العدد 4185 - الخميس 20 فبراير 2014م الموافق 20 ربيع الثاني 1435هـ

أي مستقبل للتجارة الحرة بين إيران وأميركا؟

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

(رضا أنصاري: محرر موقع (تشراغ آزادي)، المنبر الفارسي لمؤسسة أطلس للأبحاث الاقتصادية، والمقال ينشر بالاتفاق مع «منبر الحرية»)

يعتبر تسلم حسن روحاني، وهو شخصية إصلاحية، لمنصب الرئاسة في إيران بمثابة إشارة واضحة على أن الشعب والمؤسسة السياسية في إيران يرغبان بإنهاء العقوبات الاقتصادية الغربية المدمرة، وذلك من خلال إحداث تغيير في الجمود الذي يعاني منه الخلاف النووي مع الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك أقدمت شخصيات إيرانية مرموقة على إطلاق رسالة ليبرالية تقليدية مفادها أن التجارة الحرة ترعى السلام والازدهار.

ففي الشهر الماضي طلعت علينا الصحيفة الاقتصادية الخاصة «دنيا الاقتصاد» بمقالة كتبها البروفيسور موسى غني نجاد، وهو من الأسماء المحترمة في عالم الفكر، حيث استشهد فيها بمونتسيكيو، أحد ملهمي الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، خلال شرحه بأن التجارة الحرة تخلق الثروة وتشجّع على المدنية، واحترام حقوق الشعوب الأخرى، والسلام من خلال زيادة مستوى الاعتماد المتبادل بين الشعوب.

وتابع غني نجاد، وهو من الأصوات التي عملت دون كلل خلال العقدين الماضيين على الدعوة إلى الليبرالية وحرية الاستثمار في إيران، ليحاجج بأن العقوبات تتصف بأمرين في آن واحد، وهما: افتقارها إلى الجدوى، وافتقارها إلى الشرعية، ثم ختم مقالته بدعوة الشعب الإيراني إلى مطالبة العالم بوضع نهايةٍ للعقوبات.

وقد وجدت رسالة غني نجاد صدى طيباً لها في البلاد، ففي كل يوم تطلع علينا الصحف الإيرانية بمقالات ومقابلات تنتقد العقوبات، كما تم تأسيس صفحة على موقع «فيسبوك» لمعارضة العقوبات، واستطاعت هذه الصفحة أن تجتذب أكثر من عشرة آلاف مؤيد. وفي الخامس من أغسطس الماضي قام خمسة وخمسون من كبار السجناء السياسيين الإيرانيين بالانضمام إلى الحملة من خلال إرسال رسالة مفتوحة إلى الرئيس أوباما (نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية) يدعونه فيها إلى إنهاء العقوبات، ويناشدونه أن يغتنم الفرصة التي تتيحها رئاسة روحاني من أجل التوصل إلى نهايةٍ للصراع يتقبلها كل من الطرفين.

إن العقوبات ليست بالأمر الجديد على إيران، والتاريخ يخبرنا بأنها لم تكن مجديةً في أيّ يوم من الأيام، فعندما أقدمت إيران على تأميم شركة النفط الإنكليزية الإيرانية في العام 1951، قامت بريطانيا بتجميد الأصول المالية الإيرانية على الفور، وحظرت التصدير إلى إيران، ومنعتها من تصدير النفط عبر نشر البحرية البريطانية في الخليج العربي. وقد كان لسياسة الحظر تلك عواقب اقتصادية قاسية على الشعب الإيراني، لكنها فشلت في تغيير سياسة التأميم الحكومية، وتسببت بدلاً من ذلك في تقوية السياسيين الذين رفضوا أية تسوية.

وفي إحدى مراحل جهود التحكيم التي قامت بها الولايات المتحدة والبنك الدولي، اقترب طرفا النزاع من الوصول إلى اتفاق، لكن المشاعر القومية المعارضة للتسوية كانت قد وصلت في ذلك الوقت إلى مستوى شجّع الراديكاليين على إقناع رئيس الوزراء محمد مصدق برفض القرار، ثم تلا ذلك انقلاب عسكري أطاح بمصدق (بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA)، وعاشت إيران بعدها ربع قرن من الحكم الاستبدادي الشاهنشاهي الذي انتهى بالثورة الإسلامية في العام 1979.

ثم تكرّر الأمر مرةً أخرى، فعندما تم احتجاز موظفي السفارة الأميركية في طهران كرهائن في العام 1979، عمدت الإدارة الأميركية إلى تجميد الأصول الإيرانية وفرض العقوبات، ومنذ ذلك الحين والعقوبات تشتد يوماً بعد يوم. ولا شك في أن أزمة الرهائن كانت تتطلب رداً قوياً من الإدارة الأميركية، لكن يجدر السؤال هاهنا: هل أدت العقوبات إلى تحرير الرهائن في نهاية المطاف؟ والجواب: لا، حيث يرى البعض بأنه كان من الممكن للضغط الدبلوماسي، حتى من دون العقوبات، أن يدفع حكومة الثورة، والتي كانت مصداقيتها كعضو في حركة عدم الانحياز قد تعرّضت لضرر كبير، إلى التصرف على النحو نفسه.

وهنا يجدر طرح السؤال التالي: ماذا كان ليحدث لو استمر الشعب الأميركي شريكاً تجارياً قوياً للشعب الإيراني خلال الأعوام الأربعة والثلاثين الماضية على الرغم من كل النزاع السياسي؟ ألم يكن البلدان ليكونا في موقع أفضل لحل الخلاف الحالي؟

إن هذه القضية تعتبر ذات أهمية ملحة بالنسبة للشعب الإيراني، فصندوق النقد الدولي يرى بأن العقوبات، والتي قامت الولايات المتحدة بالضغط على الدول الأخرى لاحترامها، هي السبب الرئيسي في تقلص الاقتصاد الإيراني، حيث انخفض إجمالي الناتج الوطني (الحقيقي) في إيران للعام 2012 بمقدار (1.9 %)، ويتوقع الصندوق أن يشهد في العام الحالي انخفاضا آخر بمقدار (1.3 %).

وليس في هذه الصورة ما يدعو إلى التفاؤل غير مشهد واحد، وهو حملة الشعب الإيراني ضد العقوبات، فهذه الحملة تستمد الدعم من كافة مكوّنات الطيف السياسي، وتستند إلى حكمةٍ قديمةٍ تقول: «تقييد التجارة يزيد الفقر»، وهو درسٌ لا يكفّ السوق عن تعليمه للناس يومياً. وكما يشير غني نجاد، الأب الشرعي لليبرالية الكلاسيكية في إيران، فإن منافع تقسيم العمل والنوايا الطيبة التي تنشأ عن التعاون الاقتصادي هي التي تجعل تحرير التجارة أمراً يؤدي إلى زيادة غنى الناس، والقاعدة هنا لا تتغير سواء كانت القيود التجارية تفرضها أميركا بعقوباتها أو تتسبب بها إيران عبر فرض الرسوم الحمائية أو تحديد حصص الاستيراد.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 4185 - الخميس 20 فبراير 2014م الموافق 20 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:46 م

      تطلع خير وبركة

      السوق الأمريكية الإيرانية الحرة أمر يبعث على اطمئنان الشعوب كافة ويريح التجار بشكل خاص.. أنا أوأيده..

    • زائر 2 | 8:54 م

      لكي لا ننسي

      منذ الحرب العالمية الاولي و حتي يومنا هذا أقدمت الدول الغربية و المدعية بالتحضر علي استعمال المقاطعة الاقتصادية علي العالم الذي لا يتماشي مع ميولهم. عدد ضحايا هذه المقاطعات لا يقل عن عدد من قتلوا. يجب ان لا ننسي بان الغرب يعتبر مصلحته واستغلالنا فوق اي شيئ و كلامهم عن التحضر ليس له عمق. الفقر و الفصل الاجتماعي عندهم اكثر من دولنا. الثروة اعمت أبصارهم و قلوبهم.

اقرأ ايضاً