العدد 4171 - الخميس 06 فبراير 2014م الموافق 06 ربيع الثاني 1435هـ

أي مستقبل لليبرالية في العالم العربي؟

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

كاتب عماني والمقال ينشر بالاتفاق مع منبر الحرية.

الليبرالية باللاتينية وتعني حر، هي عبارة عن فلسفة سياسية وتصور عالمي تقوم على قيمتي الحرية والمساواة، وتقوم على الإيمان بالحرية الفردية القائمة على حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الإنسان وضمان حقوقه وحرية الاعتقاد والضمير وحرية التعبير والمساواة أمام القانون. ولا يكون هناك دور للدولة في العلاقات الاجتماعية، فالدولة الليبرالية تقف على الحياد أمام تنوع واختلافات الأفراد ولا تتدخل فيها.

ولد المذهب الليبرالي في الظروف التاريخية التي عرفت صراعاً بين مؤسسات وقيم الحرية الموروثة من العصور القديمة والعصر الوسيط وبين المغريات الاستبدادية التي سادت القرنين السادس عشر والسابع عشر، وظهر الجزء الأكبر من الأفكار الليبرالية في أوروبا منذ بدايات القرن السادس عشر، ولكن القرن الثامن عشر شكل استثناء خصباً في إنتاج هذا الفكر، ولعب عدد من المفكرين التنويريين والمنظّرين دوراً كبيراً في وضع نظريات مثمرة مع الواقع الاجتماعي.

والليبرالية لا تعترف بمرجعية مقدسة، فمرجعيتها هي في الفضاء الواسع من القيم التي تتمحور حول الإنسان وحريته وكرامته وفردانيته.

وقد حظي القرن السابع عشر والثامن عشر بالكثير من المفكرين والاقتصاديين الذين شكلوا اللبنة الأولى لليبرالية، وساهموا بأفكار تطورت حتى وقتنا هذا، فمنهم جون لوك (1632 – 1704) الذي ركز على فكرة التسامح، وكان له دور كبير غير مباشر في الثورة الأميركية. وجاء بعده جان جاك روسو الذي فصل فكرة العقد الاجتماعي وكتب فيها أشهر كتبه الذي سمى بـ «العقد الاجتماعي»، وكانت أراؤهم الليبرالية غير مرحب بها في وقتها.

ويعتبر مونتيسكو (1689 – 1755) من أهم مفكري عصره، وكان أشهر كتبه «روح القوانين» الذي قيل إنه تمت كتابته خلال 20 عاماً. ومن أهم أفكاره التي كان يدعو إليها هي الحرية والتسامح وتوزيع السلطة والتحرر من الأفكار الرجعية المتحجرة، وكان من أكبر المنظّرين لفكرة الفصل بين السلطات. وقد دعا إلى إقامة نظام فيدرالي، ومنه استلم مؤسسو الدولة الأميركية نظامها الفيدرالي وفكرة الفصل بين السلطات.

ويجدر ذكر مفكر عظيم آخر وهو فولتير (1694 – 1778) وهو كاتب فرنسي وفيلسوف، كتب الكثير من الكتب دعا فيها إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي، ودافع عن الدولة المدنية وهاجم التابوهات الدينية. ونجد أيضاً الفيلسوف والاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث (1723 – 1790) الذي يعد أول وأشهر من كتب عن السوق الحر والرأسمالية، ويعتبر كتابه «ثروة الأمم» من أشهر مؤلفاته التي تحدّث فيها عن أسباب الثروة ووضع ملامح لأفكاره الاقتصادية وتأثر بها الكثير من المفكرين الليبراليين.

وبعد ذلك جاء الفيلسوف الليبرالي الكلاسيكي جون إستيورات ميل (1806 – 1873) الذي يعد من أكبر المفكّرين الليبراليين المنظّرين لمبدأ الفردية، ويعد كتابه «عن الحرية» من أشهر كتبه.

إذا قامت الليبرالية لتصور عام عالمي يقوم على الحرية الشخصية للفرد، وبذلك حصل التقدم والازدهار. فالغرب كان يعيش في ظلام دامس كالظلام الذي تعيشه الدول العربية الآن، من جهل وفقر وبطالة واستبداد وعبودية ومستهلكين بدون تبادل حقيقي، ولكنه خرج إلى النور وصنع حضارةً عبر إيمانه بحرية الفرد، والتي ساهمت في إبداعه ومن دون تدخل من الدولة أو أية سلطة، ودون قيود أو تابوهات تحجر عليه فكره الواسع.

وليست الفلسفة الليبرالية أبلغ وصفاً وتعريفاً من الحرية، فهي كمذهب وفلسفة تتمحور حول هذه القيمة الإنسانية العليا، فهي وسيلة الأفراد للتقدم والتطور وصنع حضارة، وفي الحرية تكمن السعادة، فليس أنبل من أن يكون الإنسان حراً ينعم بالأمان، ويتحرّر من الخوف والقهر والظلم والاستبداد.

ما تمر به الدول العربية منذ عقود هي حالة شبيهة بالعصور الوسطى المظلمة في أوروبا، حيث حالة من الجمود الفكري والاستبداد السياسي بقوة الفتاوى الدينية والعسكر، صنعت عبوديةً طوعيةً كتلك التي تحدث عنها لابويسيه في مقاله عن «العبودية المختارة»، مكوّنةً لبيئة جامدة ترفض كل اختلاف ونقد أو فكرة جديدة، مما قتل الإبداع وساهم في تأخر المجتمعات وجعلها مجتمعات استهلاكية معتمدة على ما يأتي من الخارج، دون أن تنمّي نفسها وتلحق بركب الحضارة.

حاولت عدة حركات عربية وأشخاص مثل حزب الوفد وحزب الغد ومحمد البرادعي وهالة مصطفى وغيرهم، نشر الفكر الليبرالي وثقافته لكنها واجهت عوائق عديدة مرتبطة بممانعات تقليدية وغير تقليدية، فهناك ممانعة مرتبطة بالدين، فيعتقد كثيرون أن الليبرالية من خلال فصلها للدين عن السياسة فهي أتت لمحاربة الدين الإسلامي، ولكن الليبرالية أساساً تعتبر الحل الأمثل لتلافي الاختلافات العقائدية والدينية، ولا تعادي الدين إنّما تضعه في مكانه الصحيح، وهو أن الدين علاقة فردية بين الفرد وربه، وليس فرضاً ومفهوماً لتسيير دولة عبر علماء مجتهدين مصيبين ومخطئين.

والليبرالية في الواقع تساهم في وضع تصور لدولة مدنية متجددة الأفكار دائماً، لا دينية ولا عسكرية، والاثنان هما أقوى دعائم الاستبداد والديكتاتورية في التاريخ لأي نظام، وما الدول العربية إلا صورة واضحة لمعاني الطغيان والديكتاتورية.

يواجه الفرد في الدول العربية الكثير من العوائق والتي تعيق تطوره وإبداعه، منها الظلم والاستبداد والكثير من العادات والثقافات والاختلافات الدينية والسياسية التي تفرض عليه قيوداً تمنعه من التحرك بحرية، وتسمح له بالسباحة في فضاء الفكر الواسع ما قد تساهم في صناعة حضارة حقيقية. ولذلك ولكي نخرج من النفق المظلم، فلا يكفي أن نبني فقط ديمقراطية بحرية سياسية فقط، بل أن نؤطرها بأطر قانونية ودستورية، تتمحور حول الحرية الفردية ونرد للفرد اعتباره ومكانته المستحقة في صنع المستقبل.

فعملية التحول الديمقراطي التي نحتاجها في الدول العربية تحتاج إلى شروط ثقافية وفكرية ومجتمعية لإتمامها، تشمل إلى جانب الحرية السياسية والاقتصادية حريات أساسية مثل حرية الفكر والإبداع والتعبير والعبادة، واختيار نمط المعيشة والحق في العلم والمعرفة، وفي التميز والاختلاف، وترسيخ مفهوم الحريات الفردية التي هي جوهر الحقوق وأساس مبادئ حقوق الإنسان العالمية.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 4171 - الخميس 06 فبراير 2014م الموافق 06 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً