العدد 4144 - الجمعة 10 يناير 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1435هـ

ترشيد الخطاب... لأمة استهوت الدماء

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في الأزمات عادة ما ينادى أصحاب الخطاب المعتدل الداعي للسلم الأهلي والمنبثق من هموم الأمة، إلى مسك الزمام قبل أن ينفلت ويتلاقفه الجهال منه والقساة المتطلعون لإراقة مزيد من الدماء، يحدوهم حقدٌ لا توقفه أشلاء البشر ولا أناتهم.

الخطاب كما عرفه المتقدمون بأنه الكلام المقصود منه إفهام من هو متهيئ للفهم، فالخطاب نصاً يعبّر عن الفكر، وهو فن القول الموجه للإقناع والتأثير. لكن الخطاب لا يقف على الكلمة فربما تكون الصورة المعبرة عن الموقف تستلهم الحدث وتغني عن الحديث، وتحرك الساحة بأكثر من اتجاه وهي لم تنطق.

يُقال عندما تتلفظ يعني أنك تفعل، وهذا هو محور نظرية الفعل الكلامي، فالخطاب لا يأخذ مادته إلا ضمن التفاعل بين النص والمخاطب. ما يثير الاستغراب إننا في وطننا العربي وعالمنا الإسلامي أصبح غالبيتنا يطرب ويتفاعل لخطاب الكراهية وينساق إليه، وينشد إلى كل خبر سيئ، ولا يشجع على خطاب المصالحة والسلام والدعوة إلى العدالة الاجتماعية، باعتباره خطاب مهادنة وضعف وقلة حيلة.

خطاب التحشيد والكراهية وصل إلى قلوب البعض منا، فالفكرة التي تحرّك القلب أحياناً تسيطر على الدماغ وتنتج عقولاً مطيعة ومنساقةً لفكر الكراهية، وبالتالي تشترك في أفعال تتسم بالعنف والبطش، والتي أطرت بتأطيرات خارجة عن الذوق الإنساني، وأصبحت ثقافة تسربت إلى الأجيال من حيث لا ندري من أين مصدرها، وكيف لعقول باتت تبتعد عن خطاب نبي السلام (ص)، إذ يوصي أبناء أمته: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه».

نقول كما كان يقول من حوله حين يدعو أحدهم «لبيك». نعم، ترتفع أصواتنا بالتلبية إليه «لبيك يا رسول الله». ترتفع أصواتنا بمستوى حماسنا، لبيك بما ترتضيه طاعةً للرحمن. لبيك خلقاً، لبيك منفعةً للناس، لبيك رحمةً وعطفاً، إذ لا يصلح أن يرتبط بأمة محمد من هو قاسي القلب، يضرّ بمن حوله، يبطش ويكذب، ينتقم ويفسد، يتوانى ويبغض، يرى الظلم ويرتضيه، بل يقتل من حوله تفشياً وبغضاً، لأنه أبى إلا أن يحيي خطاب قساة الأمة، إذ مايزال خطاب الحجاج بن يوسف الثقفي «والله إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها» ماثلاً أمامنا، يعاد على مسامعنا مرةً أخرى. فخطاب يحظي بالظهور وآخر بالغياب، خطاب مقبول وآخر مرفوض. خطاب يداوي وآخر يجرح. خطاب يبني وآخر يهدم. أوروبا تجاوزت هذه المرحلة إذ تم إقصاء ما يعرف بالخطاب الأحمق في أوروبا في القرون الوسطى الذي أضحى لا يعتد به، ونحن مع إطلالة قرن جديد متحضر، مازال من بيننا من يستلهم من بطون التاريخ خطاب الكراهية والدم، وينأى بنفسه عن خطاب الحرية والكرامة الذي يزده عزاً وإنسانية.

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 4144 - الجمعة 10 يناير 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:04 ص

      هادول اكلة اللاكباد من السهل عليهم تلبية اوامر الشيطان إلاكبر

      لا يصلح أن يرتبط بأمة محمد من هو قاسي القلب، يضرّ بمن حوله، يبطش ويكذب، ينتقم ويفسد، يتوانى ويبغض، يرى الظلم ويرتضيه، بل يقتل من حوله تفشياً وبغضاً، لأنه أبى إلا أن يحيي خطاب قساة الأمة

    • زائر 1 | 1:01 ص

      مسلسل قساة القلوب سيستمر

      ستستمر الأمة في إنجاب بعض قساة القلوب إذ استمر البعض ينادي أنَّ كل شيعي هو رافضي حلال الدم، وأنَّ كل سني هو ناصبي مبغض لأهل البيت و هو هدف مشروع! و السبب هو العقائد المسطرة؛ و الروايات المختلقة في كتب المتعصبين من الطرفين.

اقرأ ايضاً