العدد 4107 - الأربعاء 04 ديسمبر 2013م الموافق 30 محرم 1435هـ

الذين يريدون لنا أن ننسى... الوجود: أن تتذكّر!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الذين يريدون الأخذ بنا إلى متاهات النسيان، لا يتذكّرون سوى الأيدي العارية التي تلوِّح احتجاجاً، والسبّابات التي تُومئ إلى التجاوزات، من دون الحاجة إلى أن يتزنّر أي من المطالبين بالحقوق بأحزمة ناسفة، أو تفخيخ من الدُبُر الذين يقدّمونه إلى العالم، ويتحدّثون باسمه، ولا يتردّدون في التصريح والتلميح بأنهم وكلاؤه على الأرض، كما يحدث في بعض البيئات المشحونة والمُموَّلة بالفتن والأموال. من دون الحاجة إلى أدوات عنف، فقط سعياً إلى تعميق وجوده، وإثبات مركزيته في هذا الكون، ضمن أحوال واشتراطات وضعتها السماء.

يريدونه نسياناً لقيمة ومعنى ووزن الوجود الذي من دونه يصبح الإنسان رقَماً. أي رقَم ولو رقَم أموات في مشْرحة، أو على جادَّات وأرصفة هذه الأوطان التي لا تخلو أيضاً من الأحياء الأموات. الأحياء الأموات بتحريضهم على الحياة ونفخهم في كير الكراهية، وذهابهم حتى النفَس الأخير إلى التحريض على الإنسان المغاير، والذين يرونه لا يتطابق مع حال من السقوط والسفالة والسَفَه الذي يريدونه أن يعمّ ويشيع في دنيا الناس!

يريدونه نسياناً كي تكون التفاصيل في المحيط والزمان وفْق أمزجتهم وهوَسهم بالسطوة. وفْق ما يرونه صالحاً لهم، ولو كان على خلاف صالح وصلاح الآخرين، ولو كان مستجْلباً للخراب، ومُعمّقاً للفتن، وضارباً للحْمة الإنسانية.

كيف للنسيان أن يجد له موطئ حضور في الذاكرة التي يُراد احتواؤها واختطافها وحشْوها بما يريده المستهدِفون لك، فقط لأنك لم تأتِ إلى هذا العالم كي يؤثّث أحدهم مصيرك، ويكتب لك «مانفيستو» للتنفس واليقظة والنوم والبوح والصمت والرقص والذهاب إلى العمى الذين يريدونه أن يكون مؤبّداً.

مثل ذلك النسيان لا يقل عن الموت في تفاصيله. بل هو الموت الشاخص، الماثل الذي يدل على أنك لم تكن هنا. لم تعبر هذا الكوكب، ولا قيمة يمكن أن يُستدل بها عليك.

مثل ذلك النسيان الذي تتم إدارته اليوم في واقع أوطان تدار بالنسيان أيضاً، وتدار «بتوثيق ملكيتها» لأحدهم لن يصمد أمام فعل الإنسان وحراكه، والذاكرة التي كلما أضاء ذلك الفعل والحراك كلما كانت متوقدة واستثنائية!

والذين يريدون لنا أن ننسى، أو حتى حين ننسى، كأنما نقول للذين عربدوا في هذه الحياة والمصائر: كل ما ارتكبتموه ليس مقنعاً وليس أنيقاً كما يجب!

***

ليس بمنطق اللعب بالأوراق والرهان. ليس بمنطق الربح والخسارة الناتجيْن عن أوراق تُلقى؛ بحسب مقولة هنري ميشو: «ألقِ أوراقك... أقل لك... أنت لن تربح إلاّ في الخسارة»!

ربما الخسارة التي ستربح عبْرها ومن خلالها، تلك التي يرمي إليها ميشو، ألاَّ يحول بينك وبين الحق في الحراك والمطالبة بتحسين وضع الحياة وشروط البقاء فيها، نظر إلى «موازين قوى» من حولك، ترهبك بنارها وحديدها وأشباه رجالها وكلابها.

إذا اختلّت موازين القوى في النفس والقناعات، لن تنفعك كل ترسانات الأسلحة في الدنيا. إذا كنت تافهاً من دون جدوى ومعنى، لا يتشرَّف المعنى ولا تتشرَّف القيمة أن تكون متحدّثاً باسمها ومن الخارجين والمطالبين بتحققها.

الخسارات اليوم لا تتأتى ولا تهيمن على حيوات الناس إلا عبْر نسيان الفرد والجماعات والأمم، من هو/ هم/ هي. لعب في الوقت الضائع هي الحياة يتم التعامل معها بهكذا وعي ناقص أو مُنْتهِب.

الذين يتعاملون مع الحياة باعتبارهم في خانة الحضور ضمن الوقت الضائع، لا مُحفّز لديهم كي يعكسوا المعادلة. أن يصنعوا أنفسهم كي يستطيعوا صنع زمنهم. تُصنع الأزمنة بالإنجاز. والأزمنة لا تخلو من ربح وخسارة. المهم كيف يمكن تحويل الخسارة إلى ربح؛ لا قفزاً وتجاوزاً على منظومات أخلاقية واعتبارها كأنْ لم تكن؛ بل بالتوازي معها في تحقيق الغايات والأهداف.

وأيضاً كيف يمكن المحافظة على الربح، لا الربح المادي بمعناه السمج والمباشر، ذلك الولّاد للأطماع، والمحفّز على السقوط، ومن ثم تحقّق الخسارة ومثولها في أجلى الصور.

وفي ذلك نسيان بيِّن. نسيان أن الربح في تهميش الأخلاق، والنصر في الوطء على القيَم، لا يؤكد ربحاً ولا يُكرّس نصراً.

والذين يريدون لنا أن ننسى هكذا ببساطة، سجِلُّ ما أحدثوه من كوارث وفظاعات وتجاوزات، وقفز على كل قيم الأرض قبل قيم السماء، لن يمنحنا فرصة الانسجام والتواؤم مع النسيان، والمضيّ في الحياة فيما تبقّى لنا من الزمن الضائع نحن أبناؤه الضائعون بمثل ذلك النسيان!

ولا مبالغة في القول: الوجود: أن تتذكّر!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4107 - الأربعاء 04 ديسمبر 2013م الموافق 30 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:52 ص

      مقال جميل

      مقال جميل

    • زائر 4 | 4:19 ص

      كل

      كل المشاكل الى صارة فى الخليج سببه التكفيريين الي ابتدعو دين جديد حتى دين السنه حاربوه المشتكى لله

    • زائر 2 | 11:35 م

      لن ننسى

      لن ننسى ولن نقول عفا الله عما سلف هذا ما أجمع عليه الشعب ولن يحيد عن هذا المطلب مهما كان الثمن

    • زائر 1 | 9:24 م

      حين تخلق السماء بشرا " غير مسلم" هل يصحح التكفيريون الوضع بقتله

      التكفيريون مهمتهم قتل كل انسان لا يتبع حرفيا ما يعتقدون به الاباضية ، الشيعة ، الصوفية مشركون و السنة الاشاعرة اصحاب بدع مضلون حتى الاموات منهم صلاح الدين حاكم ه وهو ميت و اعتبروه ضال عقيديا و الحكام كفره و من يتبعهم و الزاضي بهم من المجنمع هم مشركون يستحقون مفخخة او حزام ناسف ! اهذا هو الاسلام يا امة الاسلام ؟ السكوت من علامات الرضا و شراكة في الفعل لانه يخلق حواضن

اقرأ ايضاً