العدد 4307 - الأحد 22 يونيو 2014م الموافق 24 شعبان 1435هـ

التكنولوجيا الحديثة والحفاظ على الأمن القومي العربي

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يثير موضوع ارتباط التكنولوجيا الحديثة بالأمن الوطني لأية دولة مجموعة من الإشكاليات.

الأولى: إن التكنولوجيا الحديثة تمتلكها الدول المتقدمة، والدول النامية تستوردها، ومن ثم فإن الوصول إلى هذه التكنولوجيا وفك ألغازها ليس في يد الدول النامية، وهو ما يجعل الأمن المرتبط بهذه التكنولوجيا ليس منيعاً كما ينبغي أن يكون.

الثانية: أن الدول النامية هي مستهلك لهذه التكنولوجيا الحديثة وليست منتجة وليست مطورة، ومن ثم تظل الفجوة بينها وبين التكنولوجيا كبيرة، وبينها وبين الدول المتقدمة أكبر.

الثالثة: أنه من الضروري أن تسعى الدول النامية لأن تبتكر التكنولوجيا الحديثة، أو على الأقل أن تطور ما تحصل عليه وتدخل عليه تعديلات وتحسينات، حتى تؤمن وطنها واستخدامها للتكنولوجيا الحديثة ضد اختراق الدول المصدرة للتكنولوجيا للمعلومات والخطط الأمنية للدولة المستوردة.

الرابعة: أن ابتكار أو تطوير التكنولوجيا ليس مسألة سهلة، فهي تحتاج إلى ثلاثة أمور، أولها المعلومات التكنولوجية والمعرفة العلمية الخاصة بها؛ وثانيها الموارد البشرية القادرة والمؤهلة على الابتكار والمعرفة والبحث العلمي المتقدم؛ وثالثها توفير رأس المال الذي يمكن استخدامه لشراء المعامل والمعدات اللازمة للبحث العلمي وتطويره.

وللتغلب على هذه الاعتبارات، تلجأ الدول إلى إحدى ثلاث وسائل أو بعضها، الأولى إنشاء المشروعات البحثية العلمية المشتركة مع الدول النامية في إطار التعاون جنوب/ جنوب؛ والثانية الالتجاء إلى الدول المتقدمة لاستيراد التكنولوجيا ونقلها وتوطينها، وبالتالي تدفع ثمن التكنولوجيا المستوردة، وهو ما يحتاج إلى مبالغ كبيرة؛ والثالثة هي إقامة مشاريع مشتركة مع الدول المتقدمة حتى تستطيع أن تعلّم وتدرّب مواردها البشرية وتكتسب خبرات بحثية وعلمية.

في هذا الإطار عقدت كلية الدراسات الإستراتيجية من جامعة نايف للعلوم الأمنية الملتقى العلمي حول مجتمع المعرفة في الوطن العربي، وقد استمر لمدة ثلاثة أيام من 22-24 ابريل/ نيسان 2014، وتضمن المؤتمر عدة محاور مهمة حول وضع وتطور مجتمع المعرفة في الوطن العربي وأهميته في مجالات التعليم والاقتصاد والسياسة والبحث العلمي وشارك فيه نخبه متميزة من أبناء الوطن العربي من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وخلص الباحثون المشاركون في المؤتمر إلى ثلاث نتائج مهمة.

النتيجة الأولى: إن وضع المعرفة في العالم العربي مازال دون المستوى المرغوب فيه، ومن ثم فإن من الضروري والمهم تطويرها وتفعيلها لخدمة المجتمع في شتى أنشطته ومختلف مجالاته باعتبارها ركيزة التقدم في المجتمع المعاصر، وهذا يستدعي زيادة تخصيص الموارد للبحث العلمي خصوصاً في التكنولوجيا المتقدمة.

النتيجة الثانية: ضرورة العمل من أجل ربط الباحثين في مجالات التكنولوجيا والأمن القومي بعضهم البعض، ليتسنى تحقيق التفاعل بين نخبة من الأساتذة والعلماء والخبراء في مجالات المعرفة المتنوعة، وتبادل الآراء والتصورات والرؤى حول كيفية تطوير مجتمع المعرفة في إطار من التفاعل والتكامل العربي.

النتيجة الثالثة: التعرف على جامعة نايف للعلوم الأمنية ودورها وإمكانياتها وفكرها الاستراتيجي بالنظر للمفهوم الأمني الشامل الذي يعكس مصالح الدول العربية قاطبة، ومصالح شعوبها وعلمائها وخبرائها، وما تقوم به في مجال الدراسات الإستراتيجية التي تفتقر لها المنطقة العربية، ومن الضروري الاهتمام بها وتعميقها إذا أرادت المنطقة العربية إن ترقى مثل باقي الدول التي طوّرت مفاهيمها الأمنية وأساليبها التكنولوجية للحفاظ على الأمن القومي.

ولقد كانت مداولات المؤتمر مكثفة، وحماس الباحثين المشاركين كبيراً، والأوراق العلمية التي قدمت متعددة، والدراسات متعمقة ومتخصصة، كل مشارك في مجاله، وكان مدار المداولات الأوراق البحثية التي قدمتها الهيئة العلمية التي اختارتها كلية الدراسات الإستراتيجية وعميدها المتميز عز الدين عمر موسى، وهو أستاذ له باع طويل في قضايا العالم العربي، وكذلك الأساتذة والهيئة الأكاديمية والإدارية الذين أظهروا جميعاً كفاءة عالية وتفانياً وإخلاصاً وحرصاً على إنجاح أعمال المؤتمر.

ولاشك أن أي مؤتمر وما تقدّم فيه من بحوث وأوراق، ليس من اليسير تناولها تفصيلاً في مقال صحافي محدود الكلمات، ومن ثم فإننا نسوق بعض الملاحظات العامة في هذا الصدد:

الأولى: اهتمام إدارة كلية الدراسات الإستراتيجية بأن تكون التوصيات قليلة العدد عميقة المضمون، واقعية التوجه قابلة للتنفيذ، ولذلك حرصت لجنة الصياغة التي تشرفت بعضويتها كما تشرفت بعضوية الهيئة العلمية للمؤتمر، على هذا التوجه ذي الطابع العملي.

الثانية: لقد وضح من المؤتمر أن العالم العربي مليء بالكفاءات والكوادر العلمية المتميزة المستوى، وربما ما ينقصها هو التنظيم وحسن الإدارة والتمويل، لكي يتسنى لها زيادة إنتاجها ومساهمتها في تقدم دولها ومجتمعاتها.

الثالثة: وهذه نقطة ذات بعد اجتماعي وإنساني، وهي تتمثل في حرص رئيس الجامعة جمعان بن رشيد بن رقوش، رغم مشاغله العديدة، على إقامة غداء دعا إليه كافة المشاركين، وكان يتحرك بين الطاولات والتحدث مع كل مشارك شخصياً، فلم يشعر أحد أنه غريب. وقد أظهر رئيس الجامعة تواضعاً ملموساً هو طبيعته وسجيته، وكذلك عميد كلية الدراسات الإستراتيجية وكافة أعضاء الكلية.

الرابعة: أنه جرى إعداد ممتاز للمؤتمر، فالكتيب الذي أعدته كليه الدراسات الإستراتيجية المضيفة للمؤتمر كان على مستوى عال في الإخراج والتنسيق، وشمل برنامج العمل، ونبذة عن الهيئة العلمية المشاركة، ونبذة عن البحوث التي قدّموها، مع نبذة عن جامعة نايف، وكلياتها والأنشطة العلمية لكلية الدراسات الإستراتيجية. وهي كلية رغم حداثة نشأتها فقد قدّمت الكثير في تلك الفترة القصيرة من تاريخها.

الخامسة: تتعلق بالهيئة العلمية والإدارية والعلاقات العامة وغيرها، وقد كان الجميع على درجة كبيرة من الكفاءة والتفاني لإنجاح المؤتمر وتسهيل المشاركة، خصوصاً بالنسبة للأعضاء الجدد من أمثالي. ومن الضروري أن أذكر الدور المتميّز الذي قام به مقرّر المؤتمر ومقرر لجنة الصياغة، الأستاذ حسن عبدالله الدعجة، أستاذ العلوم السياسية بالكلية وبالمملكة الأردنية الهاشمية، وقد اتسم باليقظة المستمرة والتواضع، فضلاً عن العلم. وكان بمثابة شعلة أضاءت كثيراً من مداولات المؤتمر، وحلت كثيراً من المواقف الصعبة التي تعرضت لها أنا شخصياً، خصوصاً في الجلسة الختامية لدواعي سفري.

السادسة: كانت الورقة البحثية التي قدمتها بعنوان «مجتمع المعرفة وتعزيز الأمن القومي العربي»، حيث استعرضت وضع مجتمع المعرفة وتعريفه وعناصره وأطره ومكوناته ومقوماته، وكذلك كيفية الاستفادة من ذلك في تعزيز الأمن القومي العربي، وأبرزت أن مفهوم الأمن القومي العربي هو مفهوم يعتمد على الانتشار والإقناع والأمل بحكم تعقد المشاكل الدولية والإقليمية، والمصلحة للحفاظ على الهوية العربية والأمل في بناء مستقبل أفضل يعتمد الأمن والمعرفة والاعتماد على الذات الوطنية والتكامل الإقليمي والتفاعل مع العالم.

السابعة: أن الأمن القومي العربي في حالة لا يحسد عليها، حيث تتكالب عليه الذئاب من كل صوب وحدب، ومن ثم فإن اهتمام جامعة نايف به يعد اهتماماً مشكوراً، فهي أحد المؤسسات القليلة إن لم تكن الوحيدة، ذات العمق العربي والمشاركة العربية. فقد أنشأها وزراء الداخلية العرب بحسهم الأمني، وضمت نخبةً من الأكاديميين العرب من الرجال والنساء، وكانت الأستاذة المشاركة من جامعة الأزهر حريصة على تقديم مداخلات في كل بند وتأكيد وجود المرأة العربية في هذا المحفل الذي سيطر الرجال على معظم مداولاته.

وختاماً أقول إنني أتمنى من صميم قلبي أن تتطور الجامعات العربية في نظرتها لقضايا الأمن من منطلق استراتيجي شامل، وهذا سوف يعزز الأمن القومي العربي ويقوّي مكانة الجامعات العربية على المستوى العالمي، وربما يعيد لحضارتنا العربية ما حققته من تقدم في عصر الدولة العباسية، عندما انتشرت مدارس الترجمة والتأليف في شتى المجالات، وكانت مدرسة الحكمة منارةً علمية وفكرية على أرقى مستوى في عصرها.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4307 - الأحد 22 يونيو 2014م الموافق 24 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً