العدد 4305 - الجمعة 20 يونيو 2014م الموافق 22 شعبان 1435هـ

المِحْوَر الجديد

ياسر حارب comments [at] alwasatnews.com

لا أحب متابعة الأخبار لأنها في عُرف البشر اليوم كل ما تعلّق بالموت والتفجير والغرق والخسارة، وغيرها من مُثبطات العزائم، ومُبيدات الهِمَم. ولكن، لا يمكن لمن يعيش في الشرق الأوسط إلا أن يتابع بقلق وترقب ما يدور حوله. فما يحدث في مناطق التوتر كالعراق وسورية وغيرهما مخيف وصادم على كل الأصعدة، ومن يعتقد أنه بمعزل عن تأثيرات هذه الأحداث فهو مخطئ، سواءً كان طالباً في الجامعة، أو مُخرجاً في التلفزيون، أو موظفاً في شركة إلكترونية. والدليل على ذلك ما أفرزته حروب الثمانينات، بين إيران والعراق، وبين أفغانستان وروسيا.

فما نعانيه اليوم من تطرف وتشدد وإرهاب كانت إفرازات لتلك المرحلة التي ظهرت فيها ما عُرِفت بـ «الصحوة الإسلامية» التي كانت – في جزء كبير منها - ردة فعلٍ سُنيّة تجاه بروز إيران الشيعية، ومصنعاً لتعبئة «المجاهدين» في أفغانستان لخوض حربٍ بالنيابة عن الولايات المتحدة ضد روسيا.

لكن المتغيّرات اليوم أكثر خطورةً مما كانت ومما نظن، فدول الخليج كانت أكثر تقارباً حينها، ومجلس التعاون كان، رُغم شكلياته، أكثر تفاهماً مما هو عليه اليوم. فالناظر إلى حال المجلس اليوم يُدرك بأنه مُنقسمٌ إلى عدة محاور: الإمارات والسعودية والبحرين تُشكّل المحور الأكثر حيوية. عُمان والكويت مُنشغلتان بشئونهما الداخلية. وقطر لم تنأَ بنفسها عن المجلس فقط، بل وصارت المعارض الأبرز لكل الجهود والمبادرات السياسية التي تبذلها دول المجلس. فغير مفهوم أن ترفض قطر دعم الجيش الحُر في بداية الأزمة السورية وتُصر على تمويل عناصر القاعدة، وكلنا يرى اليوم نتيجة تلك المراهقات السياسية من مذابح وصراعات على الأراضي السورية، وغير مفهوم دعمها اللا محدود لجماعة الإخوان المسلمين التي قفزت في أحضان إيران فور تسلّمها للسلطة في مصر. ناهيك عن دعم قطر للحوثيين في اليمن، وكأنها تتقصّد الإضرار باستقرار دول المنطقة وإرباك أمنها!

والناظر إلى ما يجري في العِراق من إعادة تقسيم على أيدي «داعش» و»البعث الجديد»، وفوضى الصراع في سورية بين القوى التي كان من المفترض أن تكون معارضة للنظام، والحرب الأهلية الطاحنة في ليبيا، يُدرك يقيناً بأننا في حاجة، على مستوى الشرق الأوسط على الأقل، إلى تشكيل محورٍ عربي جديد غير قائم على تَرِكات سابقة، لا قومية ولا إسلاموية. فالقومية أنتجت ديكتاتورية، والإسلاموية أنتجت فاشية؛ ولذا فإن المحور الجديد يجب أن يتشكل على أساس مصالح الأوطان، بعيداً عن الفساد والتلاعب بمصائر الشعوب، وعن الانتماءات الأيديولوجية والطموحات العابرة للدول والحدود.

وقد يكون المحور القائم على التحالف السعودي الإماراتي المصري، مع وجود البحرين كجبهة عربية في خاصرة إيران، هو الأكثر بروزاً، وربما يصير اللاعب الجديد في المنطقة مع انسحاب الأميركان منها وفشل الأتراك في ملء فراغهم. فتمدد الجماعات الإرهابية في العراق وسورية بهذه السرعة المهولة، وتحالف إيران مع النظامين العراقي والسوري ناهيك عن ميليشياتها الممثلة في حزب الله، لا يمكن مواجهتهما إلا بكتلة جديدة، تتكامل فيها القوة الاقتصادية، والتجهيزات العسكرية، والكثافة السكانية، مع الثقل السياسي والعلاقات الدبلوماسية الدولية للدول الثلاث مجتمعة.

فالصراع ما عاد محصوراً في غرف السياسيين المُغلقة، ولا في التنافس الاقتصادي، بل صار على أرضٍ مفتوحة، بالسلاح والمال والدين. وإذا لم يتأثر المواطن العربي بشكل مباشر بالسلاح، فإنه لابد متأثرٌ بالإرباكات الاقتصادية التي ستمر بها المنطقة، وبالإفرازات الأيديولوجية الناتجة عن الاصطفافات المذهبية، وعن فتاوى الجنون التي تدعو بسطاء الناس للتعبئة العسكرية والوقوف مع المذهب والعِرْق، لإنقاذ هذا الحزب السياسي أو ذاك.

كلنا يدرك أن للصراعات العسكرية والحروب خسائر إنسانية ومالية عظيمة، ولكن الخسائر الفكرية هي الأكثر إعمالاً في جسد الأمة وروحها. فبسبب تطويع الدين لمصالح السياسة، ظهر ابن لادن وطالبان وداعش والنُصرة والإخوان المسلمين وحزب الله وغيرهم ممن يقف كثير من بسطاء المسلمين معهم ليس لأنهم على حق، ولكن نِكالاً في ذلك المذهب أو في تلك الحكومة.

ليس من مصلحة دول الخليج الثلاث– النائية بنفسها - البقاء بعيداً عن هذا المحور، وليس من مصلحة أي منها تمويل جماعات متطرفة لخلق فوضى في المنطقة، ظناً منها أنها بذلك تصبح لاعباً رئيساً على الساحة السياسية، وإنه من الحماقة أن يقف المرء وحيداً في خضم هذا الفوضى الشرسة. ربما يكون صعباً على أحدهم أن يقدم تنازلات «شخصية» من أجل تحقيق استقرار المنطقة وتعزيز أمنها، ولكن وحدها النفوس العظيمة تستطيع أن تُقدم مصالح الناس على مصالحها الخاصة. يقول الوالد الشيخ زايد رحمه الله: «إذا أردت أن تَسْتَدِل على جاهل فانظر إلى مَن لا يسمع الرأي، فرُغم نُصح الناس له، يظل متمسكاً برأيه».

إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"

العدد 4305 - الجمعة 20 يونيو 2014م الموافق 22 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:36 ص

      اخ ياسر اصبت القول

      اخ ياسر انا اقرا مقالاتك لابتعد قليلا عن السياسة واتنفس كلماتك الجميلة لكن اليوم للاسف لايوجد متنفس نبتعد فيه قليلا عن الهموم والمشاكل

    • زائر 2 | 3:20 ص

      الصحوة السنية لم تأت كردة فعل على الثورة الايرانية

      شكرا للكاتب، لكن من باب التوضيح، فان ما يسمى الصحوة الاسلامية (السنية) لم تأت كردة فعل على الثورة الايرانية. لقد بدأت ملامح هذا الحراك الديني منذ منتصف السبعينات تقريبا وكان يسير متساوقاً مع ما يجري من حراك اسلامي (شيعي) سواء في ايران والعراق ولبنان تحديداً. ولقد شكل العام 1979 منعطفا بارزا لحركات الاسلام السياسي في شقها السني كرد فعل على غزو افغانستان من قبل الروس، فيما دشن قيام الجمهورية الاسلامية في ايران ذروة الحراك السياسي لدى الشق االشيعي. الاصح تاريخيا ان كلا التيارين كانا يسيران متساوقين

    • زائر 1 | 2:44 ص

      نصيحة

      الكاتب لو يركز في موضوعاته السابقة و يبتعد عن الساسة و السياسين و الطائفية في المنطقة يكون افيد للمجتمع ككل ..
      كنت متوقع من ياسر حارب ان يكون ليبرالي بس انصدمت

اقرأ ايضاً