوات الأميركية، ويزج في معتقل بوكا لبعض الوقت، قبل أن يتم الإفراج عنه بعد ذلك ليعاود العمل مرةً أخرى في صفوف الجماعات المسلحة، مبيناً أن الأب لم يقبل بما فعله ابنه وقام بطرده من البيت وفضح ما يقوم به أمام الناس؛ ما دفع الابن إلى الانتقام بعد أن زج اثنين من أشقائه الصغار في صفوف القاعدة ليصبحا أشبه بأداة تنفذ كل ما يراد منها.

في سورية مع وصول طلائع الخوارج العابرين للحدود والقارات: طفلة لا يتعدى عمرها الـ 3 سنوات تقيّد بقوة بسلاسل حتى البطن، بعد أن تم ذبح عائلتها أمام عينيها، وتركت على تلك الحال إلى أن فارقت الحياة بكاء وجوعاً وعطشاً. تركت لا رحمة بها؛ بل للعبرة!

للمرة الثانية: ماذا تغيّر؟ على العكس هذا العصر والعصور التي ستليه، مرشّح أكثر في استيلاد نماذج تنتمي زُوراً إلى البشر، فيما هي على مبعدة منهم، وتمارس ما لن تتشرّف الحيوانات على ممارسته!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4097 - الأحد 24 نوفمبر 2013م الموافق 20 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:34 ص

      لا حول ولا قوة الا بالله

      والله ان الانسان يخاف من نفسه ويقول نعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اغمالنا يالله خير الخاتمه

    • زائر 4 | 12:34 ص

      الفكر المتخلّف والاخطر اذا اعطي له النفاذ الى داخل المجتمعات

      هذا الفكر المتخلّف اذا اعطي فرصة التحرّك واعطي الدعم فإن ذلك يعني الخطر على كل العالم
      هذا الفكر المتخلف العقيم ان ترك لهم الحبل على الغارب فانهم يهلكون الحرث والنسل

    • زائر 2 | 11:21 م

      لا فض فوك

      اجدت واتقنت وابدعت في وصف هذه المخلوقات الوحشية التي لا تندرج تح أي مسمى للأي نوع من أنواع الحيوانات .

    • زائر 1 | 10:16 م

      التكفريين

      الحاضِن والمُموِل لهم معروف دول الخليج

اقرأ ايضاً